صفحات العالم

مقالات تناولت مؤتمر جنيف 2

“جنيف 2 ” للابتزاز: إما النظام وإما “القاعدة”/ عبدالوهاب بدرخان *

لسورية مصلحة في «حل سياسي»، لكن ليس الحل الذي يُطبخ حالياً على أسـاس أن الـنظـام قـدّم في «صفـقة الـكيماوي» أوراق اعتماده ثانيةً الى القوى الدولية ليستمرّ حـاكماً لسـورية. فـي أسـوأ الأحوال أو في أحسنها لا يمكن أن يوجد حل إلا اذا قـدّم النـظام تنازلات جذرية وملمـوسـة تتعلّق بـبنيـتـه الأمـنـية – الاستخبارية – العســكرية، وأي شـيء أدنـى من هذا المنطق سيكون مجرّد حرث في الخواء.

أقلّ من شهر يفصل عن الموعد الذي حدّدته الأمم المتحدة لعقد مؤتمر «جنيف 2». هذا موعد مبدئي، لسببين على الأقل: الأول، لأن صيغة الحل التي يطرحها النظام وتؤيدها روسيا وإيران (وقد تحبذها الولايات المتحدة بعد تراخي شروطها) تبدو مسبقاً وصفة لفشل ذريع سريع. والثاني، لأن تمثيل المعارضة يستلزم وقتاً لتفكيك تعقيداته، فمن الواضح أن المشكلة هي مع من يمثلهم «الائتلاف» و «المجلس الوطني»، وإلا لما طُرحت أصلاً فكرة مؤتمر في جنيف. اذ إن بعض «المعارضة الداخلية» المدجّنة مشارك في الحكومة الحالية، أي لا مشكلة بينه وبين النظام، واذا وجدت يمكن حلّها في دمشق. ولا شك في أن هناك معارضين في الداخل لكنهم لم يشاركوا في الثورة ولم يضعوا أنفسهم في سياقها، وليس غبناً لهم ألا يُدعَوا الى جنيف، بل الغبن في أن يُدعَوا ليمثّلوا أدواراً ترسمها لهم أجهزة النظام وإيران التي استقطبت الكثيرين منهم. ومهما اتّهم «الائتلاف» (أو «المجلس» أو حتى «تكتل الإخوان») بالانفصال عن الواقع لأن خريطة تمثيله على الأرض أصبحت ضبابية، إلا أن النواة الحقيقية للثورة بجناحيها المدني (المجالس المحلية) والعسكري (الجيش الحر) ترى في «الائتلاف» معبّراً عنها على رغم مآخذها الكثيرة عليه. واذا لم تعطِه تفويضاً كاملاً، فإنه محكوم بـ «ثوابت» جرى تأكيدها مراراً ولا يستطيع أن يحيد عنها.

كان بيان جنيف (30 حزيران/ يونيو 2012) حدد ركيزة الحل السياسي بكلمات أربع، هي: «جهاز تنفيذي بصلاحيات كاملة»، لا تزال المحدد الرئيس لأي حل. طبعاً دار جدال حول تفسير ما تعنيه «الصلاحيات الكاملة»، وعمل النظام وحليفاه الروسي والايراني طوال خمسة عشر شهراً لإثبات أن تنحي بشار الأسد ليس جزءاً من الحل، وبذلوا لأجل ذلك جهوداً لتغيير المعادلة الميدانية لم تكن معارك القصير وحمص سوى الجانب المرئي منها. أما الجانب الآخر السرّي، فكان أعمق تأثيراً، اذ مكّنهم من استثمار اختراقاتهم لمناطق سيطرة المعارضة. ساعدتهم في ذلك الدول المناوئة للنظام (عن قصد أو عن غير قصد)، ففي الوقت الدقيق الحاسم الذي كان يجب أن يُخصّص لتطوير قدرات المعارضة عسكرياً ومالياً (النصف الأول من 2013) أشهرت الولايات المتحدة الشكوك والتردد وضغطت على الدول الصديقة لتغليب التريث وإبطاء التعزيزات النوعية.

في هذا الوقت تحديداً فُتحت كل الخطوط لإدخال مزيد من العناصر والأسلحة والمعدّات ليتمكّن تنظيم «الدولة الاسلامية للعراق والشام» (داعش) من الاعلان عن نفسه جزءاً لا يتجزّأ من «الثورة». والواقع أنه وجد دروبه بسهولة الى الداخل السوري من أجل هدف واحد هو تخريب الحالة الثورية. فحتى «جبهة النصرة»، التي سبقته الى هناك ونشطت على الجبهات، تغيّر سلوكها كلياً بعدما أصبحت «داعش» منافساً مباشراً على الأرض. وعلى رغم خلاف علني نشب بين زعيميهما («أبو بكر البغدادي» و «أبو محمد الجولاني»)، إلا أنهما بقيا مرتبطين بمرجعية زعيم «القاعدة» أنور الظواهري الذي ألزمهما بالتعايش وعدم التقاتل، فكان أن نشأت حال من التداخل بينهما. وإذ يشير معارضون الى أن مقاتلي «النصرة» (معظمهم سوريون) يواصلون القتال في بعض الجبهات مندمجين مع مقاتلين ذوي انتماءات متعددة، إلا أن وجود «داعش» دفعهم الى تغيير تكتيكاتهم فراحوا ينفردون بعمليات مريبة لا ينسّقون فيها مع «الجيش الحر»، كما في اشتباكهم مع أكراد الحسكة، أو في اعتدائهم على بلدة معلولا المسيحية، وهي مريبة لأنها أساءت الى المعارضة ورتّبت مكاسب خالصة للنظام.

أما مقاتلو «داعش» فتخصصوا منذ دخولهم بالسيطرة على المناطق التي كان «الجيش الحر» وفصائل معارضة اخرى أبعدت عنها سطوة النظام. ثم استهدفوا نشطاء طالما تمنى «شبيحة» النظام التخلّص منهم، وأخيراً أصبحوا يعملون على طرد جنود «الجيش الحر» من بعض البلدات. لم يشاركوا في أي معارك ضد النظام وإن سُجّل لهم دور في عملية اختراق ريف اللاذقية (أوائل آب/ أغسطس الماضي) التي لم يكن «الائتلاف» و «الجيش الحر» موافقين عليها بسبب تداعياتها الطائفية. وعلى رغم توسّع رقعة انتشارهم، تجنّبتهم قوّات النظام ومروحيّاته ومدفعيته، لأن الدور التخريبي البشع الذي يقومون به يطابق تماماً ما يمكن أن يقوم به النظام نفسه، كما لو أن أحد ضباط أجهزته يوجّه تحركاتهم. من ذلك، مثلاً، أن محافظة الرقّة التي كانت الأكثر ولاءً للنظام الى شهور قليلة مضت، ثم انقلبت بعدما أصبحت محاطة بمناطق منخرطة في الثورة، تستعيد اليوم هذا الولاء لكن تحت سيطرة «داعش»، ومع أنها تحوّلت لفترة ملاذاً لعائلات معارضة جاءت من مدن وبلدات محاصرة، إلا أن ارهابيي «داعش» جعلوها منطقة طاردة للمعارضين بعدما بالغوا في اعتقال واستهداف الكثيرين منهم كما لو أنهم ينفذون أوامر مصدرها دمشق.

لا غموض لدى قيادة «الائتلاف» وسائر المعارضين، فالظاهرة التي تشكّلها «داعش» وأخواتها صنّعها النظام تصنيعاً بمساهمة ايرانية وعراقية ومشاركة روسية (بعناصر شيشانية)، ما دفع أيضاً جهات خارجية اخرى الى دخول بازار الاختراقات أقلّه لتعرف مَن هناك وما الذي يجري. فالنـظامان الـسوري والايراني خبرا جيداً تنظيم «القاعدة» وتشـعّـباته منذ اســتضافا فلولـه بعد غزو افغانستان 2002 وخصوصاً باستخدامهما عناصره بعد الغزو الاميركي للعراق في 2003. وقد أدرك النـظـامـان، فـي أقل تقدير، أن تنظيم «القاعدة» وصفة تخـريب جاهـزة، ولا داعي لإرشاده أو توجيهه، بل يكفي زرعه وتأمين بعض التسهيلات له، وهو كفيل في ما بعد بالقيام بما يلزم لأن لديه أسلوب عمل واحداً: السيطرة حيث لا توجد سلطة دولة، والانتقال فوراً الى اقامة إمارة اسلامية. وهكذا أقحم النظام جسماً غريباً على المجتمع السوري في المناطق التي خسرها، ووجدت قوى المعارضة نفسها أمام حربين مفروضتين عليها في آن، فإمّا محاربة النظام فيما يقضم الارهابيون مواقعها ومكاسبها، وإمّا محاربة تنظيـم «الـقاعدة» فيـما يـسـتعيد النظام مواقعه منها.

لا شك في أن التركيز السياسي – الاعلامي من جانب النظام وحلفائه على الفصائل الجهادية المتطرّفة يرمي الى شيطنة شياطين تولّوا إنزالها في مهمة تتعلّق باستدراج حلّ سياسي يعرفون أن ظروفه لم تنضج بعد. ولا يعني مصطلح «جنيف 2» الشائع سوى أن المؤتمر المزمع سيخضع بالضرورة لمعايير مختلفة إن لم تكن معاكسة لـ «جنيف 1»، وذلك بناء على المعطيات الجديدة على الأرض. أي أن النظام وحلفاءه يطرحون على المعارضة خيارين: إما العودة الى مظلّته والولاء له، وإما الخضوع لحال افغانية – صومالية مرشحة للتفاقم لأن النظام سيعرف كيف يستغلّها كلياً ضد المعارضة. ما يعني أن «جنيف 2» لن يسعى عملياً الى «حكومة انتقالية» أو الى نقلٍ للسلطة، بل الى ابتزاز آخر: إما النظام وإما «داعش». قد تجد الدول الكبرى أن الخيار واضحٌ أمامها بفعل الأمر الواقع هذا، ولا يهمها حقاً أن هذا هو الحل السياسي المنشود أم لا. أياً تكن الظروف، فلا مصلحة للشعب السوري في «جنيف 2» طالما أنه سـيكرّس الاهانة التي تحمّلها ورفضها طوال خمسين عاماً.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

المعارضة السورية لن تذهب الى جنيف 2

رأي القدس

بعد المذابح والقصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية وقذف البراميل المشتعلة (وحتى الخرسانات المسلحة التي تزن 500 كغ حين تقلّ امدادات الذخيرة) والابادة بالسلاح الكيميائي وتهجير الملايين جاء دور تجويع المناطق الثائرة على النظام السوري تحت شعار ‘الركوع او الجوع′.

… لكن هذا آخر ما يهمّ روسيا او امريكا بالطبع فكل ما هو مطلوب الآن، بعد أن وافق النظام السوري على تسليم ترسانته الكيميائية، هو العمل على اعادة تأهيله سياسيا، من خلال اعتباره شريكاً في مفاوضات تخفي تحتها مسؤوليته عن جبل جثث السوريين المتعاظم يوما بعد يوم.

تصريح رئيس المجلس الوطني السوري، جورج صبرا، أمس ان المجلس لن يذهب الى جنيف 2 يعيد تذكير روسيا وامريكا بوجود معارضة سورية لا يمكن تجاهلها في سياق ترتيبات الأمم العظمى لشؤون الشعوب المنكوبة.

بعد اتفاق الكيماوي يمكن القول انه صارت هناك خطوط عامة امريكية – روسية متقاربة فيما يخص الشأن السوري.

تقوم اوركسترا واسعة متلائمة مع طروحات هذا التقارب باشاعة ‘وقائع′ ومعلومات تصب كلّها في ضرورة الحل على الطريقة الروسية الامريكية.

من هذه المعلومات هي ان المعارضة السورية متشرذمة وضعيفة، وان تشكيلاتها العسكرية صارت أقرب لتنظيم القاعدة والجهادية الاسلامية، وان المعارضة بصيغها كافة فشلت في تقديم بديل مقبول لنظام الأسد الخ…

يشتغل هذا التقارب أيضاً على التعامل مع تلفيق واختراع سريعين لاحزاب جديدة داخل سورية (وقد قام الأخضر الابراهيمي بزيارة بعض منها لإعطائها شرعية دولية)، وتلميع ما يسمى ‘معارضة الداخل’ التي هي من صلب النظام (امثال نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل و’وزير المصالحة الوطنية’ علي حيدر).

بعد اعدام واعتقال المعارضين وتحويل أغلب معارضة الداخل الى معارضة عسكرية، حافظ كل من النظام وحشده السابق على احتكار لقب ‘معارضة الداخل’، منافسين في ذلك حتى ‘هيئة التنسيق’، التي قام النظام بارهاب المعارضين الحقيقيين داخلها من خلال اعتقال بعض قياداتها مثل عبد العزيز الخير، او اعادة تدجين المدجن بينهم أكثر، وأخيرا لا آخراً، تفعيل المتحالفين العضويين معه ضمن ‘هيئة التنسيق’ (مثل صالح مسلّم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي)، والذين يشاركون عملياً بالقتال ضد المعارضة السورية وحتى اتهامها باستخدام الكيماوي.

يحظى كل هذا الحشد، بمباركات متفاوتة من ما يسمى ‘المجتمع الدولي’ لدعم مشاركته المفترضة في المفاوضات بين النظام و’معارضته’ الديكورية، وذلك لتجويف هذه المفاوضات من أية معنى حقيقي لها.

ساهم القمع المنهجي للناشطين السلميين والتنسيقيات والحراك السياسي عموماً داخل سورية في انهاك المعارضة السورية وحرمانها من قيادات كبيرة على الأرض، كما وسّع ذلك من العسكرة والاتجاه الجهادي داخل صفوف المعارضة، وارتكبت المعارضة السورية الكثير من الأخطاء أثناء تشكيلها وما بعده، كما عجزت أكثر من مرة عن ابتكار مبادرات سياسية فاعلة.

لكن كل هذا لا يعني ان المعارضة السورية الحقيقية لنظام الأسد، الممثلة بالائتلاف الوطني (وهو أوسع تمثيل للحراك السياسي والعسكري في سورية) ضعيفة كما يقول النظام ويشيع الراغبون في إتمام الصفقة الدولية.

يتجاهل الراعيان الروسي والامريكي لـ’جنيف 2′ قضايا جوهرية لا يمكن لأية معارضة سورية حقيقية ان تتجاوزها، وأولها تنحي رئيس النظام لإفساح المجال لعملية سياسية حقيقية تقود البلاد الى مصالحة وطنية، وتقديم ضمانات دولية بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات على الجيش والأمن والاقتصاد، وخروج القوات الايرانية وعناصر حزب الله من سورية، وتحديد مدة محددة للتفاوض بحيث لا يستمر سنوات فيما الشعب السوري يعاني من القمع والتهجير والتجويع.

وإلا فليعقد ‘المجتمع الدولي’ مؤتمره في دمشق حيث يمكن للنظام ان يتحاور مع نفسه!

القدس العربي

لا مؤتمر «جنيف2»… إلا إذا/ محمد مشموشي *

يبدو أن «جنيف2» لإنهاء الحرب السورية لن يُعقد أبداً، وليس فقط في موعده المقرر مبدئياً منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وفقاً لتوقعات المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي. والسبب ليس، كما يقول البعض، تشرذم المعارضة أو تباين مواقفها بين الداخل والخارج، أو حتى طلبها ضمانات دولية لحضوره، انما أساساً موقف النظام من المؤتمر بعد ما يعتبره «انتصاراً» بإبعاد شبح الضربة العسكرية التي هدده بها الرئيس الأميركي باراك أوباما. أما هدفه من عرقلة المؤتمر، وحتى نسفه في النهاية، فهو محاولة تصوير عامين ونصف العام من الثورة ضده وكأنها تتعلق بالأسلحة الكيماوية ومواقف دول العالم منها ولا شيء غير ذلك.

في ظن رئيس هذا النظام بشار الأسد، أن الصفقة التي عقدها مع موسكو وواشنطن وتخلى فيها عن سلاحه الكيماوي أنهت من وجهة نظره مؤتمر جنيف، لأنها أنهت في الواقع كل ما كان يتهدد النظام من الخارج إن تحت عنوان «الخط الأحمر» الذي حدده أوباما أو تحت أي عنوان آخر. وكل ما يقوله الأسد وإعلامه والناطقون باسمه وأتباعه في لبنان، في هذه الفترة، لا يخرج عن هذا الظن.

ليس ذلك فقط، بل انه يضع في جعبته هذه أيضاً التقارب الذي شهدته العلاقات بين واشنطن وطهران بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني حسن روحاني الى نيويورك، وكذلك اشادة وزير الخارجية الاميركي جون كيري بتعاونه ونظامه مع الخبراء الدوليين الذين بدأوا عملهم بتفكيك مواقع سورية الكيماوية وتدميرها تنفيذاً لقرار مجلس الأمن في هذا الشأن، فضلاً طبعاً عن الرفض الدولي للمجموعات الاسلامية المتطرفة التي تقاتل نظامه، وتتقاتل في ما بينها، في المناطق المحررة من سورية.

وهكذا لم يعد هذا النظام، أقله كما كان قبل جريمة الغوطة وانتشار رائحة الأسلحة الكيماوية عالميـــاً، يمــرر مسألة اشــتراكه في أي من المؤتمرين اللذين جـرى الحديث عنهما على مدى عام قبل الآن («جنيف1» أو «جنيف2») من دون شروط تعرقل عقده أو تنسفه من أســـاســه مثلما هي حاله في هذه الفترة.

وفي المقابلات الإعلامية الكثيرة جداً التي أعطاها الأسد أخيراً، كما في كلام وزير خارجيته وليد المعلم، من المطالب والشروط والتعجيزات ما يحول دون مجرد عقد هذا المؤتمر، فضلاً عن إمكان الوصول به الى نتيجة تنهي نزف الدم الغزير في البلاد.

فلا يعترف الأسد بأية معارضة تحضر المؤتمر إلا ما يتواجد من أشخاصها وقواها وأحزابها في الداخل السوري، فيما يريد من المعارضة المسلحة أن تلقي سلاحها قبل دخول أي ممثل لها الى قاعته. في الوقت ذاته، لا يكتم أنه سيترشح مجدداً (بناء لرغبات الشعب طبعاً!) لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولايته في العام المقبل، أو أقله تمديد هذه الولاية لأعوام أخرى في حال تعذر اجراء انتخابات رئاسية في الظروف الأمنية الراهنة… على ما تنص احدى مواد الدستور، كما ينقل عنه أحد مصادره.

ويقول المعلم ان الأحزاب السورية المرخصة وحدها التي يحق لها حضور مؤتمر «جنيف2» (كأن الثورة على النظام كانت تحتاج الى ترخيص!)، وأن أحداً لا يمكنه أن يطالب الأسد بالتخلي عن منصبه أو حتى بعدم الترشح لولاية ثالثة، وأن مجرد التفكير بمثل هذه الأمور غير وارد قبل المؤتمر كما بعده… من دون أن ينسى كعادته وعادة زملائه في النظام المطالبة بوقف كل دعم عربي أو دولي للمعارضة وللشعب في سورية.

ماذا يبقى من «جنيف2» في هذه الحالة؟ وماذا يعني اذاً النص الوارد في بيان «جنيف1» بين كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن الاتفاق على تشكيل «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة» للإشراف على بناء نظام ديموقراطي حر في البلاد بنتيجة المؤتمر؟ وأية شخصيات أو قوى أو أحزاب (مرخصة أو غير مرخصة، وفق قول المعلم) يمكن أن تشترك في مثل هذا المؤتمر تحت هذه الشروط… بل أين هو بالتالي «الحل السياسي» الذي يتحدث العالم عنه ويكون من شأنه أن ينهي حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها هذا النظام على شعبه وبلاده كلها منذ عامين ونصف العام من الآن؟

الواقع أن حركة نظام الأسد ومواقفه ومقابلاته، منذ قراره التخلي عن السلاح الكيماوي وتالياً زوال التهديد بالضربة العسكرية التي هدده بها باراك أوباما، تحاول الإيحاء وكأن شيئاً لم يحدث في سورية طوال الفترة السابقة… لا ثورة شعبية مستمرة منذ عامين ونصف العام، ولا انشقاقات من الجيش بعشرات الآلاف، ولا حتى أكثر من مئة ألف قتيل، وثمانية ملايين نازح، وثلاثمئة ألف معتقل، ومدن وبلدات وقرى مدمرة بكاملها في القصف بمدافعه ودباباته وطائراته الحربية وصواريخه البلاستيكية.

وعملياً، ففي سياق حركته هذه يأتي موقفه الحالي من «جنيف2» الذي لا يرفضه علناً، إلا أنه يتعاطى معه وكأنه جزء مما يعتبره «انتصاراً» له في مواجهة التهديد الأميركي بالضربة العسكرية لنظامه.

وهو بذلك لا يسفّه بيان «جنيف1» الذي اتفق عليه كيري ولافروف قبل عام، انما أيضاً وإضافة اليه قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدق على قرار المنظمة الدولية لحظر انتشار الأسلحة الكيماوية نزع أسلحة سورية وربطه بعقد مؤتمر «جنيف2» لإنهاء الحرب فيها وتحقيق تطلعات شعبها لجهة تغيير النظام وإقامة الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

في سيرة نظام الأسد، الأب والابن على حد سواء، أنه لم ينفع معه على امتداد الأعوام الـ43 الماضية إلا القوة أو التهديد بها… من الأردن العام 1970، الى تركيا العام 1989، الى لبنان العام 2006، أخيراً الى ما وصف بالضربة العسكرية الأميركية على خلفية استخدام الأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق.

فالأمر بالنسبة الى هذا النظام يتعلق بالبقاء، ولا شيء غير البقاء. وهو مستعد، من أجل ذلك، لأي ثمن سياسي أو اقتصادي أو عسكري يدفعه، لصاحب القوة أو المهدد بها، من عرق الشعب السوري ودماء أبنائه.

الشرط الوحيد أن يشعر رأس هذا النظام أن التهديد جدي، تماماً كما كان مع أوباما على رغم كل ما رافقه وأحاط به أميركياً وأوروبياً وأطلسياً وحتى روسياً.

من هنا، وفي ظل العبوات الناسفة التي يزرعها الأسد في طريق «جنيف2»، يمكن القول إن لا مؤتمر ولا من يحزنون إلا اذا… بقي المسدس على الطاولة.

وفي ظن الأسد، كما يبدو الآن، أن مثل هذا الأمر لم يعد موجوداً ولا حتى وارداً في المستقبل.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

هل استعجل نظام الأسد؟/ طارق الحميد

سارع الأميركيون والروس، والأمم المتحدة، إلى نفي ما أعلنه نائب رئيس وزراء نظام الأسد عن تحديد موعد جديد لمؤتمر «جنيف 2»، مؤكدين أنه لم يجرِ الاتفاق على ذلك للآن.. فهل استعجل نظام الأسد بالإعلان عن الموعد، أم أن النظام يخطط لأمر ما؟

إعلان نائب رئيس وزراء الأسد قدري جميل أن مؤتمر «جنيف 2» سيعقد يومي 23 و24 نوفمبر (تشرين الثاني)، ثم نفي الأطراف الدولية، وقول المتحدث باسم الخارجية الروسية بأن «هذا الأمر ليس متروكا للمسؤولين السوريين وإنما مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة أن يعلن ويحدد مواعيد توافق عليها كل الأطراف»، يستدعي ضرورة التساؤل عما إذا كان النظام الأسدي قد استعجل أو أنه يخطط لأمر ما. ونحن هنا أمام أمرين؛ فإما أنه قد جرى إطلاع نظام الأسد فعليا، من قبل الروس، على مواعيد مقترحة يجري العمل عليها بين موسكو وواشنطن، لعقد «جنيف 2»، وعلى أثرها قام نظام الأسد بالإعلان عن ذلك لإظهار ارتباط المؤتمر الدولي بتعاون الأسد مع أميركا والغرب في التخلص من ترسانته الكيماوية ليتسنى للأسد حينها القول بأنه لم يسلم الكيماوي لحماية نفسه وحسب، بل إن ذلك جزء من عملية أكبر تقود إلى مؤتمر دولي يمكنه من إعلان انتصاره فيه. ومن هنا يمكن أن نفهم قول المتحدث باسم الخارجية الروسية بأنه «يجب ألا نسبق خطواتنا»، وذلك إثر نفي الروس لمواعيد «جنيف 2» المعلنة، وهذا ما يبرر أيضا قول وزير الخارجية الأميركي إن تعاون الأسد بتدمير ترسانته الكيماوية لا يعني بقاءه في السلطة.

والتفسير الثاني لإعلان نظام الأسد لموعد «جنيف 2»، الذي سارع المعنيون الدوليون بنفيه، هو ملاحظة نظام الأسد لمدى الانقسام الذي أصاب المعارضة حول إمكانية حضورها المؤتمر الدولي من عدمها، هذا عدا عن التحفظات العربية على دعوة إيران لحضور مؤتمر «جنيف 2»، خصوصا أن الحديث عن دعوة إيران يأتي في الوقت الذي تتفاوض فيه إيران مع أميركا والقوى الغربية حول ملفها النووي، ووسط تكتم شديد على فحوى تلك المفاوضات، بل إن دبلوماسيا غربيا يقول لصحيفة «الفاينانشيال تايمز» إن القوى الدولية قررت الحفاظ على سرية مفاوضاتها مع إيران لكي لا يكون المفاوضون عرضة لضغوط الرأي العام! ومن هنا يتضح أن نظام الأسد يعي أهمية تلك المفاوضات، وما يترتب عليها، ليس لإيران وحدها، أو المنطقة، بل على نظام الأسد نفسه، وكما قال لي مسؤول عربي كبير فإنه «إن لم يشعر النظام الأسدي بالقلق من المفاوضات الغربية مع إيران فهذا يعني أن النظام أحمق»!

وعليه فإن إعلان نظام الأسد عن موعد «جنيف 2» الذي نفته الأطراف الدولية يعني أن الأسد في أمس الحاجة الآن للمؤتمر الدولي، ولأسباب أهمها ما يدور على الأرض في سوريا، وحول النظام نفسه، وبالطبع المفاوضات الإيرانية الأميركية الغربية.

الشرق الأوسط

جنيف ـ 2  ليس فولكلورياً… لكنّ حلوله بعيدة/ طارق ترشيشي

يحتاج انعقاد “جنيف – 2″ الى تحضير اميركي – روسي لدى الاطراف العربية والاقليمية الداعمة للنظام وللمعارضة على حدّ سواء بما يؤمّن مشاركة فاعلة للطرفين فيه، ليبدأ حوار بينهما يؤدي الى اتفاق على حلّ سياسي يُخرج سوريا من ازمتها.

ولذلك يُتوقع أن تكون الاسابيع الفاصلة عن موعد هذا المؤتمر حافلة بالتطورات والمشاورات، ومنها جولة وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاسبوع المقبل في المنطقة وزيارته السعودية، والتي سيرافقه فيها مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان.

ويرى متابعون للأزمة السورية أنّ النظام السوري سيعمل في هذه الاثناء على تحقيق مزيد من التقدم العسكري في مواجهة المعارضة المسلّحة، مستفيداً من الإنشقاقات والمواجهات الدائرة بين بعض فصائلها خصوصاً بين “الجيش السوري الحر” و”الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) بحيث يأتي المؤتمر تحقيقاً للواقع الميداني.

وفي الموازاة سيذهب النظام الى جنيف – 2 وفي يده جملة اوراق، منها بداية التقارب الاميركي – الإيراني والخلافات التي تعصف بأركان المعارضة السورية وذهاب الائتلاف السوري الى جنيف مفتقراً الى الاعتراف على الارض، بالاضافة الى ورقة تخلّيه عن السلاح الكيماوي وتولّي الامم المتحدة تدمير ترسانته، الى جانب ما يكون قد انجزه في الميدان خصوصاً في ريف دمشق ودرعا والشمال السوري.

وفي المقابل تحاول المعارضة تحقيق تقدّم عسكري ما يعزّز موقفها التفاوضي، في وقت تمارس الدول الداعمة لها ضغوطاً لإنهاء الخلافات السياسية في ما بينها، ولكن يظهر انّ هذه الدول تواجه صعوبات كبيرة في هذا المضمار، إذ لا يمرّ يوم إلّا وتحصل خلاله مواجهات عنيفة بين “الجيش الحر” و”داعش“.

ويُجري متابعون للأزمة السورية مقارنة بين واقع النظام والمعارضة قبل مؤتمر جنيف ـ 1 الذي انعقد قبل عام، وبين ما هو عليه واقعهما اليوم، فيرون أنّ واقع النظام افضل بكثير فيما واقع المعارضة سيّئ أكثر مما كان عليه.

وفي اعتقاد هؤلاء انّ “جنيف – 2″ غير متوقع منه التوصل الى حلول سريعة، ولكنه في الوقت نفسه لن يكون فولكلورياً، بل سيأخذ وقتاً طويلاً. وتوقعوا أن تمارس الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضغوطاً كبيرة على اطراف عربية واقليمية للمشاركة في هذا المؤتمر الى جانب ايران، ويتوقع أن تدفع القيادة الروسية النظام وحلفاءه وكذلك فصائل المعارضة الداخلية الى مشاركة فاعلة في المؤتمر من اجل تمكينه من التوصل الى حلّ سياسي، خصوصاً أنّ موسكو تعتبر سوريا ضمن نطاق امنها القومي ولها مصلحة قصوى في توافر مثل هذا الحلّ.

وتلعب القيادة الروسية دوراً مؤثراً في معالجة الملف النووي الايراني، وستكون لها بصمات مهمة في هذا المجال، خصوصاً انها تؤمّن حالياً قسماً من الوقود النووي لبعض المفاعلات الايرانية ومنها مفاعل طهران للأغراض الطبية ومفاعل بوشهر للطاقة الكهربائية.

ويرى المتابعون انّ العلاقات السعودية ـ الايرانية اذا تطورت ايجاباً في الاسابيع المقبلة ستنعكس ايجاباً على جنيف ـ 2، وتساعد في توفير مناخات إيجابية في المنطقة عموماً وتؤسس لحلّ عدد من الازمات.

كذلك فإنّ زيارة كيري للرياض الاسبوع المقبل تكتسب أهمية كبيرة، حيث إنّ واشنطن ستسعى الى إزالة الشوائب التي اعترت العلاقات السعودية ـ الاميركية في الآونة الاخيرة، نتيجة بعض المواقف والخطوات التي اتخذتها واشنطن وبدت أنها تتجاهل الدور الاقليمي الفاعل للمملكة.

وقيل في هذا المجال إنّ الغاء الخطاب الذي كان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل سيلقيه امام الجمعية العمومية للأم المتحدة، كان من معالم الموقف السعودي المعترض على التجاهل الاميركي والغربي لدور المملكة وموقعها على الساحتين الاقليمية والدولية.

وقيل ايضاً إنّ هذه المواقف الاميركية عطّلت أو أخّرت ترجمة الانفتاح الديبلوماسي بين السعودية وايران بعد انتخاب الشيخ الاصلاحي حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية الى خطوات عملية بين البلدين، بعدما كان منتظراً أن يحصل على هامش موسم الحج الحالي.

ويندَرج الاعتذار السعودي عن قبول عضوية مجلس الأمن الدولي، في إطار اعتراض المملكة على طريقة التعاطي الأميركي مع ملفَّي الازمة السورية والنووي الايراني، ومجمل التوجّه الاميركي الجديد في المنطقة، وسيشكّل هذا الامر مادة جديدة للبحث بين القيادة السعودية وكيري الذي سيتبلّغ جملة ملاحظات على السياسة الاميركية الجديدة

الجمهورية

من جنيف الإيراني إلى جنيف السوري/ سميح صعب

أجواء الارتياح التي واكبت المحادثات بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا في جنيف قبل ايام، كانت مؤشراً لعزم الجانبين على التوصل الى اتفاق يرضى عنه الجانبان ولا يبدو كأنه انتصار لأحدهما وهزيمة للآخر. ايران تريد رفع العقوبات عنها، وتدرك جيداً ان لذلك ثمناً يجب ان تدفعه. والغرب يدرك ان لطهران الحق في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية ونفوذاً وتأثيراً في الاقليم لم يعد من السهل تجاهله او تجاوزه. والتحول في اتجاهات الميدان في سوريا خير دليل على ذلك.

ومن الواضح ان ضجيج المناورات الاسرائيلية البعيدة المدى لم يبلغ قاعة الاجتماعات في جنيف، ومضت المحادثات في مسار هادئ. وباعتراف الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية كاترين آشتون، كانت هذه الجولة من المحادثات مع ايران الأكثر جدية منذ سنوات. وربما كان نهج الواقعية من الجانبين هو الذي يساهم في دفعهما الى تسوية لن يكون الملف النووي عنوانها الوحيد. وتوحي الاجتماعات الثنائية التي تواصلت بين ايران والولايات المتحدة بأن التسوية التي يعمل عليها تشمل عناوين متعددة، وإلا ما معنى الربط بين الليونة الغربية إزاء مشاركة طهران في مؤتمر جنيف – 2 المزمع عقده حول سوريا وما تحقق من اختراق على صعيد الاتصالات الاميركية – الايرانية منذ زيارة الرئيس حسن روحاني لنيويورك والاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس باراك اوباما والاجتماع الذي عقده قبل ذلك وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف على هامش الدورة السنوية العادية للجمعية العمومية للامم المتحدة أواخر أيلول؟

وفي اطار هذا السياق من الانفراج، أتت الجولة الاخيرة من المحادثات النووية دليلاً على وجود رغبة جدية سواء في طهران أو لدى الغرب، في أن يكون الملف النووي مقدمة لتسويات أبعد. وليس بعيداً من مناخات الانفتاح الجديدة كان الاتفاق بين ايران وبريطانيا في جنيف على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين على مستوى القائمين بالاعمال. وكذلك لم يكن لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وروحاني في نيويورك بمعزل عن مناخ الانفراج الايراني – الغربي. وقد تكون تركيا هي الدولة الوحيدة اقليمياً التي لم تظهر انزعاجها من هذا الانفراج والتي تسعى الى البحث عن موقع على الخريطة السياسية الجديدة التي قد تسفر عنها تسوية بين ايران والغرب، في حين ان الدول الاخرى لا تزال إما مأخوذة بالمفاجأة منذ التوصل الى الاتفاق الاميركي – الروسي لتفكيك الاسلحة الكيميائية السورية ومنع الضربة العسكرية لسوريا، وإما تتصرف بطريقة لا تعترف فيها بالتحولات التاريخية الجارية. واذا كان هذا حال جنيف الإيراني فكيف سيكون الوضع مع جنيف السوري؟

النهار

ليالي التفاوض في جنيف/ مصطفى اللباد

تنعقد غداً الثلاثاء جولة جديدة من المحادثات بين إيران والدول الست الكبرى أميركا وفرنسا وانكلترا وروسيا والصين وألمانيا، في العاصمة السويسرية جنيف، للبحث في تسوية سلمية للملف النووي الإيراني. مرة أخرى تخطف إيران الأضواء، بحيث عاد الملف النووي الإيراني ليصبح في بؤرة المشهدين الإقليمي والدولي. تقدم جولة الغد التفاوضية فرصة ممتازة لإيران، كي تدمج الأفعال بالأقوال وتحافظ على الزخم الكبير الذي أحدثته زيارة الرئيس روحاني إلى الأمم المتحدة، وصولاً إلى إحداث اختراق جدي وكبير يسوي الأزمة، ويرفع عن كاهل اقتصادها العقوبات الاقتصادية الدولية. وفي الوقت ذاته تمثل محادثات الغد مخاطرة كبيرة لإيران، إذ ان فشل المحادثات سيقدم أفضل الخدمات لخصوم إيران الإقلييمين الراغبين في منع التقارب الأميركي ـ الإيراني، وبالتحديد لدولة الاحتلال الإسرائيلي، الراغبة في شطب البرنامج النووي الإيراني بالقوة العسكرية.

غداً توضع المهارات التفاوضية الإيرانية مجدداً على محك الاختبار عبر التوفيق بين أهداف متعارضة: إظهار «المرونة البطولية» التي تحدث عنها مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، ولكن مع الدفاع باستماتة عن خطوط إيران الحمراء في الملف النووي، أي الحفاظ تحت أي ظرف على الحق في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية وامتلاك دورة الوقود النووي الكاملة على الأراضي الإيرانية.

لن تكون ليالي التفاوض في جنيف شبيهة على أية حال بليالي الأنس في فيينا (مثلما غنت سلطانة الطرب العربي الراحلة أسمهان)، بل ستمر الليلتان برغم الابتسامات أمام الكاميرات صعبة للغاية على المفاوض الإيراني، نظراً لحجم الفرص والمخاطر المحيطة بهذه الجولة من المفاوضات والمعلقة على مهارته التفاوضية. على ذلك لا تحاول هذه السطور تحليل ما جرى، بل تذهب مباشرة إلى استشراف ما هو قادم.

عرض إيران الافتتاحي

يتوقع أن تقدم إيران عرضاً متكاملاً لإقناع الأطراف الستة التي تتفاوض معها بجديتها التفاوضية ورغبتها في الوصول إلى حل، ولهذا الغرض فهناك باقة واسعة من الاحتمالات ستتحرك الديبلوماسية الإيرانية من خلالها. قبل البدء في عملية استنتاج ما العرض الذي ستقدمه إيران غداً في محادثاتها، علينا أولاً تذكر النقطة التي توقفت عندها الجولة الأخيرة من المحادثات بين إيران والدول الست الكبرى. عقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات في شهر نيسان الماضي في كازاخستان، قبل شهرين من انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني. في هذه المفاوضات عرضت الدول الست رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاع البتروكيماويات الإيراني وصادراته، وكذلك رفع العقوبات على تجارة إيران الدولية في المعادن الثمينة؛ في مقابل توقف طهران عن تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20 في المئة وإغلاق منشأة فردو المحصنة داخل الجبال القريبة من مدينة قم. ساعتها لم يقدم المفاوض الإيراني وقتذاك سعيد جليلي، والمرشح لاحقاً لرئاسة الجمهورية، أية ردود أو عروض إيرانية مقابلة.

للتذكير أيضاً: عمليات تخصيب اليورانيوم يمكنها أن تتحول إلى الأغراض العسكرية إذا اقتربت نسبة تخصيب اليورانيوم من درجة 90 في المئة، حيث تكون القدرة على صنع رؤوس نووية مؤكدة. وبالتالي إذا قدمت إيران عرضاً بتخفيض نسبة التخصيب، تكون قد قدمت ضمانات بسلمية برنامجها النووي. ومن المعلوم أيضاً أن المعارف النووية التي تمكن دولة ما من تخصيب اليورانيوم إلى درجة 5 في المئة فقط، هي ذات المعارف المطلوبة لتصنيع السلاح النووي، مع الفارق التقني في كمية اليورانيوم المخصب ونسبة التخصيب. بمعنى أن المعارف النووية التي حققتها إيران حتى الآن، تكفيها بوضوح، وأن التراجع عن نسبة التخصيب المرتفعة نسبياً لا يمس بأية حال قدرات إيران النظرية والمعرفية، ولهذا السبب بالتحديد تعارض إسرائيل تخصيب إيران لليورانيوم على أراضيها بأي نسبة وتحت أي ظرف.

الأرجح أن يكون القسم الأول من العرض الإيراني متمثلاً في عرض النزول بسقف تخصيب اليورانيوم من 20 في المئة إلى أقل من ذلك، وفي هذه الحالة لا يكون هناك فرق كبير بين التخصيب لدرجة 10 في المئة أو 5 في المئة أو حتى 3,5 في المئة. في هذا السياق يمكن لإيران أن تستغني عن قسم من اليورانيوم المخصب الموجود لديها، وتسمح بنقله للتخزين إلى خارج إيران في مقابل حصولها على قضبان اليورانيوم اللازمة لتشغيل مفاعلها البحثي في طهران. لكن ذلك سيتوقف على الآليات، حيث إن جولات المفاوضات بين إيران والدول الست التي عقدت في فيينا وجنيف العام 2009 بحثت في آلية إرسال اليورانيوم الإيراني خارج أراضيها على دفعات وفي مراحل زمنية متلاحقة، في مقابل التزام الغرب بجدول زمني لرفع العقوبات. ولعل تصريح نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس، بأن تصدير اليورانيوم الإيراني المخصب خارج الأراضي الإيرانية هو «خط أحمر»، قد يعني مناورة تفاوضية، أو أن إيران ستقترح غداً تخزين اليورانيوم على أراضيها ولكن تحت رقابة دولية.

القسم الآخر المحتمل في العرض الإيراني غداً يمكن أن يكون تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تعمل بأقصى طاقتها الآن في تخصيب اليورانيوم، بحيث تقدم إيران ضماناً إضافياً بسلمية برنامجها النووي، لأنه كلما زادت أجهزة الطرد المركزي، ارتفعت القدرة على الوصول بتخصيب اليورانيوم إلى ما فوق 90 في المئة. وفوق ذلك فمن المتوقع أن تسمح إيران بالتفتيش المفاجئ على منشآتها النووية، وفي هذا السياق ربما تقترب إيران من توقيع البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما سيعني إجراء حاسماً للشفافية التي يطالب بها الغرب. باختصار ستقدم إيران غداً حزمة متكاملة منها: تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي تحت التشغيل، كميات اليورانيوم المخصب، وتلبية رغبات الغرب في الشفافية. وتعني الأخيرة ربما توقيع البروتوكول الإضافي أو فتح المنشآت النووية الإيرانية أمام المفتشين الدوليين، أو كليهما معاً. ومن غير المؤكد إذا ما كانت إيران ستعرض إغلاق منشأة «فردو» القريبة من قم، والمحصنة تماماً داخل الجبال. من البديهي أن كل ذلك لن يتم مجاناً، وإنما مقابل رفع تدريجي للعقوبات، وهنا فمن المؤكد أن لدى المفاوض الإيراني قائمة بالحزم التفاوضية المختلفة التي يرغب برفعها أولاً، على أن يرفع الباقي مع استمرار النجاح في الجولات التفاوضية القادمة.

مطالب الدول الست الكبرى

سيطالب الغرب بالتطرق إلى تفاصيل أكثر تعقيداً في عرضه المقابل، بحيث تشمل على الأرجح إغلاق منشأة «فردو»، التي تستعصي على التدمير بالطائرات، نظراً لخشية إسرائيل من تطوير برنامج نووي سري عسكري في هذه المنشأة. الجدير بالذكر أن هذه المنشأة تحميها وحدة خاصة من قوات الحرس الثوري الإيراني، بحيث لا يستطيع الديبلوماسيون الإيرانيون ربما اتخاذ قرار بشأنها. ستعود الدول الست إلى مطلب نقل اليورانيوم الإيراني المخصب إلى دولة ثالثة، كما أنها ستفتح ملف مفاعل «أراك» للمياه الثقيلة للمرة الأولى في مفاوضاتها مع إيران.

من المعلوم ان الطريق إلى القنبلة النووية يمر عبر مسلكين: الأول تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة، أو استخلاص البلوتونيوم من مفاعلات المياه الثقيلة مباشرة. لذلك على الأرجح سيكون مفاعل «أراك» على طاولة البحث بطلب غربي، مثلما هو من الأرجح ألا تضمنه إيران عرضها الافتتاحي كي تطلب تنازلات مقابله إذا استجابت لإغلاق المنشأة، التي من المتوقع أن تدخل التشغيل بحلول منتصف العام المقبل 2014. وستطالب الدول الست إيران بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى منشآتها العسكرية غير النووية، التي تعتقد الوكالة أنها تجري اختبارات نووية مثل منشأة «بارشين» العسكرية جنوبي العاصمة طهران.

الخلاصة

يحتاج الطرفان الإيراني والأميركي إلى نتائج سريعة من جولة الغد التفاوضية، بغرض مواجهة خصوم التقارب بينهما في الداخل وفي المنطقة والعالم. تذكر عزيزي القارئ وأنت تشاهد غداً ابتسامات المفاوضين أمام الكاميرات وتلحظ طاولة المفاوضات وهي تلمع تحت أضواء الثريات المبهرة مأثورة الاستراتيجي الأشهر كلاوزفتز: «لا تستطيع أن تأخذ من خصمك بالمفاوضات، ما لا تستطيع مدافعك قصفه». بمعنى آخر أصبح امتلاك إيران لدورة الوقود النووي الكاملة أمراً واقعاً، وما يجري التفاوض عليه الآن هو فقط التحقق من شفافية البرنامج النووي الإيراني وسلميته، وليس أكثر من ذلك!

السفير

سوريا تراجعت أولويتها في الروزنامة الأميركية هل على لبنان انتظار حل الملف النووي؟/ روزانا بومنصف

على رغم تأكيد واشنطن تكراراً عزمها على انعقاد مؤتمر جنيف 2 من اجل حل الازمة في سوريا، فان زواراً للامم المتحدة اخيراً خرجوا من لقاءاتهم مع مسؤولين كبار في المنظمة الدولية بان لا مؤتمر في الافق المنظور. وقد سبق ذلك التطورات المأسوية على الارض لجهة تصاعد المواقف المتضاربة للمعارضة السورية في هذا الشأن وتزايد سيطرة التنظيمات المتطرفة عليها علماً ان عدم توافق المعارضة وتماسكها هو جزء اساسي يرفع كسبب من اسباب تعذر انعقاد المؤتمر. كما سبق ذلك تشكيك الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي نفسه بامكان انعقاد المؤتمر في منتصف تشرين الثاني او نصفه الثاني. وفي ضوء تراجع الازمة السورية على وقع تقدم الملف النووي الايراني الى الواجهة والمفاوضات المرتقبة بين مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا الثلثاء والاربعاء المقبلين في جنيف كما على وقع ازمة داخلية اميركية تنذر بتداعيات عالمية ، تخشى مصادر سياسية ان تكون واشنطن وبعد التوصل الى اتفاق في شأن نزع الاسلحة الكيميائية السورية قد صرفت النظر الى حد كبير عن البحث عن حلول لهذه الازمة اقله في الاشهر القليلة المقبلة وحتى مطلع السنة الجديدة. فهناك مزيد من الوقت الذي ربحته من اجل اعداد جيد وتوافر عناصر يفتقدها انعقاد المؤتمر الشهر المقبل علما انه في حال ارادت الدول الكبرى ان تثبت صدقيتها واصرت على عقده في موعده يبدو اكيدا ومحسوما انه لن يأتي بنتائج ولن يكون سوى محطة في مسار طويل على غرار المؤتمرات التي انعقدت في باريس من اجل فييتنام واستمرت سنوات. تاليا فان هذه الازمة التي تنبأ كثر بانها ستستمر لسنوات طويلة والتي منح الاتفاق على الاسلحة الكيميائية السورية النظام السوري فرصة للبقاء والاستمرار على الاقل حتى نهاية ولاية الرئيس بشار الاسد من اجل تنفيذ الاتفاق مرشحة للتحول الى ازمة غير اساسية او لا تحتل الاولوية على رغم استمرار تكرار المواقف المشددة على عقد مؤتمر جنيف 2.

وثمة اسباب موضوعية توردها هذه المصادر تتصل بواقع ان رصد المجتمع الدولي لاستعدادات ايران للتفاوض جدياً والوصول الى اتفاق معها قد يسمح بانتقال البحث الى الازمة السورية استنادا الى ان الهاجس الايراني الراهن هو التخلص من العقوبات الاقتصادية التي تلقي بثقلها على ايران في مقابل رغبة الولايات المتحدة وتحديدا رئيسها باراك اوباما في الوصول الى اتفاق مع طهران بما يكفل له مكسباً تاريخياً عجز عن تحقيقه في ملف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي. اذ ان ايران التي باتت تمسك بقوة باوراق اساسية في سوريا لن تقبل التفاوض حول هذه الازمة بالتزامن مع ملفها النووي ولا الدول الغربية افسحت المجال حتى الان لايران وقبل بدء مسار الاتفاق حول الملف النووي في حال الوصول اليه على طاولة جنيف 2 على رغم الاقرار بدورها في سوريا واعتبار الرئيس الاميركي انها يمكن ان تلعب دورا بناء في سوريا. فباتت الازمة السورية تبعا لذلك مرتبطة بتطورات المفاوضات على الملف النووي الايراني ولو ان هناك عوامل اخرى اساسية لا تقل اهمية عن ذلك. فهل يتعين على لبنان ايضا انتظار حل هذا الملف قبل ان تسهل ادارة اموره؟

النهار

دعوا النظام يرفض/ ماجد كيالي

من حق أي سوري أن يعبّر عن رأيه برفض أي مبادرة سياسية أو قبولها. لكن عندما يتعلق الأمر بالقيادات، وضمنها مثلاً قيادة “المجلس الوطني”، التي أعلنت رفضها المشاركة في مؤتمر جنيف – 2، فهي تصبح مطالبة بالإفصاح لشعبها عن أوراق القوّة التي تمتلكها، وعن خطّتها لوقف عذاباته، وتحقيق التغيير المنشود.

ويمكن تفهّم معارضة المشاركة لو أن قوى الثورة توشك على الاقتراب من قاسيون، أو من امتلاك القدرات التي تمكّنها من تحقيق أهدافها، أو لو بات في علمها أن ثمة قوى دولية وإقليمية حسمت أمرها للتدخل لمصلحتها، بطريقة ما، في غضون شهر أو أشهر عدة.

لكن الوضع عكس ذلك، فالمعارضة ضعيفة من ناحية موازين القوى، وفي مجال الصراع العسكري، وهو ما بات يتوضّح على الأرض، في مواجهة النظام وفي مواجهة “داعش”. وعلى الصعيدين الدولي والإقليمي باتت فرص التدخّل لفرض مناطق آمنة أو مناطق حظر جوي أو ممرات إغاثة بعيدة أكثر من قبل، فيما لم تُلبَّ وعود التسليح.

الأنكى أن المعارضة على ضعفها مشتّتة، ويفاقم من خطورة ذلك الانحراف نحو أجندات أضرّت بالثورة وأخرجتها عن غاياتها، فضلاً عن التضارب بين أجنحتها السياسية والعسكرية.

المشكلة أيضاً أن المعارضة السياسية لا تشتغل من الداخل، وأن أجزاء من المناطق “المحررة” لم تعد تبدو كذلك بسبب سيطرة “داعش” عليها، لاسيما في الشمال والشرق السوريين. وتبقى نقطة الضعف الأساسية لهذه الثورة، والمتمثلة بـ”اختفاء” الشعب، وخروجه من معادلات الصراع، بعد أن باتت أجزاء كبيرة منه من دون مسكن ولا مورد، وفي حالة نزوح في الداخل او لجوء في الخارج، وهذه ظاهرة قاتلة لأية ثورة.

هكذا فإن ثورة السوريين تكابد من مشاكل خطيرة، مع جنيف ومن دونها، فهي بحاجة إلى قيادة فاعلة تتمتع بالحكمة والمسؤولية والقدرة على المناورة، لأن الصراعات السياسية لا تحسم بالشعارات ولا بالنيات الحسنة، ولا بادعاء الحق، وإنما بواسطة موازين القوى والإدارة الافضل للموارد البشرية، وبالاستثمار الأنسب للمعطيات الدولية والإقليمية.

المعنى أن المعارضة بوضعها هذا معنيّة باستثمار وتطوير الجهود الدولية، للتعويض عن ضعف امكاناتها، أما المقاطعة فتعزلها، وتظهرها أمام شعبها وإزاء العالم باعتبارها معارضة غير واعية وغير مسؤولة، إضافة إلى أن ذلك يفيد النظام، ويعفيه من تبعة الرفض. والراجح أن النظام قد يناور أو قد يرفض مؤتمر جنيف، لأنه يتأسس على كسر فكرة “سوريا الأسد”، عبر إقامة حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، لذا دعوه يقم بذلك، ويتحمل المسؤولية، هذا طالما أن المعارضة غير قادرة على الحسم العسكري، في المدى المنظور.

كاتب فلسطيني

النهار

الثورة السورية وبياناتها المضطربة/ ماجد كيالي

بدت مشاهد الثورة السورية في الأسابيع الماضية في غاية الاضطراب، فيما بات السوريون عالقين بين الموت تحت القصف، أو الجوع، أو غرقاً في البحر، وهي مشاهد مؤسّية، تكشف أهوالهم وعذاباتهم، بعدما أضحت قطاعات واسعة منهم من دون بيت ومورد، إما نازحين في بلدهم أو لاجئين في بلاد أخرى.

المشكلة أن هذا الواقع مرشّح للاستمرار، وربما للتفاقم، بسبب عجز المجتمع الدولي عن وضع حدّ لمعاناة السوريين، وعدم حسم القوى الدولية المعنيّة لأمرها، إن في شأن الضغط على النظام، أو في شأن تمكين الثورة من إحداث فارق على الأرض لمصلحتها.

أما على الصعيد الداخلي فالمشكلة الأخطر تتمثّل في أن هذه الثورة لا تشتغل على النحو الذي قد يمكّنها من تحقيق أهدافها، بعد كل هذه التضحيات والعذابات التي تكبدها شعبها، خلال 31 شهراً. إذ إن القوى الفاعلة فيها تبدو كأنها غير مدركة لما يجري من حولها، ولا للأهوال التي بات يعيشها شعبها.

هكذا، على الصعيد العسكري صدرت الأسبوع الماضي بيانات، ضمنها مثلاً بيان لبعض الكتائب التي أعلنت مدينة دمشق «منطقة عسكرية»، مطالبة الأهالي بإخلاء المواقع القريبة من الفروع الأمنية التي توعدت بقصفها، رداً على الحصار المميت والقصف الذي تتعرّض له المنطقة الجنوبية من دمشق وغوطتها.

وبديهي أن هذا البيان (الإنذار) ينمّ عن سذاجة، إذ يضرّ بصورة الثورة، ويثير المخاوف منها، فضلاً عن أنه يفيد النظام، بل يبرّر له قصف المناطق التي تخضع لسيطرة «الجيش الحر». والحال أن لا شيء يدفع أحداً ما في «الجيش الحر» إلى الاقتناع بأن النظام سيفكّ الحصار الذي يضربه على أي منطقة بعد كل ما فعله في سورية، أو أن النظام الذي تسبّب في مقتل أكثر من مئة ألف من السوريين وخرّب عمرانهم، سيرأف لحالهم بسبب بيان! وإضافة إلى هذا وذاك ما ذنب السوريين الذين احتل النظام معظم حاراتهم بمكاتبه وأجهزته الأمنية؟ ثم ألا يكفي أن غالبيتهم في المناطق التي يسيطر عليها «الجيش الحر» باتت مشرّدة، فهل المطلوب تحويل معظم الشعب السوري الى مشردين؟ وأي ثورة هي هذه إذاً؟

وكان زهران علوش قائد لواء «الأمة»، والذي شكّل ما سمّاه «جيش الإسلام» أخيراً، بعد أخذه «البيعة» من 43 تشكيلاً عسكرياً، أصدر بياناً اعتبر فيه سلطته بمثابة سلطة حصرية في غوطة دمشق، من دون اي اعتبار لفكرة أن الشعب مصدر الشرعية، وهو أمر بات رائجاً في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، سواء تلك التي تتبع «الجيش الحر» أو التي تعمل من خارجه. وجاء هذا البيان رداً على تأسيس الفعاليات المدنية في مدينة دوما (13/10) لمجلس مدني، مع هيئة قضائية مستقلة، ومجلس إدارة، وهيئة خدمات للمواطنين، في علامة على تأزّم علاقة الإطار السياسي بالإطار العسكري، كما تأزم العلاقة بين الجماعات العسكرية والمجتمع المدني، وهذا يفيد النظام في الحالين، ولا يخدم، لا حاضر الثورة ولا مستقبلها.

لكن أكثر بيانين عبّرا عن حال التخبّط، وربما «التحلّل»، في الثورة جاءا من مصدرين، أولهما، عسكري، أُعلن فيه تأسيس جيشين، أحدهما باسم «جيش محمد» في الشمال، والثاني، «جيش الإسلام» في الغوطة. وطبعاً، فالمشكلة لا تقع في التسمية، وإنما في خروج الجماعات العسكرية المنضوية في هذين الإطارين من نطاق «الجيش الحر»، برفضهما الانضواء ضمن هيكليته، تالياً بخروجهما عن المقاصد السياسية التي اندلعت من اجلها الثورة، وثبتتها في البرامج التوافقية المعلنة، في شأن إقامة دولة مدنية ديموقراطية، تضمن المواطنة الحرة والمتساوية لكل السوريين؛ وهو النص الذي اعتمدته جماعة «الإخوان المسلمين»، في وثيقة «العهد والميثاق» التي اصدرتها في آذار (مارس) الماضي.

وإلى التشرذم، وحرف الثورة عن أهدافها، وتأزيم علاقتها بمجتمعها، فإن وضعاً كهذا يخلق توترات أخرى، منها التوتر الحاصل مع الكرد مثلاً، ومع الإطارات السياسية والمدنية، كما شهدنا. والخشية الأكبر هنا أن تتمكن جماعات «القاعدة»، كـ «داعش» أو «جبهة النصرة»، من أخذ هذين الجيشين إلى أطروحاتها، بالنظر إلى امكاناتها المادية، وإلى التقارب في المرجعيات الايديولوجية. وتكمن الخطورة في هذا الإطار، أيضاً، في اعتبار الجماعات العسكرية نفسها بمثابة ممثل حصري للثورة وللداخل السوري، بحكم حملها السلاح، أي من دون الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً لهذه الثورة.

أما مصدر البيان الثاني فجاء من «المجلس الوطني» الذي رفض مؤتمر جنيف، وهدد بالخروج من «الائتلاف الوطني»، في حال تمت الموافقة على المشاركة فيه. ومن غير المفهوم ان تقاطع المعارضة جهداً دولياً يتوخّى فرض حالة انتقالية في سورية، والتأسيس لقيام حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، في الوقت الذي تدرك هذه المعارضة أن قواها الخاصة عاجزة عن فك الحصار، أو تأمين القوت لأهالي المناطق المحاصرة، فما بالك بإسقاط النظام، علماً أن هذه المعارضة لم تتوقف يوماً عن طلب أي نوع من التدخل الدولي لمساعدتها على إسقاطه.

طبعاً لا احد يضمن عقد المؤتمر، ولا نجاحه، لكن القصد أن ثمة اشياء كثيرة يمكن المجلس الوطني أن يشتغل عليها، كتدارك الوضع المتردي في المناطق «المحررة»، ومخاطر قيام سلطات أمراء الحرب، واستعادة الثورة لأهدافها ولطبيعتها.

أيضا ثمة اشياء كثيرة يمكن المجلس ان يقولها، فالقصة لا تتوقف على مجرد القول بإسقاط النظام، فثمة اشياء أخرى وملحّة يمكن قولها وفرضها في الطريق إلى تحقيق الهدف المنشود، كالمطالبة بوقف القصف والقتل والتدمير، ورفع الحصار عن كثير من المناطق، وفتح طرق آمنة للإغاثة وإدخال المواد التموينية والطبية، وعودة الأهالي الى بيوتهم، ووقف سياسة الاعتقال والإفراج عن المعتقلين.

ولعل مبدأ «كل شيء او لا شيء» أخطر المسائل في الصراعات السياسية، التي ترتبط أساساً بموازين القوى واستثمار المعطيات المحيطة، لا سيما إذا كان طارح هذا المبدأ لا يمتلك القدرات. فقد ثبت بالتجربة أن القيادة الحكيمة ليست تلك التي تطلق الشعارات وإنما تلك التي تدير موارد شعبها على نحو أفضل، وبأكلاف أقل لتحقيق أهدافه.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى