شتاء سورية على الأبواب/ ريان محمد
بدأ الشتاء يدقّ باب السوريين، منذراً بفصل جديد من المعاناة المتجددة منذ سنوات. وينتظر هؤلاء المطر والثلج والبرد، وسط نقص في وقود التدفئة وغلاء أسعارها إن توفّرت، بالإضافة إلى رداءة منازلهم أو المراكز التي تأويهم أو خيم النازحين منهم. فيُضاف إلى بؤسهم بؤس آخر.
أم عمر نزحت من ريف دمشق إلى إحدى ضواحي العاصمة دمشق قبل نحو ثلاث سنوات، تخبر أنّها تسكن في “شقة ما زالت من دون إكساء، ما زالت هيكلاً من دون نوافذ ولا أبواب ولا حتى صرف صحي أو تمديدات للمياه. أعيش مع أبنائي وبناتي الستة، نسدّ المدخل ليلاً بلوح من الصفيح، في حين لا نملك مدفأة ولا وقوداً للتدفئة. أمّا الكهرباء، فنحصل عليها من خلال خط مددناه من منزل قريب، يسمح لنا بإنارة الغرفة التي نعيش بها”. تضيف أم عمر أنّه “في هذه الأيام، بدأنا نشعر بالبرد ليلاً. النوافذ ما زالت مغلقة بالنايلون من الشتاء الماضي، لكنّ بعضاً من النيلون تمزّق. وقد أبلغنا أكثر من منظمة بحاجتنا إلى نايلون، وما زلنا ننتظر اتصالاً من طرف ما”. وتأمل أن يصلهم الدور “قبل أن يداهمنا المطر والبرد”.
وتشير أم عمر إلى أنّها تبحث منذ أسابيع عن “مدفأة مستعملة، إذ إنّ تلك التي كنّا نستخدمها في العام الماضي تعطلت لكثرة ما أحرقنا فيها بلاستيك وخشباً وأيّ شيء قابل للاشتعال”، موضحة أنّها بدأت هذا العام تجمع كل ما تستطيع إشعاله، “فما زلت أشعر ببرد العام الماضي في عظامي”. وعند سؤالها عن إمكانية شراء مادة المازوت للتدفئة، تردّ سائلة: “من أين لي هذا؟ فأنا وأبنائي نعمل حتى نؤمّن طعام يومنا وفي أيام كثيرة نعجز عن ذلك”.
من جهته، يقول مصطفى م. وهو من سكّان دمشق، “فليكن الله بعوننا في الشتاء المقبل. الناس يتوقّعون أن يكون برده شديداً”. ويشير إلى أنّهم خلال هذا العام، “عجزنا عن تحضير أصناف عدّة من مونة الشتاء، أي من المربيات والمكدوس والمخللات والزيتون وغيرها من مواد غذائية تخفّف علينا أعباء غلاء المواد في فصل الشتاء”. أمّا في ما يخصّ التدفئة “وهي الأهم، فحتى اليوم لم نحصل على مادة المازوت، على الرغم من أنّ مؤسسة المحروقات أعلنت أنّها سوف توزّع 200 لتر من المازوت بسعر 37 ألف ليرة سورية (نحو 72 دولاراً أميركياً). بالتأكيد، المبلغ غير متوفّر لديّ، كذلك فإنّ هذه الكمية غير كافية، خصوصاً وأنّ لديّ أطفالاً صغاراً في السنّ”. يضيف: “ولا داعي للتحدّث عن المازوت في السوق السوداء حيث يتوفّر إنّما بضعفَي ثمنه على أقلّ تقدير. حتى الحطب ليس في متناولنا، إذ إنّ ثمن الطنّ الواحد منه يتراوح ما بين 50 و60 ألف ليرة (نحو 100 – 120 دولاراً) ويكفي لنحو شهر واحد. وبهذه الأسعار، من المستحيل أن نحصل على الدفء”. ويلفت مصطفى إلى أنّ “وضع الكهرباء تحسّن أخيراً وانخفضت ساعات التقنين. أرجو أن يستمر ذلك خلال فصل الشتاء، إذ من شأن ذلك أنّ يؤمّن لنا مصدر تدفئة”.
أمّا أبو محمد من ريف درعا، فيشكو قائلاً: “لا أعلم كيف سوف أدفئ أطفالي هذا العام، فمادة المازوت شحيحة جداً بعد المستجدات العسكرية في البادية. فهي كانت تصلنا عبر السويداء المجاورة. كذلك فإنّه من المتوقّع أن يرتفع ثمن الحطب إذ إنّ الطلب عليه سوف يزيد، بالإضافة إلى عدم توفّره كما كان الأمر في الماضي. فبعد سنوات من التحطيب، خسرت مناطق عدّة أشجارها”. يضيف أبو محمد أنّه اليوم “عاجز عن تأمين ألبسة شتوية لعائلتي، إذ ما يتوفّر منها غالي الثمن. حتى تلك المستعملة مرتفعة الثمن بالنسبة إلينا”.
في السياق، يقول الناشط أبو عمار الجنوبي إنّ “وضع السوريين عموماً سيئ مع بدء فصل الشتاء، والأسوأ هو وضع النازحين المقيمين في مخيّمات وفي العراء. فآلاف العائلات في مخيمات درعا للنازحين، كمخيّم زيزون وغيره، يستقبلون الشتاء في خيم نصبوها من بقايا شوادر وبطانيات، ولا أمل لها بالصمود أمام رياح الشتاء. كذلك فهي لن تمنع عن شاغليها المطر ولا الثلج ولا حتى البرد”. يضيف أنّ “خيم مئات العائلات منصوبة على التراب، وهو الأمر الذي سوف يحوّل مواقع نصبها إلى مستنقعات مع سقوط أولى زخات المطر”. ويتابع أنّ “الغالبية الساحقة من هؤلاء لا يملكون مدافئ ولا وقود التدفئة ولا حتى القدرة على شراء الحطب. فكثيرون اليوم يطبخون في العراء على نار القصب وما يتوفّر من أعشاب يابسة وبقايا بلاستيك”.
إلى ذلك، لا يبدو الوضع أفضل في إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة الإسلامية والمعارضة. فتقول الناشطة أم عمر إنّ “آلاف العائلات في مخيّمات النزوح تعاني من أوضاع إنسانية سيّئة للغاية من جرّاء النقص الكبير في المساعدات الإنسانية والوقود والخدمات الأساسية”. تضيف أنّها “تعاني كذلك من غلاء الوقود الذي بالكاد يؤمَّن لمولدات الكهرباء. فإدلب تعتمد على مولدات الكهرباء الخاصة لشحن بطاريات الإنارة وأجهزة الخلوي وأجهزة الكومبيوتر المحمولة إن وُجدت”. وتلفت أم عمر إلى أنّ “العائلات التي يتوفّر لديها المال اللازم تتوجّه بمعظمها إلى شراء الحطب، إذ إنّ ذلك تجارة رائجة على حساب الأشجار المثمرة التي لم يتبقَّ منها الكثير”. وتتابع أنّ “معظم سكان إدلب، خصوصاً المهجّرين منهم، لا أدري كيف تكون أيامهم المقبلة، لا سيّما بعد تجدد القصف والعمليات العسكرية أخيراً. من شأن ذلك أن يزيد من عدد النازحين والمشرّدين في إدلب”.
تجدر الإشارة إلى أنّ ملايين السوريين يستقبلون الشتاء المقبل في حالة يرثى لها، وكثيرون منهم مشرّدون ونازحون ومحاصرون في ظل أوضاع مأساوية، كما هي الحال في الرقة ودير الزور والبادية وريف حمص والغوطة الشرقية وجنوب دمشق والغوطة الغربية والقنيطرة ودرعا وغيرها، في وقت يبدو العجز واضحاً لدى المنظمات الدولية عن التخفيف من مأساتهم.
العربي الجديد