صفحات سورية

لسنا خرافاً تنتظر الذبح/ ريما فليحان

 

 

لا يمكنني أن أتفهم حالة التغاضي والتماهي مع ما يحصل في سورية من جرائم، يرتكبها النظام، أو ما تقترفه داعش وأشباهها من ذبح وصلب وسبي وتقطيع للأوصال في كل مكان. لم يفعل العالم أمراً جدياً في الأعوام الثلاثة التي مضت، يؤدي إلى وقف الدم، ويحقق مفاوضات سياسية مفيدة، للدخول في تحولٍ ديموقراطي في سورية. وهو يعرف أن إحالة الوضع في سورية إلى فوضى مزمنة يعني، وبشكل مؤكد، كتم الأصوات الديموقراطية والمدنية، وإعطاء المساحة المطلوبة للتطرف، وصولاً إلى ولادة تنظيمات خطيرة إجرامية. وتثير الجرائم التي ترتكبها داعش يومياً علامات تعجب واستفهام كثيرة، تبدأ بكيفية نمو ذلك المسخ، بطريقة غريبة وعجائبية، وتسهيل انتشاره وتمدده، وكأنه في رحلة صيد.

هل يمكن القول إن هناك من يريد تحويل الشعب السوري إلى خراف تنتظر الذبح، كل بدوره، وحسب تموضعه الجغرافي والطائفي والإثني. هل يمكن القول إن هناك مصالح خفية لبعض الجهات والدول، في الوصول إلى ذلك التصعيد؟ أو ربما يكون ما يحدث، اليوم، خروجاً عن النص، أو تطوراً دراماتيكياً، لم يحسب له حساب؟

وإذ طالما انتقدت أنصار نظرية المؤامرة، إلا أن ما يحصل في المنطقة، عموماً، وفي سورية خصوصاً، بات يحفز الجميع على التفكير بها، فما يحصل بات عصياً على فهمنا؟ أو ربما يكون فهمنا أقل من درجة الخبث التي تسيّر تلك المقتلة في كل مكان؟ لكن، ما هو ثابت بفهمي، اليوم وأكثر من أي وقتٍ، أننا يجب ألّا نقف متفرجين، بينما تصل السكين إلى رقاب الجميع، وإننا لن نكون خرافاً معدّة للذبح.

أختنق يومياً عشرات المرات، أمام شاشة الأخبار، وأتابع تقدم الوحش الذي يدفن الأطفال والنساء من أبناء الطائفة الأزيدية أحياءً، أو يذبح أبناء العشائر في دير الزور كالنعاج، أو يعدم الجنود السوريين المحاصرين بدم بارد، بعد سيطرته على فرق عسكرية في الرقة ودير الزور، من دون تدخل من طائرات النظام التي أجادت رمي البراميل المتفجرة على المدنيين في كل مكان، وتفرجت على ذبح داعش هؤلاء الجنود.

لست في مقام التدخل، أو إصلاح السياسة العالمية، الظاهرة منها والخفية، كوني مواطنة بسيطة، كتب عليها القدر أن تكون من أبناء العالم الثالث، وفق تصنيف العالم الأول. لكن، ألا يحق لنا كشعوب أن ندافع عن وجودنا، بمقاومة الفكر المتطرف، والتعالي عن الأنانية السياسية، وإعلاء المصلحة الوطنية والإنسانية فوق كل شيء، واتخاذ خطوات جدية لمقاومة المد المتطرف الذي يكاد يأكل سورية، والمنطقة بكاملها.

شعوب المنطقة ورموزها من شخصيات عامة ورجال دين وساسة ومثقفين أمام استحقاق تاريخي، في الوقوف صفاً واحداً أمام هذا الطوفان، وأمام السكين التي ستجز رقاب الجميع، سنّة وشيعة وعلويين ودروزاً وأزيدين ومسيحيين وعرباً وكرداً، أطفالاً ونساء وعواجيز.

حان الوقت، اليوم، للقيام بعدة خطوات، منها أن توحّد جيوش المنطقه مواجهتها ذلك التنظيم، ومنها أن يجتمع رجال الدين من كل الطوائف والأديان على ميثاق شرف، وقول كلمة واحدة ضد التطرف ونبذ الطائفية، ووضع استراتيجية جديدة للتعامل مع الفكر الديني في المنطقة، عبر التنوير والتجديد والإصلاح، وبتعزيز الفكر الليّن المتسامح والاستيعابي، بدلاً من الفكر التكفيري الإجرامي، والمحمّل بالكراهية للجميع، ولكل شيء، وقد يكون مؤتمر قمة روحي على مستوى المنطقة، خطوة أولى باتجاه ذلك.

وعلى المعارضة السورية، اليوم، وبكل أطيافها، التفكير بطريقة مختلفة بمستقبل بلدها، والبحث عن حل سياسي منصف، يوقف نزيف الدم، ويحقق تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والديموقراطية. أما النظام فلا أقول عنه شيئاً، إذ فقد جدارة المبادرة الوطنية والإنسانية، وهو الذي يستخدم العنف وسياسة الإنكار لمواجهة التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير في سورية. لكن ما يحصل اليوم، من قضم أصحاب الأعلام السوداء أجزاء من سورية لا بد أن يحرك الشريحة الموالية للنظام، والتي يجب أن تضغط عليه، من أجل حل سياسي، ولتغيير سياسته التي استجرّت الويلات للوطن والمنطقة عموماً.

ودورنا، نحن الشعوب، يبدأ بإعادة التفكير في الزوايا الضيقة التي فرزنا أنفسنا فيها مع ازدياد تقوقع كل المكونات السورية، وارتفاع وتيرة الاحتقان الطائفي والمناطقي، ما يتطلب الخروج من عباءة الطائفة والقومية إلى رحابة الوطنية السورية والإنسانية الجامعة، والتي قد تكون المخلص للوطن من الشر المحدق.

ولدول عديدة أقول إن هذا التطرف لن يتوقف، هنا، وفي هذا المستنقع الذي ساهم الجميع بإغراقنا فيه، فكل من جاء إليه، وخاض في أسنه، سيعود من حيث أتى، وسيحمل معه حيث ذهب الموت والدمار والفكر المتطرف، وأياً كانت السياسات التي تمر في ذهنية الساسة، في كل مكان، فهذا الوحش سيصبح عصياً على السيطرة، وحينها، لن يكون استدراك الخطأ أمراً متاحاً.

كفى اتجاراً بدماء السوريين. كفى ذبحاً لشبابنا من أي طرف كانوا، كفى موتاً ودماراً. آن لهذا الشعب أن يرتاح.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى