سورية: من عصبوية الحكم الطائفي إلى البديل/ عهد الهندي
من الصحيح القول إن النظام السوري ومؤسساته تحوي عناصر غير علوية فاعلة، وإن سجونها طفحت بمعتقلي رأيٍ علويين، لكن هذا لا يلغي أن «العصبوية العلوية» المرتكز الأهم الذي تأسست عليه دولة «سورية الأسد» والأداة التي مكنت شخص حافظ الأسد من الحكم والتوريث، وابنه من الاستمرار كحاكم لسورية بعد انقلاب الكثير من المكونات السورية على الرابط «السوري الأسدي» الذي جمعهم لعقود.
«العصبوية العلوية» أداة للحكم والتحشيد كـ «القومية العربية» والطبقية (دولة العمال والفلاحين) التي استخدمها النظام للنهوض بحكمه، إلا أن الرابط العلوي هو الأمتن كونه الحقيقي في دولة كـ «سورية الأسد»، بينما الروابط الأخرى وضعية غير أصيلة.
في بلد كسورية، أكثر ما جمع سكانها هوية تشكلت في حقبة «سورية الأسد»، لم تكن «الروابط الوضعية» سواء التي صنعتها السلطة، القومية العربية البعثية الأسدية، أو المعارضة القومية منها والأممية، لتصمد أمام الهويات الأزلية الأهلية (Primordial) أي المكتسبة منذ الولادة والمتوارثة من أجيال، وهذا ما ساعد وبشدة على طغيان التيارات المعارضة المرتكزة في تحشيدها الشعبي على الهويات الأولية، كداعش والقاعدة وأحرار الشام وغيرها. حتى المجتمع السوري السني الموالي للأسد، هو أيضاً يستمد قوته من عصبوية مناطقية ركيزتها المدن المهمة كحلب ودمشق، والتي يفضل المرتبطون بها، على رغم تدين الكثيرين منهم، دولة عرفوها، وشاركوا في اجتماعها، على معارضة تطغى عليها السنية الريفية. وتشترك مع هؤلاء نسبة كبيرة من الدروز والمسيحيين والإسماعيليين الذين يفضلون الحالة الراهنة على المجهول. ووفقاً لمبدأ السياسة الواقعية غير الإنسانية، فإن الإجماعات الحافظة دولة «سورية الأسد» لا تشكل خطراً على الأمن العالمي كالخطر التي تشكله التيارات الطاغية في معسكر القوى الثائرة على هذه الدولة. حتى الشيعية الجهادية لحزب الله لا تشكل الخطر الذي تشكله نظيرتها السنية الجهادية المنغمسة في حرب مع كل العالم، بخاصة أن الجهادية الشيعية ترتبط بدولة يمكن محاسبتها. ولعل هذا ما يبرر اشتراك العالم بأسره بأكثر من ستة آلاف ضربة جوية على داعش، والاكتفاء بضربة واحدة طاولت مطاراً لنظام مسؤول عن قتل أكثر من نصف مليون سوري، أي أكثر بكثير مما قتلته التيارات الجهادية السنية. فالحسبة هنا ليست إنسانية، بل تعتمد المصالح في شكل صرف.
الحال هذا لا يعني أن الأسد سيبقى، لكنْ لتسريع التغيير المنشود، يتوجب على معارضيه من أصحاب الفكر والمؤمنين بالحدود المتفق عليها دولياً، والذين قبلوا بـ «النظام العالمي» أن يفكروا كسياسيين واقعيين، لا نشطاء حقوق إنسان ومتظاهرين يساريين. ففي «سورية غير الأسدية» اليوم أربع مناطق ذات استقرار نسبي: تلك الموجودة في الجنوب الشرقي، وهي مناطق عسكرية بحتة لا تحمل رؤية حكم واضحة بعد، وتحتاج لأن تتصل بمناطق القلمون الشرقي التي تتوسع اليوم على حساب داعش، وتلك الأخيرة في حاجة إلى أن تتصل بمناطق الغوطة الشرقية التي تفصلها عنها تحشيدات ضخمة للنظام… وجنوب سورية الذي لم يستقر بعد ويحوي كتائب سورية متعددة ذات طابع عسكري بحت إلا أن ما يميزها محدودية التأثير الجهادي… ومنطقة الباب شمال حلب، وهي أيضاً منطقة عسكرية بحتة في حاجة إلى أن تكون أكثر سورية وذات رعاية عربية إقليمية ليست أردوغانية منهمكة بأجندات الصراع التركي الكردي ومصالح أردوغان السياسية… ومناطق سورية الديموقراطية الأفضل نسبياً بين كل المناطق والتي تحتاج إلى أن تكون أكثر تشاركية. وتحقيق هذا ممكن، ويحتاج من النخبة السورية أن تقوم بالوساطات والحوارات وتقديم مقترحات في تنظيم العلاقة بين كل هذه القوى لتتفق على إطار وطني غير أسدي قادر على إقناع العالم والروس بتقديم خطوات جدية لإنهاء دولة سورية الأسد والبدء بدولة سورية جديدة.
* كاتب سوري
الحياة