في الفاشية اللبنانية المستحدَثة
عبد الله امين الحلاق
ما يوحّد التغريبتَين، الفلسطينية والسورية اليوم، أمران يجدر الوقوف عندهما ملياً:
الأول يتعين في تعرّض الشعبين إلى نمط من حروب التطهير والتهجير على يد نظامين فاشيين يحتلان الشعب السوري والفلسطيني، يسوّق محتل الشعب الأول نفسه ممانعاً عتيداً في وجه الثاني، فيما يبدو المحتل الثاني بحاجة إلى خبرات أكبر في القتل والعنصرية ليتلحق بركب الأول في ممارساته الاستئصالية تجاه شعبه السوري.
والثاني، هو الخطاب العنصري الآتي من البلد الجار «لبنان». الخطاب الذي تبدو الثورة السورية قادرة على التأثير فيه إيجابياً إن هي انتصرت نصراً وطنياً غير إلهي، بقدر استدعائها له اليوم من قبل خصومها المعلنين أو غير المعلنين في لبنان.
ما يبدو تبرماً من العبء الفلسطيني، وتالياً السوري، لا يُبنى عليه موقف يتعلق بلبنان السيد الحرّ المستقل بقدر تحوّله إلى خطاب يستعيد صراع اللبنانيين في الحرب الأهلية وما رافقه من انقسامات بين «الحركة الوطنية اللبنانية» الداعمة لخط الثورة الفلسطينية والمواجهة لليمين المسيحي اللبناني ونهجه العنصري تجاه الآخر غير اللبناني.
إلا أن النزوح السوري والفلسطيني اليوم إلى لبنان يبدو، والحال هذه، أبعد ما يكون عن مقارنته بوجود الفلسطينيين في لبنان بشكل عسكري حيث اعتبر انه كان يهدد الكيان اللبناني ووجود الدولة اللبنانية. بدولة فلسطينية ضمن لبنان والمخيمات الفلسطينية فيه، وهذا ما لا يستقيم واستقلال لبنان كما لا يستقيم مع النهج الفلسطيني المقاوم واعتباره العبثي بأن «الطريق إلى القدس يمر من جونية».
كذلك الأمر بالنسبة للسوريين، ذلك أن الدمج بين النظام الأسدي المحتل لبنان عسكرياً ومخابراتياً لثلاثة عقود والمحتل سوريا لأربعة عقود، وبين الشعب السوري هو ما وجد صدىً له في بعض الهتافات العنصرية ضد هذا الشعب من قبل بعض الشباب اللبناني المعارض للهيمنة السورية على لبنان، وهو ما أدى إلى حالات عنف أعقبت عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قُتل على إثرها عمال سوريون على يد لبنانيين في سياق رد فعل ذي دلالات على عمق المأزق العنصري لدى بعض اللبنانيين.
النظام السوري يمارس حربه المفتوحة على السوريين والفلسطينيين في سوريا اليوم في سياق محاولته اليائسة قمع الثورة السورية، والكثير من هؤلاء ضاقت بهم سبل الحياة في سوريا ومدنها وقراها ومخيماتها الفلسطينية فعبروا الحدود باتجاه دول الجوار، لبنان وتركيا والأردن والعراق.
العنصرية في لبنان هي حالة توالدت من رحم النظام الطائفي الذي لم يضع ضوابط قانونية حازمة تجاه حالات كهذه، وهو نظام تناسلت منه طائفيات متعددة بعدد ملوك الطوائف في لبنان. الطبقة التي تحوز مناعة في لبنان ضد وعي طائفي وعنصري كهذا، هي التي وقّعت قبل أيام على بيان ضد العنصرية نشر على مواقع وفي صحف لبنانية وعربية عدة.
الطائفية بنية وثقافة في يوميات جزء من اللبنانيين وعلاقتهم ببعضهم وبغيرهم، وهي ليست على علاقة محضة بموسم الانتخابات النيابية وإن حاول بعض السياسيين استغلالها، وهذا بحد ذاته دليل على مكمن الخطر الحقيقي في انتخاب شريحة من اللبنانيين لنائب بناء على خطاب عنصري له. كم ستبدو تلك الشريحة أرضاً خصبة لخطاب كهذا؟
اما عن سوريا، فانتهاء الثورة السورية على خير مأمول، ونعني النصر، كفيل بإعادة السوريين إلى بلادهم، وكفيل أيضاً بإراحة صقور العصر الطائفي والكتّاب والكاتبات المتبرمين من العبء الفلسطيني والسوري في لبنان. ذلك ان العمال السوريين الذين يعرف اللبنانيون أشد المعرفة انهم أصحاب المهن التي عمَّرت لبنان، وهي مهن يأنف اللبناني العنصري عن مزاولتها، كالبناء وغير ذلك، سيعودون إلى بلدهم للبدء بإعادة إعماره. والمثقفون والكتاب السوريون، ومنهم كاتب هذه السطور، الذين يجدون في الصحافة اللبنانية موطأ قلم لهم سيعودون وقد أمست سوريا حرة بشعبها وصحفها ودور نشرها. وأما اللاجئون إنسانياً إلى لبنان فهم لا يطلبون بطبيعة الحال أكثر من بيت آمن في بلدهم، وهو طموح يبحثون عنه في لبنان كما سوريا، لا اكثر او أقل.
لكن تلازم المسارين يبدو اكثر وضوحاً اليوم بما لا يقاس من ذي قبل، وبشكل مغاير لرفع هذا الشعار أيام حافظ الأسد، ذلك ان سوريا حرة قريباً وبحل يرضي الجميع، تعني لبنان أقل عنصرية وطائفية وإن بعد زمن. اما استمرار دوامة الموت والقتل اليومي وبتحريض من اللبنانيين، وغير اللبنانيين يعني احتمالات أكبر لانفجار المأزق اللبناني والنار المؤجلة يومياً فيه.
الحياة