مرحلة انتقالية سلمية أم دموية في سوريا؟
انفلات العنف يثير خطر انهيار الدولة
روزانا بومنصف
بدا الحل العسكري في سوريا فجأة حلا محتملا للازمة السورية على اثر المعطيات التي برزت بعد التفجير الذي اطاح ثلاثة على الاقل من اركان نظام الرئيس السوري بشار الاسد وفي ضوء انفلات حرب الشوارع في دمشق على نحو اتاح للمراقبين استحضار نموذج الاشهر الاخيرة من مواجهة نظام الرئيس الليبي معمر القذافي مع المعارضة المسلحة التي كانت تتقدم في اتجاه معقله في العاصمة الليبية وعززه الفشل الكامل لخطة الموفد الدولي الى سوريا كوفي انان وللتوافق الدولي على مفهوم واحد لنتائج لقاء جنيف. كما ان الاختراق او التقدم الذي حققته المعارضة في سوريا او كل من ينضوي تحتها حصل من دون تدخل خارجي من قوات حلف شمال الاطلسي او سواه، على ما حصل في ليبيا، ولو ان مساعدات قدمت اليها وتاليا فرض ذلك معطيات جديدة لا يمكن تجاوزها في تقويم ما وصل اليه الوضع. وما بدا مخيفا لمراقبين ديبلوماسيين في اليومين الماضيين ان الامور قد تفلت فجأة من عقالها، فتقود اما الى مذابح في حال استطاع النظام لملمة نفسه بعد الضربة التي وجهت اليه وعمد الى الاستشراس في مهاجمة خصومه في ما تعرفه هذه الدول بالحرب الاهلية المؤكدة في رأيها، او بالعكس في حال استطاع الثوار تحقيق اختراقات جديدة بما قد يوصلها الى رأس النظام وتضع العالم امام خيار يحرجها في شأن مصير الرئيس السوري او ان الخيار قد يكون العمل على تنظيم مرحلة انتقالية سلمية بدلا من ان تكون دموية تشارك فيها الدول الغربية والاقليمية.
فالولايات المتحدة وروسيا تتشاركان المخاوف من انهيار الدولة في سوريا والمؤسسات وفي مقدمها الجيش. ومع ان مراقبين يعتبرون ان سوريا بالنسبة الى روسيا هي بمثابة لبنان بالنسبة الى سوريا من حيث معرفتها بكل تفاصيله ومكامن قدراته وضعفه، فان عجزها عن توقع الانشقاقات الكبيرة في الجيش والاختراقات المحتملة فيه نسبة الى التفجير الذي حصل انما يضع روسيا في موقع صعب للغاية وقد يسحب منها اي مبادرة ممكنة من جانبها في حال سارعت الولايات المتحدة والغرب الى التقاط الفرصة لتحديد معالم المرحلة المقبلة في سوريا. وتفيد معلومات ديبلوماسية انه، وبغض النظر عن حادث التفجير، فان الغرب كان على ادراك ووعي لعاملين: الاول هو ان الازمة السورية تتسارع وان امكانات المعارضة بكل اشكالها تكبر بشكل اضطراري. والآخر ان المعارضة لم تعد تحتاج الى تدخل عسكري داعم لها من اجل تحقيق انتصارات على الارض كما ليست في حاجة الى اي قرار دولي يساعدها من خلال عقوبات اضافية على النظام باعتبار ان هذه العقوبات بدت بعيدة المدى والتأثير فيما التطورات على الارض تسير بوتيرة اسرع.
وتاليا فان السؤال في رأي هؤلاء هو هل يمكن ان تكون سوريا امام مرحلة انتقالية سلمية ام مرحلة انتقالية دموية كون الامور على الارض بلغت نقطة يصعب العودة عنها؟
في اعتقاد هؤلاء ان النظام الذي تلقى ضربة كبيرة ان من خلال اطاحة اركان في نظامه او من خلال تمدد الاشتباكات الى قلب العاصمة قد يعتبر ذلك فصلا من فصول الحرب ويواصل المواجهة في معركة قد تكسبه بعض الوقت ليس الا، باعتبار ان لا مستقبل له بعد الان. واستمرار تمتعه بدعم روسيا والصين ازاء اي قرار دولي ضده وفق ما حصل مع مشروع القرار الجديد في مجلس الامن يوم الخميس في 19 الجاري يظهر ان التطورات على الارض لم تساهم في رأب صدع المواقف الدولية بل على العكس. ويسري ذلك على دعم ايران التي لفت المراقبين ما قاله سفيرها في لبنان غضنفر ركن آبادي في حديث اعلامي امس الخميس من “ان سوريا جزء من منظومة المقاومة ولا يمكن هذه المنظومة ان تتفرج تجاه ما يجري في سوريا. وما دامت سوريا سندا اساسيا للمقاومة فنحن الى جانبها”. مما يعني ان المرحلة الدموية في سوريا قد تستمر لمدة غير قصيرة بغض النظر عن نتائجها وما اذا كانت ستساهم في اعادة تعويم الرئيس السوري على رغم استبعاد هذا الاحتمال ام تؤدي الى مرحلة انتقالية دموية الطابع وبعيدة المدى تحصل على وقع سقوط المزيد من الخسائر البشرية وتدمير سوريا في حرب اهلية كاملة المواصفات. ذلك ان هذا الكلام يفسر استعدادا للدعم حتى آخر لحظة في ما يمهد لحرب طويلة بواسطة الافرقاء على الارض في سوريا كما جرى في لبنان ابان الحرب.
الخيار الآخر هو التنافس الدولي على تأمين انتقال سلمي يتم اقناع الاسد من خلاله بمغادرة السلطة واتاحته المجال امام انقاذ مؤسسة الجيش وعدم تمزقها نتيجة المخاوف التي اثارها ما حصل في العراق على هذا الصعيد. ويعتبر المراقبون المعنيون ان النافذة باتت تضيق على هذا الصعيد على رغم استمرار تمتع الاسد بدعم جزء كبير من هذه المؤسسة. لكن حصول انشقاقات كبيرة اضعف هذه الورقة في يده ايضا وهي تطرح مخاوف كبيرة الى جانب تدهور الوضع على الارض يثير الاميركيون بعضها من خلال الكلام على مصير مخزون الاسلحة الكيميائية لدى النظام وامكان وقوعه في يد تنظيمات ارهابية او غير مسؤولة واحتمال تمدد الحرب في سوريا الى دول الجوار.
النهار