كأنّ شيئاً لم يحدث لنا في الحلم/ بشار النعيمي
خمس أصابع
لي يدٌ
خمسُ أصابعَ تفشلُ في رسمِ الخطِّ المستقيمِ دوماً
ترتجفُ حينَ تكتبُ عن عاشقيْن، ثم تكنسُ خساراتِها كاملةً وتلقيها في أكياسِ الذاكرةِ في آخرِ اليوم، هي نفسُ اليدِ التي أضعُها قبلَ النومِ تحتَ حلمي كي لا يقعَ في رأسِ شخصٍ آخر.
لي يدٌ
ينقصُها الاتزان (تلك علةٌ حصّلتُها بعدَ معركةٍ مع الجدار) لكنّها يدي التي يبدأُ الحبُّ عندَها دوماً، اليدُ التي تضيعُ الآنَ في شَعرِ من أحبُّ.
لي يدٌ
خمسُ أصابعَ، تذكرُ كلَّ ما حملتُه وما أعطيتُه وما سرقتُه وما فعلتُه وما كتبتُه وما كسرتُه وما اقترفتُه
نفسُ اليدِ التي ستَفقدُ يوماً ما القدرةَ على اللمسِ أو الحركةِ أو الكتابة، هي اليدُ التي أربيها الآنَ كي تحملنَي إنْ تعثَّرتُ وتَعرفُ وجهيَ إنْ أضعتُه في مكانٍ ما.
كذبة ضرورية
ثمّةَ كذبةٌ في النومِ
الكذبةُ الضروريةُ كي نستيقظَ في اليومِ التالي
كأنّ شيئاً سيّئاً لم يحدث لنا في الحلم
وثمّةَ كذبةٌ في الحلمِ أيضاً
لأنّكَ حينَ ترويه لأحدٍ تقول “لن تُصدِّقَ ماذا رأيتُ في حلمي”
الحلمُ أيضاً هو الكذبةُ الضروريةُ كي ننامَ في الليلةِ القادمة
ثمةَ كذبةٌ في الصباحِ الذي لا يُخطئ موعدَ الإعلانِ عن نفسِه أبداً
وثمةَ كذبةٌ في غروبِ الشمسِ
فهي حينَ تُغادرُ فكأنّها لن تعودَ غداً
لكنّها تعودُ كأنّ شيئاً سيئاً لم يحصل لنا يومَ أمس
ثمةَ كذبةٌ في الحبِّ أيضاً
لأنك حينَ تقعُ فيه، تَظنُّه دائماً وحلواً
وتخلطُ بينَه وبينَ أيِّ شئٍ تُريدُه وحينَ ينتهي
فهو ينتهي فجأةً كأنّ شيئاً سيئاً لم يحصل لنا وقتما كنّا عاشقَيْن
وثمّةَ كذبةٌ في الشعرِ الذي نكتبُه والنصِ الذي نقرأُه
وثمةَ كذبةٌ في كلِ شئٍ نمارسُه وكذبةٌ في كلِّ وجهِ نحبّه
ثمّةَ كذبةٌ في الصورةِ التي نراها في المرآة
الصورةِ التي نراقبُها كأنّ شيئاً سيّئاً لم يحصل لها
لكن، ثمّةَ صدقٌ صغيرٌ في دعاءِ أمٍ لم تَر أولادَها منذُ سنين
لكنّها شاهدتهم يَرحلونَ، ومع ذلك فهي تُصدّقُ كذبةَ أنها ستلقاهم من جديد
مع أنّ شيئاً سيئاً جداً لم يحصل لأحدٍ منهم حتى الآن.
* شاعر فلسطيني مقيم في موسكو
العربي الجديد