سورية: الخارج والداخل
عبدالله إسكندر
يُكثر المعارضون السوريون من المؤتمرات في الخارج، سعياً الى هيئة تمثيلية موحدة، وليكون للمعارضة عنوان واحد وبرنامج مشترك.
وحتى الآن ما زالوا يتلمسون طريق هذه الهيئة من دون التوصل الى صيغة مقنعة لهم اولاً وللحركة الاحتجاجية ثانياً وللمحاورين في الخارج ثالثاً. ولعل هذا التباطؤ في التوصل الى مثل هذه الصيغة يثير قلقاً في شأن قدرة المعارضين السوريين على تشكيل بديل قادر، في ظل الشعار المرفوع عن تغيير النظام. وبدأت تُسمع اصوات، داخل سورية وخارجها، تعكس هذا القلق ونفاد الصبر ازاء مرور الوقت من دون ارساء الهيكلية المطلوبة.
هذا القلق مبرر، ليس لان المعارضة السورية تجد صعوبات وتعقيدات امام وحدتها، وانما لان الحكم السوري مستمر في عملياته الامنية وما تنطوي عليه من قتل وتدمير. وهي العمليات التي لا تزال مواجهتها السلمية هي الطاغية. اي ان التحرك السلمي الحالي يتعرض للقمع الشديد، مع ما يرافق ذلك من انتهاكات للافراد والمجموعات. لكن حدود التمسك بالاحتجاج السلمي قد تسقط مع استمرار هذا القمع الشديد. وربما هذا ما يسعى اليه الحكم عبر استخدام هذه القوة المفرطة. لانه يدرك انه بذلك تخسر الحركة الاحتجاجية، ليس فقط المواجهة الميدانية وانما ايضا المواجهة السياسية.
المعارضون السوريون المؤتمرون في الخارج هم، في غالبيتهم، من الشخصيات ذات الصدقية والتجرية السياسية. والارجح انهم يدركون طبيعة التحدي الكبير الذي يواجهونه. وتحدث كثر منهم عن العوامل التي لا تزال تحول دون تشكيل هيئتهم التمثيلية الموحدة. وذكر بعض هؤلاء، وهم في الغالب من المعارضة التقليدية واحزابها، ان حساسيات شخصية لا تزال تجر نفسها منذ سنوات القمع، وان ثقة مضطربة لا تزال تشوب علاقاتهم.
ومثل هذا الامر من البديهيات في ظل العقود السابقة من القمع والالتفاف والاستخدام الامني لبعض من في هذه المعارضة التقليدية.
في موازاة ذلك، يبدو ان ثمة قاسماً مشتركاً سياسياً مرحلياً يجمع هذه العارضة بكل فئاتها: سلمية الاحتجاج، تغيير النظام، اقامة دولة مدنية تعددية وديموقراطية تحترم حقوق الانسان وحرياته وتساوي بين جميع السوريين. اما الاختلاف في التفاصيل فهي مسألة طبيعية وبديهية، لا بل ضرورية لحياة ديموقراطية سليمة وتعددية، حتى داخل الهيئة التمثيلية للمعارضة. فمن دون الخلاف والسعي الى ابراز وجهة النظر الخاصة لا يكون للتعددية أي معنى في المرحلة الحالية، ولا يكون للديموقراطية معنى في المرحلية اللاحقة، بعد اقامة النظام الجديد.
ما سبق ليس تبريراً للتأخير في الوصل سريعاً الى هذه الهيئة، وانما للاشارة الى ان ثمة سيرورة سورية داخلية موازية لمؤتمرات الخارج التي هذه هي مواصفاتها. فالذين يخرجون يومياً سوية الى الشوارع ويواجهون الرصاص والمدافع، ويجازفون بأرواحهم التي قد تزهق وبحرياتهم التي ستسلب فور اعتقالهم، لا يفكرون كثيرا بانتماء زميلهم السائر الى جنبهم. فلا يترددون في الخروج اذا عرفوا ان هذا اسلامي وذاك علماني وذلك من مذهب آخر. انهم يخرجون لهتاف واحد. وهذا سر صمودهم واستمرار حركتهم التي تدخل شهرها السابع، رغم كل المشقات. وهذا ايضا الدرس السياسي الاول الذي على المؤتمرين التقاطه. وهو ان القيادة الفعلية للحراك السوري هي في الداخل. وأي صيغة لهيئة في الخارج تستقي فعاليتها من توفير الظروف الملائمة التي تمكن الداخل من الاستمرار.
ولذلك، ليس صدفة ان ينكر الحكم على الداخل أي قيمة سياسية ويقدمه كـعصابات مسلحة» تخون الوطن، فيما يتعامل مع بعض من الخارج على انهم معارضة وطنية.
الحياة