صفحات العالم

سوريــا والتدويــل!


علي راشد النعيمي

يوشك التحرك الشعبي السوري نحو الحرية والعدالة على أن يكمل عامه الأول، وما زال مسلسل الإبادة الجماعية الذي يستخدمه النظام في قتل شعبه مستمراً بوتيرة تصاعدية، ويقابله بإصرار عنيد وعزيمة صلبة تمسك الشعب السوري بمختلف فئاته وأطيافه بحقه في الحياة الكريمة كبقية الشعوب. وعلى رغم أن تحرك الشعب السوري كان سلميّاً واستمر كذلك لعدة شهور إلا أنه قوبل بعنف دموي غير مسبوق من النظام السوري و”شبيحته” بالاشتراك مع حلفائه، إيران وحزبها في لبنان، ودعم روسي سياسي ومادي بالسلاح والعتاد.

 وهذا العنف غير المسبوق لم يستثنِ أحداً في دمويته التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ وبأساليب لا يمكن أن يتصورها بشر يعيش في القرن الحادي والعشرين، فاقتلاع الحناجر وقطع الأعضاء التناسلية واغتصاب النساء وتقطيع أجسادهن بعد ذلك وقنص كل متحرك على الأرض، أمور حدثت وما زال مثلها وأشد منها يمارسه النظام ضد شعبه، فضلاً عن سياسة التجويع وقطع كل الخدمات عن المناطق التي تخرج فيها مظاهرات في ظروف طبيعية قاسية البرودة حتى أن العديد من المنظمات الإنسانية اعتبرت هذه المناطق بمعاييرها الدولية مناطق منكوبة وأن على المجتمع الدولي التحرك لحماية المدنيين وإغاثتهم. ولكن على رغم ذلك لم يتفاعل المجتمع الدولي مع أحداث سوريا كما تفاعل مع أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن، بل إن النداءات المتكررة التي أطلقها أحرار سوريا وضحاياها لم تجد الاستجابة الحقيقية التي تفرض على النظام السوري التوقف عن ذبح شعبه.

ولعل الأمر الغريب أن البعض يطالب السوريين بالمحافظة على سلمية ثورتهم متجاهلاً أن النظام بدمويته يفرض على الناس أن تدافع عن أرواحها وأعراضها وأموالها فهم في النهاية بشر وغريزة حب البقاء تفرض عليهم المحافظة على حياتهم بشتى الوسائل، وليس من المنطق أن تقول لهم واجهوا صواريخ النظام ودباباته بصدوركم العارية، وبالذات أنهم شاهدوا ما فعله النظام بالضحايا والمعتقلين.

إن المطالبة بسلمية الثورة أمر محمود في مقابل قدر معقول من عنف النظام، ولكن العنف الذي نشاهده يفرض على الناس ويدفعهم إلى الرد عليه بمثله، ولو أن المجتمع الدولي ألزم النظام بالتراجع عن الحل الأمني وسلوك طريق الحل السياسي عند بداية الأزمة لتغير مشهد الأحداث بصورة تامة، ولذا فإن الوضع الحالي قد ازداد تعقيداً وتحولت الأزمة السورية من أزمة داخلية إلى أزمة إقليمية ذات أبعاد دولية يدفع ثمنها الشعب السوري من دمه وماله. وتدويل الأزمة أصبح حقيقة واقعة وأول من بادر للتدويل هو النظام السوري بإدخاله حلفاءه الإيرانيين ومرتزقتهم في لبنان والعراق طرفاً في حربه ضد شعبه، وجعلها حرباً إقليمية ميدانها الأرض السورية ووقودها الدم السوري.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى