صفحات الناس

صور الزبداني.. مستقبل الحرب السورية/ نذير رضا

 

 

الإحراج الالكتروني الذي انتاب جمهور المعارضة السورية، وحزب الله اللبناني والقوات الحكومية السورية، بعد تداول صور مقاتلي الزبداني الاخيرة، ينبئ بما ستكون عليه الحال، حين تصل تسوية “الحروب” السورية الى نقطة الختام. لا منتصر في حرب تستوي على خاتمة لبنانية، على قاعدة “لا منتصر ولا مهزوم”، فيما يعود أمر الاحتراب الى ما يتخطى قدرة السوريين على صناعته.

يقف ثلاثة مقاتلين نظاميين، أو حلفاء للنظام، قبالة ثلاثة مقاتلين معارضين وجهاً لوجه. فوهة البندقية خامدة. لا تقول الصور انهما تبادلا التحية، أو تبادلا أطراف الحديث. جل ما في الصورة، ركون المقاتلين الى أوامر الهدنة التي فرضتها أطراف اقليمية. من كان يروّج أمس للنصر، أو للتصدي، لاذ بالتحليل: طرف يتبجح بمعادلة الردع بين الزبداني وكفريا والفوعة، والآخر يتشدّق بمنح الفرص، تمهيداً لاخراج المقاتلين المعارضين من الزبداني.

في الحالتين، عبور غير منطقي فوق الوقائع. وحدها الصورة تكشف زيف الادعاءات. فما قيل عن عبثية الحرب السورية التي تُدار بايقاع خارجي، يثبت اليوم في واقعة هدنة الزبداني. لا طريق القدس تمر من المدينة، ولا تخليص البلاد من نظام الرئيس السوري بشار الاسد، يعبر منها. ما تقوله الصورة، أبلغ من تحميل ايديولوجي لصراع طال أمده، وسيستوي على معادلة الحرب الاهلية اللبنانية، بكافة تفاصيلها.

والنموذج اللبناني، بات ماثلاً أكثر من اي وقت مضى في الزبداني. مقاتلون يمتثلون لقرارات هدنة خارجية، قد يتقاربون أكثر إذا طال أمدها. لا يستبعد مستخدمو مواقع التواصل انعقاد جلسات لتدخين النرجيلة بين المقاتلين المتقابلين، أو تبادل السجائر، أو التنافس في لعبة “طاولة”. يعيد المشهد ذاكرة اللبنانيين الى متاريس وسط بيروت ابان الحرب الاهلية. يتساير المتحاربون لحظات الهدنة عبر المحاور المتقابلة، ويتبادلون اطلاق النار لحظة خرق الهدنة.

تحمل الصور المسربة، الكثير من الايحاءات غير المصرّح عنها. كشفت الزبداني ما يجري في بلدات كثيرة، بقيت بعيدة عن عدسة الكاميرا. لم يتبنّ أي طرف تسريب الصور التي افتقدت الى مصدرها الأول. لكن مسرّبها، ينوي ارسال رسالة الى مقاتلين آخرين، بأن هذه الحروب ليست حربهم وحدهم، وهم ليسوا الطرف المؤثر فيها. فهم مجرد ارقام تتقاتل، و”تستشهد”، وليس لها اي نصيب من الفوز أو الهزيمة.

وما كانت الرسالة لتصل، لولا مواقع التواصل الاجتماعي التي نقل روادها دلالات الصور، الى جانبها. أمامها، خفت صوت المحتفين بالفوز، وتلاشى مدّعو النصر. من هنا، تأتي وظيفتها كآلة لإسكات الدعائيين. المتحزبون عادوا ادراجهم للسؤال عن حقيقة هدنة، بسطت، فور توقيعها، هدوءاً افتقدت اليه المدينة منذ ثلاث سنوات. وطبعاً، لا اجابات تحملها التحليلات الكثيرة التي حملتها الصحف المتحزبة، سوى ايحاءات الصور ودلالاتها.

الحرب السورية، تضع أوزارها انطلاقاً من الزبداني. المشهد هنا، سينسحب على مدن كثيرة. وفي المستقبل، لن نقول سوى “الرحمة للشهداء”، طالما أن أطراف النزاع تبحث في مرحلة ما بعد الحرب، بينما تبحث الامهات بين الضحايا عن معاني النصر، وخلفياته الايديولوجية.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى