ماذا لو نجح “موسكو 1″/إياد الجعفري
إن كُتب له النجاح، فإن مؤتمر “موسكو 1″، في أحسن الأحوال، قد يكون فاتحة مسارٍ سيُؤدي في نهاية المطاف إلى استنساخ ثنائية “فتح – حماس” في الأزمة السورية.
بدايةً، نوضح أن “مؤتمر موسكو 1” المُزمع عقده نهاية الشهر الجاري، يحمل فرصاً محدودة للنجاح، ويبدو أن الفشل يتربص به بصورة كبيرة.
لكن ذلك لا ينفي أمرين، رغبة روسيا في تسجيل تحولٍ نوعي في المشهد السياسي والميداني السوري، يُحسب لصالحها في صراعها “السياسي” المرير مع الغرب، ورغبة فصائل وشخصيات من المعارضة السورية في أن تُسجّل اختراقاً نوعياً لحالة الجمود التي تسود الأزمة السورية منذ فترة طويلة.
تسود أوساط المعارضة السورية اليوم، باختلاف فصائلها، ملامح قد تنتهي إلى حالة تشبه تلك التي سادت الفصائل الفلسطينية مطلع التسعينات من العقد الماضي، والتي تمثلت في انقسامها بين مؤيدي الخيار السلمي – الدبلوماسي في الصراع مع إسرائيل، وبين المؤمنين بأن لا بديل عن النضال المسلح.
ما سبق قد يحدث في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي قبول شخصيات وازنة في المعارضة السورية المشاركة مع النظام في حكومة ائتلافية، مع بقاء بشار الأسد رئيساً للجمهورية، بصلاحيات مقلّصة، وفق اتفاق تسوية ترعاه روسيا، وتتخذ واشنطن حياله موقفاً حيادياً.
إن حدث ما سبق، نتوقع أن تنشطر المعارضة السورية إلى ثنائية حاسمة، غير واضحة المعالم اليوم، بين مؤيدي الحل السياسي، مع بقاء الأسد، وبين معارضيه، الذين سيُصرون على استمرار الصراع المُسلح.
ميدانياً، يبدو أن الثقل الرئيسي في الكفة المناوئة للنظام هي لتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي سيكون خارج فلك أي مساعٍ للتسوية مع النظام، بطبيعة الحال. فيما يبدو أن ثاني أكبر فصيل مناوئ للنظام على الأراضي السورية، “جبهة النُصرة”، سيكون في خانة تنظيم “الدولة” من زاوية رفض أي سيناريو للحل مع بقاء الأسد.
يُضاف إلى ما سبق فصائل وكتائب عديدة، معظمها إسلامي، سيرفض التسوية مُطلقاً.
لو تصورنا أن معاذ الخطيب قَبِلَ التسوية مع النظام، مع بقاء الأسد، فإن الرجل قد يتمكن من إقناع بعض الفصائل المعارضة الفاعلة ميدانياً. وهنا يتحدث البعض عن علاقات طيبة للخطيب بـ “جيش الإسلام”، ذو الثقل البارز في الغوطة الشرقية لدمشق.
وقد تكون آلية إقناع بعض الفصائل المعارضة بالتسوية هي منحها نوعاً من الحكم الذاتي، غير المُعلن، في مناطق سيطرتها.
نشير هنا إلى أن الخطيب أكد أنه لن يقبل بأي تسوية مع بقاء الأسد وزمرته المقربة.
لكن، ونحن هنا نفترض، لو قَبِل الخطيب تسوية كهذه، على أساس الحصول على دور فاعل في حكومة انتقالية، فإن الخطيب حينها، أو أية شخصيات أخرى وازنة في المعارضة السورية، سيكررون تجربة ياسر عرفات في اتفاق أوسلو مع إسرائيل.
إن حصل ما سبق، ستُستنسخ ثنائية مناصري الحل السياسي، ومناصري النضال المسلح، التي كانت خاصية فلسطينية خلال العقدين الماضيين، في الحالة السورية.
ولو تخيلنا هذا الإسقاط في الحالة السورية، في مدى منظور يمتد لبضع سنوات، سنجد أن ما أصاب عرفات من يأس وقنوط من الحصول على ما وعدته به إسرائيل برعاية أمريكية، سيُصيب الشخصية المعارضة التي ستقود الحل السياسي مع النظام، برعاية روسية.
ربما ستنجح تسوية كهذه في تحقيق أمرٍ واحدٍ فقط، وهو توسيع رقعة المناطق التي ستدخل في حالة مصالحات محلية مع النظام، على أساس وجود حكومة ائتلافية بدمشق، تضم شخصيات معارضة، وعلى أساس حالة حكم ذاتي غير مُعلنة في تلك المناطق.
باستثناء ذلك، ستبقى مساحات واسعة من البلاد تحت سيطرة التنظيمات المناوئة للنظام، التي ربما سيتوحد بعضها في مواجهة التسوية التي ستُبقي الأسد، باستثناء تنظيم “الدولة”، الذي سيبقى لوحده حالة ميدانية وسياسية منفصلة، كما هو قائم اليوم.
بمعنى آخر، لن يتغير الكثير ميدانياً. فالحرب في سوريا ستستمر، والنظام سيستمر، والتنظيمات الإسلامية، على اختلاف تلويناتها، ستستمر.
ربما الفارق الوحيد أن وطأة الحرب والحصار والتنكيل بالناس ستزول في بعض المناطق التي ستدخل في مصالحات شبه مستقرة مع النظام.
أما بشار الأسد، وزمرته المقربة، فسيبقون على كراسيهم بدمشق، ومساعي طهران لتغيير ديمغرافيا بعض المناطق السورية بما يخدم مصالحها، ستستمر، لتستنسخ تجربة “الاستيطان اليهودي” المستمر في أراضي الضفة منذ اتفاق “أوسلو” وحتى اليوم.
في نهاية المطاف، وفي حال حصول السيناريو آنف التفصيل، هل يمكن أن تندلع “انتفاضة سورية ثانية” في مناطق سيطرة النظام؟
قد يكون ما سبق إحد السيناريوهات المُرتقبة. وكل ما سبق مشروط بنجاح “موسكو 1” وتوابعه في تحقيق اختراق في أوساط المعارضة السورية الخارجية تحديداً، وجذب شخصيات وازنة من أوساطها لصالح حل سياسي، ترعاه موسكو، حليف النظام، كما سبق أن رعت أمريكا، حليف إسرائيل، اتفاق أوسلو، وسط ما يُشاع عن حياد أمريكي حيال مساعي التسوية الروسية، يُشبه الحياد الروسي تجاه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مطلع التسعينات.
بكل الأحوال، المؤشرات الأولية لا تُوحي بنجاح المبادرة الروسية حتى الآن…لكن كما كان اتفاق أوسلو مفاجأة لمن لا يعرف ما يدور وراء الكواليس، لا يمكن استبعاد شيء في أفق الأزمة السورية الراهنة.
المدن