سيناريو محتمل .. تحذير لا تبرير
فادي عميره
الجامعة العربية تصدر قراراتٍ عقابية على النظام السوري بسبب عدم الوفاء بإلتزاماته في المبادرة العربية التي وافق عليها منذ أيام، حيث إستمر القتل ضد المتظاهرين، ولم يسحب قواته العسكرية من المدن. القرارات التصعيدية الجديدة ـ التي أتت بسبب إستمرار النظام بسلوكه الذي تعهد بإنهائه- تتضمن إرسال مراقبين من منظمات عربية، تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة وتعليق مشاركة وفودها في أنشطة الجامعة إلى حين الإستجابة للمبادرة العربية، دعوة الدول الأعضاء إلى سحب سفرائها لدى دمشق (أي قطع العلاقات مع النظام)، دعوة أطراف المعارضة إلى الإجتماع بالجامعة من أجل دراسة المرحلة الإنتقالية، والتهديد بتصعيد جديد في حال إستمر النظام في ممارساته الوحشية في مواجهة الثورة..
المتظاهرون ضد الإستبداد والفساد يردّون بمظاهرات فرح مرحّبة بقرارات الجامعة العربية، بعد أن كانوا قد فقدوا الأمل بدور عربي يحميهم، وبعد أن إحتجوا عدّة مرات على تقاعس وصمت، ثم بطؤ الجامعة، في إتخاذ موقف يسندهم ويقوّيهم ويضعف النظام الذي يبطش بهم خوفاً على سلطته التي تتهاوى.
قبل تلك المشاهد الأخيرة، صمتت الأنظمة العربية ـ والعالم أجمع- على ما يجري في سورية لأشهر طويلة، قتل خلالها الآلاف من أبناء الشعب السوري المناضل. بل وقامت عدة أنظمة عربية على دعم النظام السوري بالمال والتصريحات التي تعلن تضامنهم مع الرئيس بشار الأسد، أملاً في أن يتمكن النظام في سورية من أن يحتوي الإنتفاضة التي تهدد سلطته والتي ـ إن نجحت- ستنعكس على تناقضها الداخلي مع شعوبها. فالنظم العربية كلها تخاف من أي تغيير يمس أي نظام عربي قائم من خلال ثورة شعبية ستشجع بقية الشعوب على الإستمرار في الحراك الثوري المطالب بالعدالة والحرية. أي أن مصلحة الأنظمة جميعها تتمثل في إيقاف المد الثوري الذي إنطلق من تونس، وبأي ثمن.
فشل النظام السوري في إحتواء الثورة التي يتعرض لها، رغم إعتماده منذ أول لحظة، إستراتيجية أمنيّة عنيفة أوصلته إلى إحتلال المدن الثائرة، مترافقاً مع ضخ إعلامي ممنهج – رغم سخافته- يعمل على تشويه الحقيقة ونشر الرعب والفتنة وتخوين المتظاهرين والتشدق بنظرية مؤامرة ضعيفة وتافهة، أبطالها دول العالم كله وأجهزتها الإعلامية ومندسين في الأراضي السورية، وعملاء بين النخب والمثقفين والسياسين العرب المؤيدين للثورة.
أدى ذلك الفشل إلى إضعاف مستمر للنظام الذي أنهكه إصرار الشعب الثائر وبطولته الأسطورية، فلا يمكن أن يبقى الحال على ما هو عليه من عنفٍ وعدم إستقرار وإحتلال للمدن وإنشقاقات مستمرة في الجيش وغيره. الكفة ترجح لمصلحة التغيير في سورية، والذي يبدو أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم.
في ظل هذه المعادلة على الأرض، بدأت النظم العربية تعي مصلحتها في التدخل من أجل إحتواء ما يجري وتقليل الخسائر، وربما المساهمة في رسم بديل يناسبها. الكل يخاف من تدهور الإستقرار أكثر في المنطقة، والكل خائف من حرب أهلية أو تدخل عسكري خارجي جديد لا تحمد عقباه في ظل إصرار ـ سيفشل حتماً- النظام الفاسد على وأد الثورة والحفاظ على مصالحه ومركزه في السلطة. وخوف جامعة الأنظمة العربية هذا ليس على الثورة، وليس على مصالح الشعب السوري، ولا تأييداً لمطالبه المشروعه في العدالة والديمقراطية. فقامت جامعة الأنظمة العربية بطرح المبادرة التي دعت لوقف القتل وسحب الجيش من مناطق الإحتجاج وإطلاق سراح المعتقلين كمقدمة لحوار يحل الأزمة. وافق النظام على تلك المبادرة. وموافقته لم تأت رغبةً بوقف القتل والبدء بحوار وإنتهاج حل سياسي إصلاحي سلمي للأزمة، بل لكسب مزيد من الوقت، لأنه يعلم أنه إن رفضها فإن ذلك سيؤدي إلى تدويل مباشر للأزمة، لذا وافق عليها من أجل الحصول على مزيد من الوقت قد يتمكن خلاله من إنهاء الثورة بالقوة قبل التدويل.
تأتي الأحداث الأخيرة والتدخل العربي ورد الفعل عليه في هذا السياق، وليس في سياق مؤامرة عربية عالمية مرسومة مسبقاً على النظام السوري. النظام السوري هو المؤامرة على شعبه وعلى المنطقة، وهو المسؤول عن ما يجري وعن المصائب التي ستقع في حال إستمراره بنفس النهج، وهو ما أتوقعه.
إن فشِل التدخل والضغط العربي في إحتواء الأزمة وإنهاء الصراع في سورية بأي طريقة، فإن ذلك سيعني حرباً أهلية أو تدخلاً خارجياً سيكون الأخطر على النظام وعلى سورية وعلى الثورة والمنطقة كلها.. لا أتوقع أن ترضخ سلطة الإستبداد والنهب للضغوط بسهولة، لأنها لا تريد فقدان سلطتها ومصالحها ونفوذها الذي راكمته لعقود، لأنها تدرك جيداً أن البديل عن القتال حتى النهاية هو النهاية لكن النهاية الأولى تبدو أبعد، حيث يبدو لهم أن هناك بصيص أمل في القضاء التام على الثورة. أما النهاية الثانية فتعني الإستسلام للتغيير الذي سيفرضه الشعب السوري، لأن وقف إستخدام السلطة للعنف ببساطة سيعني نزول الملايين إلى الشوارع لفرض التغيير.
على النخب والمحللين التوقف عن الصراخ والتخبط والعويل والرعب من مؤامرة عربية عالمية تجري لإحتلال سورية، وتوجيه بوصلة النقد لحماقة النظام. سيؤدي عدم رضوخ النظام إلى الضغوط الداعية إلى وقف العنف إلى فتح المجال واسعاً أمام التدخل العسكري الخارجي الذي يعي النظام إمكانيّة حدوثه ويحاول تأجيله قدر المستطاع. وهو ما أحذر منه، ولا أبرره.
‘ ناشط وكاتب أردني
القدس العربي