صفحات العالم

طريق المستقبل في سوريا… ما بعد الأسد


كُرت شيلنجر

بعد التفجير الذي قتل فيه أربعة مسؤولين كبار في نظام بشار الأسد، يوم الأربعاء الماضي في دمشق، يمكن القول إنه ليس من المبكر جداً تأمل الطريق إلى المستقبل في سوريا خلال مرحلة ما بعد الأسد، حيث تُظهر النزاعات في ليبيا والعراق وبلدان أخرى أنه عندما تقترب المعركة من العاصمة، فإن ساعة الخلاص تغدو قريبة. ورغم أن مجلس الأمن الدولي منقسم حول سوريا من جديد، بعد استعمال روسيا والصين “الفيتو” يوم الخميس، إلا أن بعض الزعماء الدوليين بدؤوا منذ بعض الوقت ينظرون إلى ما بعد الانهيار النهائي لـ42 عاماً من حكم آل الأسد. وفي هذا الإطار، دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الأسدَ مرة أخرى يوم الأربعاء للتنحي، بينما حث الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التخلي عن حليفه السوري. غير أن أي إطار للسلام وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الأسد، سيتطلب تخلياً مهماً عن الطريقة القديمة التي كانت تدار بها الأمور داخل سوريا وعن الطريقة التي يتفاعل بها العالم مع هذا البلد الذي يتمتع بموقع استراتيجي مهم. والواقع أن الأمثلة في بلدان أخرى تُظهر أن أي عملية انتقال ستستفيد كثيراً إذا استطاع السوريون:

– أولاً، الحرص على أن تشارك في العملية جميع الأطراف. فمثلما أظهرت العملية الانتقالية في جنوب أفريقيا خلال أوائل التسعينيات، فإن جلب كل الأطراف إلى طاولة المفاوضات، يعتبر أمراً أساسياً، في حين تُظهر تجارب كل من العراق وبوروندي مخاطر الإقصاء والتهميش. فسوريا خارجة من أربعة عقود من الحكم الوحشي لأقلية. لذلك، فإن المجتمع مقسم إلى قرابة ثمان وأربعين مجموعة إثنية وعدد كبير من المجموعات السياسية المتنافسة. ودون مشاركة حقيقية من بعثيي الأسد، مثلاً، أو حلفاء “حزب الله” المدعوم من إيران، في المفاوضات الانتقالية والدستورية، فإن بناء وحدة اجتماعية وسياسية سيكون محبطاً، إن لم يكن مستحيلاً. كما أن استبعاد هذه المجموعات يمكن أن يثير مزيداً من العنف.

– ثانياً، إدماج قوات المتمردين والجيش الوطني تحت سلطة مدنية. والواقع أن الانشقاقات الكثيرة والمتواصلة لمسؤولين عسكريين كبار وجنود، قد أطلقت هذه العملية. غير أن الأمن يمثل شرطاً مسبقاً للتحول والتطور. وفي السياق السوري، فإن ذلك يعني حماية الحدود، والحفاظ على أمن الأقليات، وتأمين الأسلحة الكيماوية التي تشير بعض التقديرات إلى أنها مخبأة في 45 موقعاً مختلفاً عبر البلاد. كما أن مصداقية القوات المسلحة بعد الأسد ستتوقف على توحيد محاربين مختلفين وعلى قيادة مشتركة ملتزمة بحكومة وحدة وطنية مؤقتة.

– ثالثاً، حماية وتشجيع وإشراك المجتمع المدني. في الفترة المشرقة القصيرة التي أعقبت صعود بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، بعد وفاة والده حافظ الأسد، كانت المقاهي تعج بالحوارات والنقاشات السياسية والاجتماعية وسط توقعات بالتغيير. فالسوريون شعب حيوي وملتزم ومثقف. وحتى في أحلك فترات الـ42 عاماً من حكم آل الأسد، في دولة بوليسية تشبه ألمانيا الشرقية السابقة، استمر النقاش المحتدم في المجالس الخاصة. ومما لا شك فيه أن مجتمعاً مدنياً نشطاً – يتألف من صحافة حرة، ومنظمات صحية وتعليمية وتنموية غير حكومية، ومثقفين عائدين من الخارج، وتحركات غير مقيدة للجامعات والطلبة – ضروري وأساسي من أجل إعادة الإعمار.

