في ما خصّ الإعلام
حازم صاغيّة
يتبدّى أحياناً كأنّ النظام السوريّ وممثّليه والناطقين بلسانه، السوريّين منهم واللبنانيّين، هم أكثر من يكسر التعتيم الإعلاميّ على التحرّك الشعبيّ في سوريّة. وهذا لا يتمّ، طبعاً، من خلال تقديم المعلومات والحقائق، بل عبر عصبيّة غير مقنعة بتاتاً، تريد أن تقول إنّ كلّ شيء هادئ هدوء بردى في الصيف.
وهذه العصبيّة، بالريبة التي تثيرها، كاشفةٌ ومعلّمة، سبق أن شاهدناها، ولا نزال نشاهدها، في بلدان عربيّة عدّة. بيد أنّ خصوصيّة سوريّة والبحرين أنّهما، ما خلا هذا «الإعلام» الرسميّ، لا تحظيان بالإعلام.
هنا نقع من جديد على عادات رديئة عدّة باتت، لشدّة تأصّلها، تقاليد. من ذلك الغباء الناجم عن خوف الاقتراب من المسائل المُشكَلَة والتمييز فيها، كما لو أنّها كرة نار، واللعب بالنار غير مأمون العواقب. فحكمة «ابتعدْ عن الشرّ وغنّ له» هي الحكمة الوظيفيّة السائدة التي لم تُضعفها الثورات الأخيرة، إن لم نقل إنّها استنفرتها وزادتها.
والتمييز الذي نهرب منه خوفاً، ذو أوجه متعدّدة: فمثلاً، وإلى جانب التحذير الضروريّ من مخطّط إيرانيّ يستهدف البحرين، ينبغي التركيز على أنّ سياسات فئويّة كثيرة تقوّي هذا المخطّط وتعزّزه، تماماً كما يقوّيه عدم استجابة المطالب المحقّة لبعض مواطني البحرين بسبب انتمائهم المذهبي. وليس كريماً ولا حصيفاً أن نعلم من «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركيّة أنّ 16 شركة في البحرين طردت مئات الموظّفين والمستخدمين لديها بسبب هذا الانتماء.
وبالقياس نفسه يجدر خوض التمييز بين نقل ما يحصل في سوريّة والرغبة في حدوث إصلاح جدّيّ فيها، وبين عدم الرغبة في خراب سوريّة الذي لا يُحدثه إلاّ التعتيم على الحقيقة وعلى الإصلاح. وهذا فضلاً عن دحض الكلام السقيم عن المؤامرات والمندسّين وسوى ذلك.
بطبيعة الحال يسوقنا هذان العجز والجبن إلى ملاحظة الملحوظ، بل البديهيّ، وهو مدى تأثّر الإعلام العربيّ في عمومه بأجندات حكوميّة، ومدى جلافة هذا التأثّر تبعاً لشروط المُلكيّة. بيد أنّ اكتشاف المُكتَشف يبقى مذهلاً في ظلّ هذا الكلام الراهن، وغير المسبوق، عن الإعلام وعن دوره الهائل في الحياة العربيّة.
والواقع أنّ خلفيّةً أكثر صحّيّة في السياسة كما في الثقافة والاجتماع، كانت لتوفّر تعاملاً مختلفاً جدّاً، في ظلّ ظروف ثوريّة كالتي يعيشها العالم العربيّ اليوم. كان يمكن، مثلاً، مساءلة علاقات المُلكيّة وأشكال التعبير عنها، ومراجعة التخشّب الذي يصيب أداء بعض المؤسّسات الإعلاميّة، والبحث في دور الأجيال الشابّة التي ينبغي أن تصعد إلى صناعة القرار في مؤسّساتها، وتسليط الضوء على أدبيّات المدائح و «تمسيح الجوخ» وكتابات «المكرمات» السلطانيّة، فضلاً عمّا شهدته مصر جزئيّاً من إعادة النظر بمواقع المدّاحين والمبرّرين.
وهذا كلّه سيبقى من أضغاث الأحلام ما لم تتوافر شروط في عدادها نزول أثرياء القطاع الخاصّ إلى ساحات تغيير الوعي، بالاستقلال عن أجهزة الدول إنْ لم يكن بالضدّ منها. ذاك أنّ هذا الدور البورجوازيّ – التنويريّ الغائب يبقي الحركات السياسيّة ما بين عرجاء ويتيمة، لا سيّما في اللحظات التي يتبيّن معها حجم تأثير الإعلام في التغيير الذي يتطلّب شجاعة ومسؤوليّة، لا في هجاء أميركا وإسرائيل الذي يعود على صاحبه بالمجد والسؤدد.
أمّا في هذه الغضون فليس لنا إلاّ الـ «بي بي سي» والـ «سي إن إن» و «كريستيان ساينس مونيتور»، وطبعاً «فايسبوك» و «يوتيوب»، وهي كلّها ذات أسماء «أعجميّة».
الحياة