ما الذي يجري في محافظة الحسكة ؟؟
الحسكة محافظة سورية و هي تمتاز (و خلينا ننتبه على لفظة “تمتاز”) بخليط سكاني واسع حيث تضم العرب والأكراد والسريان والأرمن والايزيدية والآشوريون والتركمان والشيشان….ثم أنه و بغض النظر عن التنوع البشري نعود للنقطة الأساسية بأن الحسكة هي جزء من وطننا الواحد سوريا .
و قد دأب الأكراد و منذ بداية الاحتجاجات في سوريا و حتى قبل أن تتحول إلى ثورة تشمل الوطن ..دأبوا على مقاربة الوضع بمسؤولية عالية فحرصوا خلال جميع التجمعات و المظاهرات على رفع العلم السوري الذي كان حاضرا دوما مع أو بدون علم كوردستان التاريخي و هو رمز قومي للأكراد نحترمه و نقدره و لا يتنافى مع رمزنا الوطني الجامع و أعني به علم الاستقلال…
كل ذلك يجعل الأخوة الأكراد في شمال شرق سوريا و ممثليهم بتفسير ما عرض في عدة تقارير لقناة الجزيرة من عدة مناطق الحدودية في محافظة الحسكة بتاريخ ٢٣/٧/٢٠١٢ حيث دخلت كاميرا الجزيرة إلى “المناطق المحررة” في منطقة المالكية برفقة مجموعة “قوات حماية الشعب لغرب كوردستان” و مع التحفظ الشديد جدا على أسم هذه الجماعة إلى أنها ليست أهم المؤشرات السيئة التي ظهرت في التقارير ..
فقد كان لافتا في كل ما بث الغياب الكامل لأي رمز سوري يشير إلى تلك المناطق هي مناطق سورية تنتمي إلى وطننا الواحد سوريا …فقد رفعت أعلام كوردستان على المخفر الحدودية و المواقع و المنشآت الحكومية و غاب علم الثورة ..علم الاستقلال السوري تماما في مشهد سيئ ..و مشؤوم …..
لا نزايد على الأخوة الأكراد في وطنيتهم…و لا نطالبهم بتأكيد انتمائهم إلى الشعب السوري الواحد فهم أكبر من أن يكونوا موضع شك …. إلا أن هذه المظاهر بحاجة على تفسير قبل أن تستغل ممن يحاول قتل أحلامنا في الحرية و المواطنة
أعتقد جازما أن ما یحدث في المناطق الکردیة عامة ولیس فقط في محافظة الحسکة إنما یدل علی عدم نضج الأحزاب والمجموعات الکردیة المختلفة، والقضیة لا تتعلق فقط برفع أو عدم رفع علم الاستقلال في الإحتجاجات أو غیره من الحراك الثوري المعادي للنظام. فمثلا یرفض حزب الاتحاد الدیمقراطي (پ ي ذ) رفع علم کردستان الذي یجمع کل الأکراد في کل مکان، بل یصر علی رفع علم خاص به من ثلاثة ألوان بدل أربعة ألوان تشکل العلم الکردستاني. الهدف من ذلك هو أن یتمیزوا دائما عن غیرهم. إنهم یثقون ثقة مبالغ فیها بالمظاهر ویظنون خاطئین أن الکرد سیتأثرون بالإستخدام المفرط والمبالغ به للرموز القومیة فینجذبون نحو تنظیماتهم. وهذا تقلید ورثوه من حزب العمال الکردستاني الذي تشکل الأعلام الحزبیة والبوسترات والمسیرات التي لا تنتهي جزءا مهما من السیاسة الإعلامیة. فمهم جدا بالنسبة لهؤلاء أن یبقوا في واجهة الإعلام. بنظري هذا تفکیر صبیاني وغیر ناضج، فإنتهاج هکذا سلوك خلال الثورة السوریة له مضاره الکثیرة، فقد یکون منفرا لمکونات الشعب السوري الأخری وسببا للنزاعات بین الأکراد أنفسهم. یمکن مقارنة استخدام الرموز القومیة الکردیة بشکل مبالغ به مثلا بإصرار جنود الجیش السوري الحر علی الظهور ملتحین وعلی استخدام اسماء الصحابة وغیرهم من شخصیات التاریخ العربي الاسلامي کتسمیات لوحداتهم العسکریة. فالشعب السوري لیس مسلما ولیس عربیا بمجمله. کان من الأجدر استخدام مسمیات من التاریخ السوري، فحراکنا هو سوري وطني في الدرجة الأولی هدفه تحریر البلاد والعباد من العبودیة، إنشاء بلد دیمقراطي متطور ینظر الی الأمام ویتوحد مع کافة الأحرار في العالم قاطبة. وهذا لا یتناقض سواعا مع دیننا الاسلامي، أو التاریخ العربي، بل من المفید أن نستلهم الجوانب المضیئة في التاریخ الاسلامي والعربي. ولکن المبالغة في استخدام الرموز الدینیة کاللحیة، ونداءات اللله أکبر واسماء الصحابة یضفي علی الثورة السوریة طابعا اسلامیا یطغی علی الطابع التحرري الوطني. الوطنیة السوریة وتحریر الوطن السوري أشعلا الثورة في سوریا، فلنبق علی شعلة الثورة متقدة بالالتفاف حول الأهداف والرموز الأصیلة للثورة.