كي لا نصبح إرهابيين؟/ ايلي عبدو
من جملة الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة السورية هو اعتبارها أي بندقية تحارب نظام الأسد “شريفة” بصرف النظر عن مبرر وجودها الإيديولوجي. هذه المعادلة فتحت مجالاً التباسياً واسعاً، سمح بتسلل عناصر قتالية على المشهد الميداني تتخاصم مع الثورة في فكرها الداعي إلى قيم الحرية والديمقراطية. والحال فإن الذهنية العدمية المتطرفة لدى هذه العناصر تتعدى في بنيتها الصلبة موقع الخصومة مع الثورة لتتخذ نازعاً إرهابياً، مدخله إسقاط النظام ومساره تحويل سوريا إلى أرض جهاد.
وفي ظل عدم إخفاء تنظيمي”داعش” و”النصرة” هويتهما الإرهابية وصلتهما العلنية بتنظيم القاعدة العالمي، فقد بات من الصعب تحديد هوية الكتائب العسكرية التي تقاتل على الأرض،لاسيما وأن هيئة أركان الجيش الحر لا تضبط سوى 20% من المجموعات المعارضة بحسب تقارير إعلامية نشرت أخيراً. ولعل الكثافة الإيديولوجية الإسلامية التي باتت ناظماً فكرياً رئيسياً عند المعارضة المسلحة ساهمت بدرجة كبيرة في طمس التناقضات الإيديولوجية داخل خطاب جهادي عدمي واحد، لم تفوّت الدول الإقلمية الداعمة للمعارضة فرصة دعمه وتعميمه.
وإذا كانت البنية العنفية للنظام الأسدي قد أفرزت مجموعات راديكالية إسلامية لمواجهته عسكرياً، فذلك لا يغير من الطبيعة الإرهابية عند هذه المجموعات بشيء، خاصة وأنها تتبع تكتيكات وأساليب حربية يشتهر بها تنظيم (القاعدة). نلحظ ذلك عقب مشاهدة فيديوهات العمليات العسكرية المنجزة من قبل هذه المجموعات.
هكذا تقلص الفارق بين المقاتل الذي حمل السلاح لتحرير سوريا من نظام ديكتاتوري وبين الجهادي الذي حمله في سبيل تحقيق الأممية الإسلامية. وتتبدى الصعوبة في الحالة السورية بإيجاد معيار واضح للفرز بين الجهادي الذي يقاتل النظام في سبيل الله متسلحاً بعقيدته الدينية وبين الإرهابي العدمي الرافض لكل ظواهر الحداثة السياسية كالانتخابات والبرلمان والتشريع. والأرجح فإن السكوت عن الأول والاستفادة منه في ساحة المعركة يجعل من احتمال حضور الثاني وارداً جداً.
بدون شك فإن هذه الإشكالية لا تؤثر على أحقية السوريين بمواجهة النظام الدموي المجرم الذي شردهم وقتل أطفالم بالسلاح الكيماوي ، لكنها في الوقت عينه تستدعي ضرورة تنظيف القضية السورية من شوائب الإرهاب المختبئة وراء مطالبها.
ليس الغرض من التحذيرات السابقة حيال الجانب الإرهابي في صفوف المعارضة العسكرية مراعاة الحساسية الغربية التي تخشى من تنامي قوة هذا الجانب على حساب القوى المعتدلة. فبالرغم من أهمية هذه الحساسية وتأثيرها على التطورات السياسية بما خص الملف السوري فإن خطورة هذه الجماعات تهدد مستقبل السوريين ومجتمعهم التعددي.
وعلى السوريين أن يستفيدوا من تجربتهم مع حزب الله الذي كانت تُرفع أعلامه في شوارع دمشق في السابق واليوم ينكّل مقاتلوه بهذه الشوارع. حزب الله كان قبل الثورة مدرجاُ على لائحة الإرهاب العالمية، كذلك تنظيم القاعدة الذي يقاتل في سوريا ضد النظام اليوم. مقاربة الحالتين قد تكون مفيدة كي يتجنب السوريون خدعةً أخرى تستبدل تحرير فلسطين بإسقاط النظام. فقبول الإرهاب باسم القضية ستكون كلفته باهظة هذه المرة لأن موضوعها مستقبل سوريا وليس الدفاع عن نظامها المستبد.
روزنة