مجتمع مضادّ… عربيّاً أيضاً؟
حازم صاغيّة
نجح الأمين العام لـ«حزب الله» اللبنانيّ نجاحاً لا يرقى إليه الشكّ في أن يستعرض قوّة جبّت كلّ قوّة محليّة سبقتها في لبنان. بيد أنّ القوّة هذه بدت، أكثر من أيّ وقت سابق، صنواً لامتلاك السلاح فحسب وللتهديد به والوعد بمراكمته. فكأنّ القوّة، في هذا المعنى، تعادل التغلّب ووضع المجتمع، تالياً، على شفير الحرب. وفي ذلك ما يجافي القوّة التي تُنسب إلى مقاومات وطنيّة يقال إنّها تنبثق من قواسم مشتركة بين أبناء وطن واحد.
وهذا واقع ملموس في لبنان، يحاصر اتّهامات سبق أن وجّهها الأمين العام لـ «طائفيّين» يناهضون حزبه: إذ حتّى لو كان هؤلاء طائفيّين، وكثيرون منهم هم كذلك فعلاً، فإنّ طائفيّتهم لا تُحتسب من حيث الفعاليّة بقياس جيشه ذي اللون الطائفيّ والمدجّج بسلاح لا يملكه سواه. أمّا الحجّة الأخرى من أنّ الصواريخ لا تتدخّل في النزاعات الأهليّة التي تُخاض بالرشّاشات والبنادق، فمردودة بدورها. إذ حتّى لو تساوى اللبنانيّون في امتلاك البنادق، يبقى أنّ البندقيّة المسنودة بالصاروخ غير البندقيّة التي لا تملك سنداً كهذا، تماماً كما أنّ السلفيّ الذي لا يملك مشروعاً يغاير السلفيّ صاحب المشروع المعزّز بالحزب والجيش.
وقصارى القول إنّ السيّد نصرالله وضعنا مجدّداً أمام الحقيقة إيّاها، وهي أنّ سلاح حزبه هو اليوم المصدر الأغنى لتجديد الانشقاق الأساسيّ بين اللبنانيّين، ولتمكين الطائفيّة ولتزويدها مزيداً من الأنياب والقدرة على الفتك والأذى.
فوق هذا فمهرجان عاشوراء لم يكن خطاباً فحسب. لقد كان تظهيراً لمجتمع موازٍ بل مضادّ في كلّ شيء: من الزيّ إلى الشعار، ومن الرمز إلى الطقس. وهذا جميعاً ما ينجدل في المشروع الصلب المتماسك، حزباً و «ثقافةً» وقائداً ومنطقة وسياسة خارجيّة، ممّا لا تملك أيّة طائفة أخرى جزءاً صغيراً منه.
ويُخشى اليوم، وعلى إيقاع الانتفاضة السوريّة ذات الصلة الوثيقة بأوضاع لبنان، أن تتعدّى هذه الضدّيّة بلدها إلى المنطقة. فخطاب الأمين العام لم يكتم الانتساب العضويّ إلى النظام السوريّ ومعركته. وإذا صحّت الروايات المتكاثرة عن مشاركة عناصر من الحزب وعناصر من الصدريّين في العراق في المواجهات السوريّة، بتنا أمام نيّة وقصد واضحين لدفع شيعة المشرق العربيّ إلى خوض معركة النظام الدمشقي كما لو أنّها معركتهم. وغنيّ عن القول إنّ في هذا إسهاماً واضحاً في تطييف الصراع في سوريّة ممّا يحصره أهل النظام في الانتفاضة ويحمّلونها وحدها مسؤوليّته. فإذا عطفنا ذلك على موقف صريح لنظام طهران من المسألة السوريّة، وعلى موقف متفاوت الصراحة لنظام بغداد الذي يتّهمه أغلب السنّة العراقيّين بالطائفيّة، صرنا أمام اصطفاف خطير وبائس ومؤلم في وقت واحد.
ذاك أنّ القوى الراديكاليّة التي تزجّ بالشيعة في هذه المعركة تهدّدهم هم بالدرجة الأولى، وتضعهم، في زمن انفجار الهويّات الدينيّة والمذهبيّة، في مواجهة اللون الأكثريّ السنّيّ الطاغي على المنطقة. وهذا ما يشي بخلق شيعيّة سياسيّة ليست فحسب موازية أو مضادّة لبنانيّاً، بل موازية ومضادّة عربيّاً أيضاً. وأمر كهذا ليس حكيماً بالمطلق، فضلاً عن كونه غير وطنيّ إذا كانت الوطنيّة تعني تكثير الإجماعات والاتّفاقات بين أبناء الوطن وفي محيطه.
يقال هذا الكلام حرصاً على الشيعة اللبنانيّين والعرب أوّلاً وأساساً، صدّق من صدّق وشكّك من شكّك. وطبعاً لا تندرج في هذا الحرص حماسة المتحمّسين لـ «مقاومة عراقيّة» لم تفعل إلاّ قتل مواطنين شيعة أبرياء.
الحياة