صفحات الثقافة

مئوية عبدالله العلايلي… ذلك المجهول/ محمد حجيري

 

 

اختارت دار “الجديد” أن يكون “العلايلي ذلك المجهول” عنوان احتفالها المرتقب بالذكرى المئوية لولادة العلامة عبدالله العلايلي (1914 – 1996)، وهي الصفة نفسها التي أطلقها الشيخ الراحل على الشاعر أبي العلاء المعرّي وجعلها عنوان كتابه الشهير “المعرّيّ ذلك المجهول”. وهذه الصفة التي تبنّاها العلايلي كان قالها طه حسين، كما لاحظ الشاعر عبده وازن، معتبراً شيخ المعرّة “شاعراً مجهولاً من التاريخ والمؤرّخين” وضحية سوء فهم بل “شخصاً مبهماً” لا يعرف العامّة سوى اسمه وتحيط به الشكوك والأوهام.

الأرجح أن الشكوك والأوهام باتت تحيط بالعلامة العلايلي نفسه، يجهله الجيل الجديد من الشباب، لا يعرفون مؤلفاته، بل ربما باتوا أكثر ميلاً إلى تجاهل اللغة العربية نفسها التي قدَّسها العلايلي واعتبر أنه “إذا لم تكن لنا لغة قوميَّة تامَّة صحيحة فلن يكون لنا فكر قومي تامّ صحيح. ففرض إنسان من دون لغة، معناه فرض إنسان من دون فكر”، انطلاقاً من قول ديكارت “أنا أفكر إذاً أنا موجود” ربط العلايلي بين اللغة القومية والفكر القومي قائلاً: “أنا أفكر بفكر عربي، فإذاً أنا موجود عربي”.

والعلايلي العلامة والشخص الفردي الذي لم يشكِّل عصبية حوله، صاحب المواقف الإصلاحية والمغايرة والمختلفة، تعرَّض للنقد والتجاهل والاتهامات النمطية من كتّاب “الحداثة”، فبعضهم يختصره بأنه “قومي عربي”، كأن الانتماء إلى القومية بات تهمة مثل اللاسامية والعنصرية. وبعض أصحاب الاتهامات هم أنفسهم ينتمون إلى قوميات أخرى ويجاهرون بها. وسابقاً، “أتهم” العلايلي بـ”الشيخ الأحمر” لمجرد تقرّبه من أفكار اشتراكية وحركة “أنصار السلم”. في الواقع، كانت الأفكار اليسارية حجة لمحاربته من السلفيين والظلاميين الدينيين لأجل السيطرة على منصبة في دار الإفتاء.

“العلايلي ذلك المجهول”، عنوان حقيقي يُقال عن علامة كبير. ربما من يتأمل في إرث العلامة وأين أصبحت مؤلفاته يدرك ذلك، فدار “الجديد” أصدرت بعض مؤلفاته ولكن ليس بمقدروها المادي أن تطبع أعماله الكاملة وليس ثمة من يتبنى المشروع. ناهيك بأن بعض المقربين من العلايلي غير معني بتراث الأخير، كأنه من عالم آخر. حتى إن ثمة من شنَّ حملة على الناقد الراحل محمد دكروب لأنه روى كيف كان يذهب برفقة العلامة والقاص محمد عيتاني إلى السينما، ويدخل العلامة بعد أن تُطفأ أنوار الصالة ويخرج قبل أن تُضاء.

أهمية العلايلي في الزمن الداعشي ليست في أنه مارد اللغة العربية وصانعها، بل لأنه كان علامة الإصلاح الديني، وحول اجتهاداته الفقهية ثار غبار كثيف، خصوصاً في مسألة العقوبات الجسدية والزواج المختلط. في المسألة الأولى، رأى أن الحدود، مثل قطع يد السارق ورجم الزاني وسواها، ليست مقصودة لذاتها بل لغاياتها. واستنتج من قراءة الأحاديث والآيات المعنية، أن من الضروري “إقامة مطلق الرادع مقام الحد عينه، إلا في حال الإصرار، أي المعاودة تكراراً وتكراراً”. والأرجح أن إحدى أبرز مشاكل الدين الإسلامي في العصر الحديث هي مسألة العقوبات الجسدية التي تتبناها التنظيمات المتطرفة، وحتى بعض الدول المنغلقة المحكومة بالملالي والمطاوعة.

في المسألة الثانية (أي الزواج المختلط)، اعتبر العلايلي أن الآية القرآنية تحرِّم زواج المسلمة من المشرك، وليس من الكتابي، فأجاز هذا الزواج، مخالفاً بذلك الإجماع الفقهي. وهو رأى “أن الإجماع في هذه المسألة، من نوع الإجماع المتأخر الذي لا ينهض كحجة إلا إذا استند إلى دليل قطعي”، وهو ما لم يحصل، بحسب رأيه.

تشمل اجتهادات العلايلي الكثير من الآراء التي تحاول أن تواكب التحديات المعاصرة في ميادين عملية عدة ومفاهيم نظرية: مفهوم الثروة، الرؤية العلمية للقمر الرمضاني، الربا، توزيع الأضاحي، الصورة، والسينما. كان قد نشر هذه القضايا في كتابه “أين الخطأ”؟ الذي صدر في طبعته الأولى العام 1978، واضطر تحت الضغط إلى سحبه من التداول وأعيدت طباعته العام 1992. والمفارقة والغريب أن إصلاحات العلايلي بقيت في الهامش ولم يسعَ دعاة ما يُسمى “الاعتدال الديني” إلى تبنيها أو ترويجها. وهذا ما لاحظه الباحث اللبناني وجيه كوثراني إذ اعتبر أن آراء العلايلي التجديدية في مجال الفقه لم تحظ بالاهتمام الكافي ولم تشع كما شاعت اجتهاداته اللغوية لأسباب متعددة ومن مواقع مختلفة: “من موقع التقليديين والمحافظين الذين سخطوا على الشيخ وحاصروا فكره الفقهي وحاربوه، وربما من موقع الحداثيين الذين لم ينتبهوا في غضون الستينيات والسبعينيات”.

كان العلايلي واضحاً في إصلاحاته وليس منافقاً التفافياً، يبحث عن حلول حضارية على نقيض بعض أصحاب العمائم الذي يقولون الشيء ونقيضه، ويمزجون بطريقة هذيانية بين المقدس وبين المدنَّس، أو يضعون العمامة لغاية في نفس يعقوب.

ثمة أفكار لدى العلايلي تلزمها قراءة جديدة، وثمة اجتهادات ينبغي الاستفادة منها، خصوصاً في هذه المرحلة (الداعشية) بالذات. ولا ينبغي أن يبقى العلايلي مجرد اسم من أسامينا الكثيرة. وثمة من يقول إن العلامة ظُلم لناحية انتشار أفكاره لأنه ولد في بلد صغير مثل لبنان، كان يمكن أن يكون أكثر حضوراً وفاعلية لو أنه ينتمي إلى بلاد النيل، مع أن الحكايات تقول إن عائلته أتت إلى لبنان من مصر.

نبذة

ولد العلايلي في بيروت في عائلة متوسطة تشتغل في التجارة. أمضى نشأته الأولى في كتاتيب بيروت والتحق بمدرسة الحرج التي أسستها جمعية المقاصد الإسلامية حيث تلقى مبادئ القراءة والعلوم حتى العام 1924، تاريخ انتقاله إلى الأزهر في القاهرة حيث تابع دروسه إلى حين تخرجه العام 1936.

انتسب إلى كلية الحقوق في القاهرة، لكنه اضطر إلى قطع دراسته والعودة إلى بيروت بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. تسلَّم بعد عودته مهمة التدريس في الجامع العمري الكبير في بيروت واستمر فيه سنوات ثلاث يخطب في المصلين داعياً إلى نبذ الطائفية والانتفاضة ضد الانتداب الفرنسي.

كان العلايلي قد أصدر حتى ذلك التاريخ أربعة كتب عكست آراءه آنذاك: الأول “مقدمة لدرس لغة العرب” (القاهرة 1938)، “سورية الضحية” وفيه هاجم معاهدة 1936 مع الفرنسيين، “فلسطين الدامية”، و”إني أتهم” حيث هاجم التفكك الطائفي الذي استشرى في المجتمع اللبناني.

في السياسية، كان العلايلي حاضراً أيضاً، ففي العام 1940 شارك في تأسيس “كتلة التحرر الوطني” التي ترأسها عبدالحميد كرامي، وعندما رأى أنه، وكل من الراحل كمال جنبلاط والدكتور جورج حنا، تجمعهم أفكار واحدة، اقتنعوا بتكوين نواة لحزب دائم، فكان “الحزب التقدمي الاشتراكي” العام 1949، وبقي العلايلي فيه لغاية العام 1954، حيث ارتأى إيقاف نشاطه الحزبي والانصراف إلى العمل على “المعجم”.

 

أبرز آثاره

 

– “مقدمة لدرس لغة العرب”، “مدخل إلى التفسير”، مجلدان.

– “ورية الضحية”. “فلسطين الدامية”، “سمو المعنى في سمو الذات، أو أشعة من حياة الحسين”.

– سلسلة “إني أتهم”، سبعة أجزاء من بينها: “من المسؤول؟”، “الحياة تصور وإرادة”، “الحزب بوتقة تصنع الأمة”، “منطق الجماعة”، إلخ.

– “تاريخ الحسين: نقد وتحليل”.

– “دستور العرب القومي”.

– “السكون والفساد الاجتماعيان”، “رحلة إلى الخلد” منظومة خيالية تقع في ألف وخمسمئة بيت، ترجم بعضها إلى الفرنسية المستشرق الكبير درمنغهام.

– “المعري ذلك المجهول”.

– “الساحر: سيرة في قصة “.

– “أيام الحسين: مشاهد وقصص”.

– “مثلهن الأعلى أو السيدة خديجة”، “الفرق بين الأسلوب والتركيب – دراسة نقدية”.

– “شهيد القسطل أو عبدالقادر الحسيني”.

– “المعجم الكبير” صدرت منه أربعة أقسام من المجلد الأول.

– “العرب في المفترق الخطر- بحث نظري في أسلوب العمل العربي”.

– “المرجع- المعجم الوسيط”.

مؤلفات أخرى: “أين الخطأ؟”، “الترهية أو ميثولوجية العرب من خلال اللغة”، “الوجه الكرتوني: حكاية رجل في سياسة بلد”، مجموعة “مقالات وخطب”، ثلاثة أجزاء.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى