صفحات العالم

مرحلة المجازر المتنقلة في سوريا


غازي دحمان

معرة النعمان، درعا البلد، تلبيسه، الرستن، القبير، الحفة، الحولة، وقبلها، اللطامنة وكرم الزيتون وجورة الشياح وبابا عمرو، أسماء لمناطق سورية دفعت ثمن التحرر من استعمار “دولة” ما بعد الإستعمار، وثمة أسماء جديدة مرشحة إلى دخول قائمة المجازر الطويلة، فقط، العملية تنتظر تطور الحدث السوري ومعرفة توجهاته وطبيعة المواقف الإقليمية والدولية، ومن ثم يصار إلى اختيار عنوان المجزرة القادمة وتحضير مسرح الحدث وإنجاز المهمة .

إنه الخيار الوحيد، والممر الإجباري، الذي يتيحه النظام “الوطني” السوري لجماعاته الوطنية، سواء تلك الباحثة عن سبل الخلاص من استعمار محلي أغلق في وجهها كل طرق التغيير، وبالتالي أبواب المستقبل، أو تلك التي ربطها بوجوده ربطاً عضوياً لا انفكاك منه، وبالتالي لا مستقبل من دونه. هي إذاً معركة حياة أو موت، وفي هذا الفضاء الدامي يرتسم مستقبل السوريين الذي يحدده بدرجة كبيرة سياق دفاعهم عن وجودهم، كل حسب رؤيته للمخاطر والفرص التي تتيحها هذه اللحظة القاسية والمفصلية من تاريخ الصراع، حيث لا هوامش للحوار او لأي شكل تعبيري آخر سوى القوة النابعة من الإحساس الغريزي للجماعة “للجماعات”، باستثناء ذلك، كل الأمور، بما فيها المبادرات والافكار والأطروحات، هي مجرد أشياء ذات حواف حادة، لا داعي لتجريبها، إما لخطورة ملامستها، بما تتضمنه من إمكانية المساس بمصالح ومزايا “الجماعة”، أو بما تحمله من إهانة لعزيمة “الجماعة” في حربها المقدسة .

ماذا يعني ذلك؟ هل يعني ان الجماعات السورية ما زالت تشعر بأنه ما زال لديها الفائض من عدة الحرب وأدواتها، ولديها القدرة على الحسم وإخضاع الطرف الاخر، وأن رصيدها من الإمكانات لم ينفد بعد، وأن ما اختزنته، لهذا اليوم المجيد، ما زال مترعاً ويعد بمزيد من عروض القوة والتحدي؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو بالفعل كذلك، فما عسى هذا المشرق المنكوب بمكوناته سوى الأسف على تاريخ مضيَّع بشعارات التكاذب، في حين ظهر أن الشيء الواقعي الوحيد هو تربص هذه المكونات بعضها ببعض .

ما يحدث يبدو خارجاً عن المنطق السياسي الطبيعي، حيث النظام يزيد غرقه في مستنقع الدم السوري ولا يترك منفذاً ولو صغيراً للخروج من هذا الجحيم الذي صنعه وينفخ في أواره، بل ويصدر امر عمليات لتسعير هذا الجحيم، الأمر الذي لا يجد تفسيره سوى بخضوع رأس النظام للقوى المحركة على الأرض وأنه لم يعد لديه القدرة على السيطرة التامة على تصرفاتها، وأنه يخضع لتقديراتها ورؤاها للصراع والحسم، ما يعني أن سورية ستكون في المرحلة القادمة أمام مشهد المجازر المتنقلة، خصوصاً في مناطق التماس الطائفي، حيث تأخذ تفاعلات الأزمة بعداً طائفياً بامتياز يبحث له عن إطار جغرافي ومجالات حيوية وحدود واضحة.

دمشق

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى