في “التخاذل العربي”/ حسام عيتاني
يقف السوري – الفلسطيني- اللبناني – العراقي في لحظاته الصعبة مستغيثاً من ظلم ذوي القربى أو الأعداء الأجانب، صارخاً «خذلنا العرب والمسلمون».
وبات لهجاء «التخاذل العربي» كتّاب ومعلقون وشعراء، يساهمون في صناعة كاملة تروّج لمقولة ان الوضع العربي الراهن والأنظمة مسؤولة عن تدهور أوضاع الأمة وتمكّن أعدائها وطغاتها منها ومن شعوبها المستضعفة.
بيد أن تفحص هذه المقولات بقليل من التبصر، يفضي الى نتائج قد تكون معاكسة وتقترب من الدعوة الى تعميم «التخاذل» المشكو منه كواحد من أفضل صيغ العلاقات العربية – العربية.
والحال أن أياً من الشعوب «المخذولة» لم تقم بانتفاضتها أو ثورتها أو حربها الأهلية، إرضاء للاخوة العرب والمسلمين. كان لكل حدث من تلك التي شهدتها المنطقة مبرراته وضروراته الداخلية بالدرجة الأولى المتعلقة بمصالح الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم. وتلامس دعوة العرب لدعم الثورة السورية على سبيل المثال، بالشروط التي تحددها المعارضة، انتظار المطر في الربع الخالي.
ذلك ان الثورة تمثل في العمق، كل ما ترفضه الحكومات العربية القادرة على تقديم مساعدات من النوع الذي ترغب فيه المعارضة السورية، أي ما يتجاوز الإعانات الغذائية والدوائية وصولاً الى اداء دور سياسي وعسكري مساند للثورة شرط عدم التدخل في مسارها والانكفاء بعد تقديم العون. نوع من العمل الخيري السياسي والعسكري المنزّه عن الغرض.
ويبدو مدهشاً ذاك الإصرار على استصراخ العرب الإقدام على تقديم العون من الصنف المذكور، فيما لا تتلاءم مع شروط الدعوة غير تلبية المعتصم العباسي لصرخة استغاثة امرأة من عمورية في القرن التاسع الميلادي. أي ان التدخل يجب ان يتخذ من النخوة والشهامة والفروسية، كما ذكرها أبو تمام في قصيدته، اسباب التدخل من دون أي اعتبار لبداهات المصلحة والعائد السياسيين والاستراتيجيين.
أما «الغوث» الواقعي العربي في التاريخ الحديث فيرقى الى مستوى الكوارث، من حروب محمد علي وابنه ابراهيم باشا في الشام والجزيرة العربية، وصولاً الى نجدة صدام حسين لأهالي الكويت (على ما تقول الرواية البعثية لاحتلال صدام للدولة الجارة)، مروراً بتدخل القوات المصرية في اليمن في الستينات و»الوجود» السوري في لبنان طوال ثلاثين عاماً. ناهيك عن سلسلة من الحروب العربية الباردة والانقسام الى محاور متصارعة.
عليه، يظهر التنديد بالتخاذل العربي نتاج وعي زائف، يقوم على تفسير رغبوي ومتخيل للعلاقات العربية يتناقض مع أبسط تعريفات السياسة الخارجية حتى بالنسبة الى دول لم تستكمل بعد نصابها الوطني من مؤسسات وقوانين ودساتير، مثل بلداننا العربية.
نعثر في هذه الرؤية الرغبوية على ملامح شَبَه مع ممارسة أعرض وأعرق تتلخص بالتهرب من المسؤوليات الذاتية والقاء اللوم على «الغرب الامبريالي» و»الصهيونية العالمية» في مآسينا، من الحروب الاهلية الى التخلف التقني والتربوي، التي لا نود الاعتراف بعجزنا عن مواجهتها. فينتقل التهرب من إنجاز المهمات الملحة (كتوحيد المعارضة السورية أو معالجة الانقسام الفلسطيني، مثلاً) إلى لوم للتخاذل العربي الذي يجوز القول انه ارحم بما لا يقاس من كل تدخل عربي يعرفه التاريخ في شؤون الاشقاء المنكوبين.
ورغم رسوخ قدم مدرسة لوم الآخرين على مصائبنا، ورغم انتشار هذه المقولة وسطوع نجومها في سماء الثقافة والاعلام العربيين، لا بد من التأكيد على أن تنكّب المسؤولية السياسية الوطنية، أجدى من البحث عن معتصم يحقق «فتح الفتوح»، ثم يعود الى سامراء راضياً مرضياً.
الحياة