صفحات الرأي

مرونة عقود العمل ترجح… والأمان الاجتماعي ينحسر/ أندرانيك تانجيان

 

 

سلط الأكاديمي الهولندي، هانس أدريانسنس، الضوء على الحاجة الى الانتقال من مرحلة حماية الوظائف الى حماية العمال. فأبصر مصطلح «فليكسيكوريتي» (مرونة العمل والأمان الاجتماعي للعامل) النور في 1995 في هولندا.

وبرزت الحاجة الى «فليكسيكوريتي» إثر سقوط الشيوعية، وتقرب الحكومات وأبرز الأحزاب السياسية من ارباب العمل. وهؤلاء سعوا الى تعزيز قدرة شركاتهم على المنافسة في وجه العولمة ومنافسة الدول النامية، والتزموا اجراءات ترمي الى زيادة القدرات التنافسية للشركات. ولكن عددَ العمال المتعاقدين من طريق عقود لا تحدد مدتها ومفتوحة الأمد تعاظم في الدول الأوروبية، وساهم في مشكلات اجتماعية. فالناس لم يعد في إمكانها انتظار وتخيل مستقبل واعد وتأسيس عائلة والإنجاب… ومست الحاجة الى مساومة. وفي عام 2000، في قمة لشبونة، جمعت كلمتا «مرونة» و»أمان» للمرة الأولى في الوثائق الأوروبية الرسمية. والتزم عدد من المنظمات الدولية، مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، المفهوم هذا. واستجابة النقابات كانت ايجابية وبناءة. واستحسن أمين عام فيديرالية النقابات الأوروبية الفكرة. وفي 2006، اصدرت المفوضية الأوروبية كتابها الأخضر، ووسمته بـ «تحديث قانون العمل لجبه تحديات القرن الحادي والعشرين»، ثم أصدرت في 2007 نشرة تحمل عنوان «نحو مبادئ مشتركة من فليكسيكوريتي». وبدا انها ترمي الى ضمان المرونة وإنزالها في مرتبة مثال يُسعى اليه- أي انزالها في منزلة الغاية- وليس الى ارساء توازن بين المرونة والأمان الوظيفي. وصار النهج هذا رسمياً، فشعرت النقابات بالإحباط. وبدأت تندد بـالـ «فليكسكوريتي» وتعيب عليها انها نوع جديد من الاستغلال في العمل. وطورنا في مؤسسة هانز- بوكلر، نظاماً يبحث في الموازنة بين المرونة والأمان الوظيفي في الاتفاقات، ويسعى الى مساعدة المنظمات الاجتماعية التي تفاوض الشركات والحكومات. وتناولنا اكثر من 5 آلاف اتفاق عمل في هولندا. ولكن حين قدمنا خلاصة عملنا، رأى ارباب العمل اننا لم نفهم شيئاً، ولم نصب التحليل. فالمرونة في رأيهم، هي صنو الأمان، وهي تضمن المنافسة، والنمو تالياً، والعمالة الكاملة. والرابط بين المرونة والمنافسة لم تثبته الإحصاءات. ولا تستسيغ النقابات أن يوكل الى كمبيوتر مهمة تحليل اتفاق وتقويمه.

ومنذ 2006، يتدهور في أوروبا «الأمان الوظيفي» وينحسر امام مد «المرونة». وهذا يحصل حتى في هولندا حيث ابتكر مفهوم «فليكسيكوريتي»! واقترحتُ حلولاً منها الاحتذاء على نموذج تأمين السيارات، أي رفع قيمة التأمين قياساً على خطر الحوادث، فترفع رسوم التأمين- البطالة قياساً على مقدار المرونة في العقد الوظيفي. ومثل هذا النظام يشجع اصحاب العمل على منح الموظفين شروط عمل أمثل من دون أن يحظر عليهم اللجوء الى ضرورات المرونة. ومن صيغ إنقاذ مفهوم «فليكسيكيوريتي» والحؤول دون غلبة المرونة على الأمان الوظيفي، فرض ضريبة مماثلة لتلك التي تفرض على نشاطات الشركات الملوثة. فجزاء الشركات التي «تلوث سوق العمل» من طريق وظائف هشة الاستقرار ورديئة النوعية، هو إلزامها نسبة ضرائب أعلى. وفي غياب نقابات تدافع عن مصالح العمال، وسع «نوكيا» اغلاق مصنعها في بوشوم الألمانية والانتقال الى رومانيا. ورست الـ «فليكسيكوريتي» على شكل هدية للشركات. فهي تُدعى الى المرونة الوظيفية، وتعفى من تمويل «الأمان الوظيفي»، وهذا تموله الضرائب (تأمين البطالة، اعادة التأهيل والإعداد…). وفي زمن كارل ماركس، كانت علاقات قوة تربط اصحاب العمل بالعمال: فإذا لم يسدد اصحاب العمل قيمة العمل على مقدارها الفعلي والعادل، جنى فائضاً، وأرباحاً. واليوم، صارت الدولة وسيطاً بين العمال وأرباب العمل. ولكنها تمنح أرباب العمل نوعاً من الربح. ويحرز صاحب العمل المكاسب من علاقته بالعمال والدولة. فالأرباح تخصخص وتحبس في دائرة الخاص، والنفقات عامة.

* باحث، عن «لوبس» الفرنسية، 15/6/2017، إعداد منال نحاس.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى