صفحات العالم

معجزات روسية


ساطع نور الدين

ليس هناك شبه بين مفاعل بوشهر النووي الايراني الذي دشنه الروس والقاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري التي يستمر العمل على تطويرها، سوى انهما يحققان حلماً روسياً قديماً بالوصول الى المياه الدافئة للبحر المتوسط والخليج العربي. لكنه في الحالتين حلم مؤقت، عابر، ولا يمكن ان يصمد إلا بمعجزة، ولا يمكن أن يدوم أكثر مما دام الوهم الروسي ببقاء الرئيس الليبي معمر القذافي في السلطة.

لمفاعل بوشهر معنى مختلف. لا يمكن اعتباره تحدياً روسياً للموقف الدولي من ايران، بل هو أقرب ما يكون الى إغواء دولي لطهران، تولته روسيا التي يمكن ان توصف بأنها أشد بلدان العالم تخوفا من البرنامج النووي الايراني، والتي سبق أن وافقت بتحفظ على جميع العقوبات المفروضة على ايران وشاركت أحيانا في حملة التهديد الغربي للايرانيين. المقصود من تدشين بوشهر هو ان تبلغ موسكو جارها الايراني ان الاسرة الدولية مستعدة لمساعدته في الاستخدام المدني للطاقة النووية، مقابل ان ترد على الاسئلة والمزاعم الموجهة الى طهران بأنها تخفي برنامجاً نووياً عسكرياً، وتعمل على إنتاج القنبلة المحرمة.

وهو رهان روسي حرج، لكنه يمكن ان ينجح بدليل ان القيادة الايرانية أبدت في الاسابيع القليلة الماضية التي أعقبت إطلاق العمل بمفاعل بوشهر المزيد من الشفافية إزاء برنامجها النووي، باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقدمت كدليل على حسن النية والحرص على الطاقة الكهربائية التي ينتجها المفاعل، عرضاً جديداً للتفاوض، لن يكون بمقدور الغرب تجاهله، لا سيما في خلال فترة السنة المقبلة التي سيتولى فيها المهندسون الروس تشغيل بوشهر. لكن أحدا لا يمكن ان يسقط من حسابه ان الغربيين سيلتزمون التشدد تجاه ايران، لأسباب غربية داخلية، ولأسباب ايرانية داخلية ايضا، ما يجعل المفاعل نفسه في خطر مجددا، ويعرض ذلك الدور الروسي للتهديد، ويحرم الروس من ذلك المنفذ الحيوي على مياه الخليج العربي الساخنة.

لا ينسحب هذا المنطق على الرهان الروسي في سوريا، الذي يبدو أقرب الى الخيار البائس الذي اعتمده الكرملين في ليبيا وحرم الروس من فرصة الاستفادة من واحد من أكبر مشروعات البناء وإعادة الإعمار في واحد من أغنى البلدان النفطية في العالم. والتقدير الاولي البسيط يفيد بأن سياسة الكرملين وتأييدها لنظام الرئيس بشار الاسد بات يمكن ان يهدد قاعدة طرطوس المتاحة للروس منذ مطلع السبعينيات أكثر مما يحميها من غضب الشارع السوري الذي يتفاعل يوميا ويشهد على إحراق علم روسيا ورموزها.

قبل ان يوجه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إدانته العلنية الى المحتجين السوريين الاسبوع الماضي، كان يمكن الاشتباه، بل حتى الاعتقاد، بأن روسيا تعمل باسم المجتمع الدولي، أو بالتحديد باسم الاميركيين، على توفير مخرج لنظام الاسد من المأزق الذي وضع نفسه فيه. لكن الكرملين غادر كما يبدو مجال الإغواء أو طبعا التوسط في سوريا. صار طرفا، يقامر بآخر أوراقه العربية وآخر مواقعه المتوسطية، ويؤمن بالمعجزات!

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى