قصائد روسيّة: لم تكن السماء قد جرحت الفجر بعد
اختارها وترجمها: إبراهيم الجرادي
آرفو ميتس
حضارة
أتجولُ بين البيوتِ
وبين المخازنِ
وبين الطناجرْ
مثلما يتجولُ انسانٌ من المريخِ
وسطَ حضارةٍ غامضةْ.
لكنْ ثمةَ تماثيلَ نُصِبَتْ على عجلٍ
لضروراتٍ أوليّة،
وثمةَ، أيضاً،
في مكانٍ ما،
في الداخل،
عند الزوايا الهادئة
ثمة موسيقى صافية !
■ ■ ■
نحنُ روحانِ عظيمتان
نشكو من عدم الوفرة.
لأن في هذا العالم المُجزّأ
ثمة أشياءَ كثيرةً
تبحثُ عن بعضها بعضاً.
■ ■ ■
امرأتان
واحدةٌ: كالقرادة، تلتصقُ بالجسد، تمتص الدم.
أما الثانية: فمرحةٌ خفيفةٌ
كأشعة الشمس.
■ ■ ■
وجوه الصبايا اليافعات
مثل السماء، مثل الريح،
مثل الغيوم. وبعد حينٍ
حين يُصبحنَ زوجات وفيات
تصير وجوههن مثل البيوت
مثل الأثاث
مثل الحقائب المنزليّة
وتظلُّ وجوه بناتهن
تشبه من جديد
السماء والريح وانهار الخريف.
إيرا فوفيتسكايا
والرياحُ بحْريَّةٌ هذا اليوم
يقولونَ: الرياحُ بحريّةٌ هذا اليوم.
ويقولونَ: ذاك الطريقُ مغلقٌ.
ويقولونَ: بأنكَ ستعود عاجلاً.
ويقولونَ، أيضاً:
ثَمةَ صليبٌ أحمر على عَلمٍ أزرقَ
وثمةَ ثورٌ أسود بقرنين فاتحين
وثمة أفْعَيانِ ورجلٌ عجوز
يقيمانِ حاجزاً على ذاك الطريق
ويقولون:
الرياحُ بحريّةٌ هذا اليوم !
تاتيانا تيريبينوفا
حِداد
حين تتعرفُ المجراتُ السماويةُ
على الشمس
يكون المطر أكثر قرباً من الأرض.
أما الفأر فهو الأكثر تعرجاً.
طريق الشك يقذف بالإنسان
حيث الزمن لا يلتفت إلى الوراء أبداً،
والشهور والسنون
تتنضد فوق بعضها بعضاً
في لحظةٍ واحدةٍ من أفعال الأبد.
الملح يظهر على الأحجار
وطريق الشهوة سبيكةٌ من ضحكٍ وألم.
أما الطريق إلى حديقة الاصطهاج
فهناكَ حيث تزهر الهاوية
وتتخطى المسافة حدودها.
والأفكار تخرج
والروح تتجسد في النار.
■ ■ ■
لَمْ تَكُنِ السماءُ قد جرّحت الفجر بعد.
والصخور إذ استشعرت مصيراً آخر
صعدت، عبر المرتفعات، إلى الأعلى،
بينما تجمدت للحظة
نافورة الباحث عن الرخويات
هناك، عند الاهرامات الحيّة،
أما المزمارُ
فقد خَلَبَ لُبَّ الوحوش والطيور
والتقط الكركدن صورته في الماء
لأول مرة. أما الخالق،
فقد كان في الحديقة الخضراء
مشغول البال، وهو يطلق نجمة حواء
إلى الحِدَادْ.
زامير فالييف
صباحاً مساءً
أخرجُ من البيت.
أذهب إلى العمل.
أكبر على قياس:
الباصات، الشوارع، المدن، الأمم، والبلدان، وفي المساء أعود إلى البيت. وثانية، أصغر على قياس:
البيتِ، العائلةِ، المعكرونةِ،
وفرشاةِ تنظيف الأسنان.
حيدر حسينوف
صيّاد
إذا كنتَ قد استيقظت فجأةً في الليل
وفجأةً، رأيت نقطتين من الندى على الخزانة نقطتين تلمعان ضوءاً نديّاً
لا تخفْ لأن ما تراه ليس أشباحاً ولا دُخلاء. إنه فأرٌ صغيرٌ يمضغُ برقةٍ قطعةَ خبزٍ صغيرةٍ
ويتهيأ للصيد!
إيليميرا كاتليار
غوغول عجوز
غوغول عجوزٌ ملهوفٌ ومكدود. سائقو دراجات نارية صغار يتسابقون بين المروخ. أربع نساء مُسناتٍ، صامتاتٍ، يجلسن على المقاعد متقاعدون. في قبعاتٍ رماديّةٍ ومعاطف رثةٍ.
إنه الخريف.
هاملت
مخمورٌ مفوهٌ يقرأ «هاملت» في مترو الأنفاق: «نكون أو لا نكون».
العجلات تدور بخفةٍ حول البطل.
شرطي من أقصى الجهة المقابلة يقترب:
– كفَّ يا مواطن، وخليها تعدي على خير !
المطر
المطر! منذ بدء الخليقة كان المطر! كان، وسيكون، وسيظلُّ إلى الأبد!
الطرقات العادية تجيش بالماء وتفور! والعرائشُ تخور من شدة القيظ! ومواسير المياه تغص بالماء!
مائة ألف طن من الماء تُمسك بالتلابيب! صبايا
أيتها الصبايا! لتنحدر كلٌّ منكن إلى الشارع. تنحدر وكأنها جمهوريةٌ مستقلةٌ بدستورها، وأعلامها!
لوجينكي
في «لوجينكي» هدوءٌ صافٍ – صاف. في المنحدر الكبير يغفو نهر موسكو بهدوء. لأن أجسام الرياضيين لم تستيقظ من نومها بعد!
البيوت
بسرعةٍ، بسرعةٍ، بسرعةٌ !
يخيل لي أن البيوت تركض، الآن، خلف سيارات «التاكسي»، وأن سكان هذه البيوت سيدمغون الأجرة!
يومٌ حار
تلتصق الأشجار بالسياج، وعقارب الساعة تلتصق بمينائها. الأقفية تلتصق بالقبعات، والعجلات تلتصق بالرصيف. إنه القيظ. ماكينات المياه الغازية الأتوماتيكية تأزُّ مثل أجهزة أطفاء الحريق. الثلج الاصطناعي يفور، والكؤوس لا تكفي!
* أرفو ميتس: شاعر لاتفي الأصل، ولد في تالين عام 1937، وتوفي1997. كتب بالروسيّة، وأنهى دراسته في «معهد المكتبات» في لينينغراد، وتخرج، أيضاً، من «معهد غوركي للآداب» في موسكو. عمل في هيئة تحرير مجلة «العالم الجديد»، ونشر شعره في الدوريات المركزية، وساهم في مجموعة قصائد النثر المشتركة «الزمن اكس»، وفي مجموعات خاصة. تُرجِمَ شعره إلى الاسبانية، والألمانية، والأوكرانية، والجورجية، والانكليزية، واللاتفية، وغيرها.
يُعَدُّ أرفو ميتس أحد رواد القصيدة الحرة الروسيّة vere libre، ومن ممثليها المعروفين.
* إيرا فوفيتسكايا: من مواليد 1946، تخرجت من كُليّةِ الآداب، «جامعةُ موسكو الحكوميّة». بدأت النشر في التقويم السنوي «بويزا» – الشعر، و«دين بويزا» – يوم الشعر. تدير، حالياً، مُختبراً في موسكو. وهي من الاسماء البارزة في قصيدة النثر.
* تاتيانا تيريبينوفا: من مواليد كويبيشف 1950 تخرجت من كُليّة الفنون في موسكو. تعمل حيث تعيش، مدرسةً للموسيقى في مدينة أوترادني – كويبيشف.
* زامير فالييف: شاعر من سمرقند، يكتب بالروسيّة، مواليد 1956. أول اعماله الشعريّة: «الأعوام القصيرة الطويلة».
* حيدر حسينوف: شاعر من أذربيجان يكتب بالروسيّة، من جيل التسعينيات الشعري، يعيش ويعمل في موسكو.
* إيليميرا كاتليار: أصدرت عدداً من المجموعات الشعرية، الأولى فيها كانت: «شِعاب» عام 1958. شاعرة ذات مسارٍ خاص في القصيدة الحرة، وقصيدة النثر الروسيّة.