– رابعاً، الاستفادة من تجربة مجتمعات أخرى خرجت من النزاع، خاصة جنوب إفريقيا ورواندا وموزمبيق والبوسنة والعراق… حيث توجد مخازن كبيرة للمواهب البشرية ونماذج مختلفة للمصالحة. وبالنظر إلى السياق الجيوسياسي لسوريا، الواقعة في مفترق طرق لمنطقة تعرف اضطراباً كبيراً وعملية دمقرطة هشة، فإن الانتقال في سوريا سيكون مستحيلاً دون دعم دولي بنّاء. وإذا كان مستقبل سوريا يجب أن يكون في أيدي شعبها، فإن نهاية عهد الأسد، كيفما جاءت، ستتطلب إعادة تحديد الطريقة التي ينخرط بها العالم مع البلد.

ومن الخارج ستحتاج سوريا إلى:

– دعم عسكري من أجل تأمين الأسلحة الكيماوية تمهيداً للتخلص منها في نهاية المطاف، وكذلك إدماج القوات المسلحة تحت قيادة مدنية.

– مجموعة صغيرة وغير نمطية تضم مستشارين سياسيين وتنمويين من الولايات المتحدة، والقوتين الاستعماريتين السابقتين، بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى روسيا وتركيا وإيران. ورغم تركيبة هذه المجموعة التي قد تبدو متنافرة، إلا أنه إذا لم يتم التوفيق بين المصالح – أو كبحها على الأقل – عبر طائفة من اللاعبين الخارجيين المختلفين والمتخاصمين الذين لديهم روابط تاريخية عميقة مع سوريا، فإنه لن تكون ثمة طريقة فعّالة لكبح تدخل خارجي يأتي بنتائج عكسية، ويزعزع الاستقرار ربما.

– إلغاء العقوبات وإعادة الانخراط الاقتصادي المربوط بإصلاحات اقتصادية. مما لا شك فيه أنه ستكون ثمة حاجة عاجلة إلى الإغاثة الإنسانية في المدن والمناطق السورية الأكثر تأثراً بالحرب. لكن في بلد يعرف نمواً اقتصادياً سلبياً وبطالة مرتفعة، فإن إطلاق الاقتصاد سيكون أساسياً من أجل توفير حكومة انتقالية لديها مجال للتنفس.

– جزرة من إسرائيل. إن الفائدة الأكبر الممكنة من تحول سوريا إلى دولة ديمقراطية هي إعادة الاصطفاف الإقليمي، خاصة إنهاء تدخل دمشق العنيف في لبنان والشراكة مع إيران. وكل هذه الأمور ستمثل دون شك مكاسب قيمة لم يكن من الممكن تخيلها من قبل بالنسبة لإسرائيل. ومن شأن عربون حسن النية، مثل اقتراح التفاوض حول حل لمرتفعات الجولان مع حكومة سلمية ومنتخبة، أن يمنح زخماً للإصلاح السوري.

– استراتيجية مساعدة على المدى الطويل. العالم السياسي الجنوب إفريقي جريج ميلز يجادل بأن استعادة بلد ما لعافيته من المحتمل أن تكون طويلة على الأقل خلال فترة تراجعه وانحداره. ومثلما تُظهر التجربة في مصر وجمهورية الكونجو الديمقراطية، وبلدان أخرى، فإن المجتمعات التي تخرج من طغيان طويل، تعاني بسبب افتقارها إلى تجربة ديمقراطية عملية، كما أن نموذج حفظ السلام الذي كان متبعاً خلال العقدين الماضيين، والمرتكز على الانتخابات، كثيراً ما يفشل في إنشاء معايير جديدة دائمة للحكامة ومشاركة المواطنين.

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى