صفحات الثقافةممدوح عزام

في انتظار دراكولا/ ممدوح عزام

 

 

 

تحضر عبارة “ثقافة الخوف” بكثرة ملحوظة في أي حديث شفوي أو كتابي عربي عن الأنظمة السياسية العربية التي اتسمت في العصر الحديث بالقهر، ومنع الناس من التعبير عن آرائهم. وأكثر من يوصف بها هي الجماهير الخانعة التي تمضي عشرات السنين تحت إمرة الاستبداد من دون أن تبدي أي مقاومة.

لا يلاحظ مستخدمو العبارة أي تناقض بين الكلمتين، أو أي إشكال ناجم عن مثل هذه البنية اللغوية، على صعيد المعنى، أو من الناحية المنطقية البسيطة. كيف يمكن أن تكون ثقافة الخوف؟

دعونا نسأل إذن: هل توجد ثقافة للخوف، أم ثقافة خوف؟ وفي الحالة الأولى، كيف يمكن أن تكون تلك الثقافة؟ هل هي مجموعة من النصوص المكتوبة التي يمكن لأي باحث أو دارس أن يعثر عليها في هذا المؤلف أو ذاك من المؤلفات التي برع كتّابها في وضع الأسس النظرية لثقافة الخوف؟ هذا في حال كان بالوسع وضع مثل هذه الثقافة كمادة تعليمية، أو كمقرر مدرسي يمكن أن يُمتحن به التلاميذ والطلاب في مراحل التعليم المختلفة. وهو أمر مستبعد حتى اليوم، ولم يتجرأ أي كاتب بعد على كتابة سفر بهذا المنحى ولا تجرأ أي حاكم، أو أي جهة مسؤولة عن التعليم في أشد الأنظمة الطغيانية دموية على تكليف المؤلفين بكتابة مقرر نظري لمثل هذه الثقافة.

وفي الحالة الثانية فإن ثقافة الخوف هي مما تتداوله الكتابة المعارضة للدكتاتوريات. حيث تتغلغل في الأوساط الاجتماعية والسياسية للمواطنين آراء، غير مكتوبة بالطبع، تدعو إلى جملة ممارسات ومواقف حياتية عملية ونظرية تتخذ شكل مسايرة السلطات، والقبول بالأمر الواقع، وكراهية الجديد المختلف، ورفض التغيير. ثمة من يقول إن المثل العربي المعروف الذي يقول: “من يأخذ أمي يصبح عمّي”. ينتمي إلى هذه الثقافة الخائفة.

وإذا ما راجعنا المؤلفات العربية فإن العشرات منها تتضمن عناوين من قبيل: “ثقافتنا”، ثقافتنا بين الأصالة والمعاصرة. ثقافتنا في مفترق الطرق. ثقافتنا بين نعم ولا ..الخ . ولا أحد من هؤلاء يقول لنا ما هي “ثقافتنا” التي يتحدث عنها، فهل تتضمن ثقافتنا التي يتحدث عنها المفكرون العرب ثقافة الخوف؟ من يعترف بذلك؟ ومن الذي يحملها بين جنبيه؟ المثقف؟ أم العامل؟ أم الفلاح؟ أم الجندي؟ غير أن سياسيي الغرب، والمفكرين الملحقين بهم، كانوا أكثر جرأة من السياسيين العرب في التصريح بما يفعلونه لتكريس الخوف، أو وضعه قيد الاستعمال الشعبي. مثل غورنغ الألماني وبريجنسكي الأميركي.

وقد نشأ في أوروبا بحسب فرانكو موريتي في مقالته “ديالكتيك الخوف” أدب يسميه أدب الرعب، ومثالاه الواضحان هما دراكولا وفرنكشتين. ويبدو أن هاتين الشخصيتين الأدبيتين قد تمكنتا من التحوّل إلى رمزين في الحياة الفكرية الغربية، وحملتا على عاتقيهما مهمة “التخويف” التي يتقلّدها الحكام ورجال الأمن في البلدان غير الأوروبية. فهل ننتظر دراكولا العربي بديلاً عن سياسيينا؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى