صفحات العالم

مناطق خفض التصعيد فرصة سانحة للنظام السوري/ أنطون مارداسوف

 

 

وضع التصعيد الحاد في سورية، شرقاً وغرباً بالتوازي، الديبلوماسية الروسية في موقف حساس. والتقى الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في 28 أيلول (سبتمبر) المنصرم، في «عشاء عاجل» في أنقرة خلف أبوابٍ مغلقة. ويجمع مراقبون على أن سورية هي سبب هذا العشاء العاجل. وعاد الرئيسان التركي والروسي في البيان الاختتامي إلى تبادل وصف «الصديق»، لكنهما لم يعلنا عن ترتيبات جديدة، بل أعربا عن التزامهما اتفاقات قديمة منها، تثبيت مناطق خفض التصعيد (مناطق التهدئة) التي أقرت في محادثات آستانا.

وكانت هيئة الأركان العامة الروسية اتهمت في 20 أيلول أجهزة الاستخبارات الأميركية بالضلوع في هجوم واسع النطاق شنّه التحالف الراديكالي، «هيئة تحرير الشام» (التي انضمت إليها جبهة «النصرة» في مطلع هذا العام)، على مواقع للشرطة العسكرية الروسية في منطقة خفض النزاع في إدلب، وتضم المنطقة نفسها أجزاء من محافظات اللاذقية وحماه وحلب. وبعد ذلك، بدأ القصف المكثف على مواقع «هيئة تحرير الشام». وانتقد وزير الخارجية التركي تصرفات موسكو، ولمّح إلى أن وقوع «حلب جديدة» سيطيح صدقية اتفاقات آستانا. وفي وقت زعمت وزارة الدفاع الروسيّة أن الضربات تستهدف مواقع «هيئة تحرير الشام»، أعلن عدد كبير من جماعات المعارضة السورية التي شاركت في مفاوضات آستانا وتعارض التحالف الراديكالي، مثل «أحرار الشام» و «صقور الشام»، و «فيلق الشام»، أن القنابل الروسية تنهمر عليها. واستغل النظام السوري النشاط العسكري الروسي في منطقة إدلب وشن هجوماً على «فيلق الرحمن» (مجموعة معارضة معتدلة وقّعت الهدنة في 18 آب (أغسطس) 2017 في جنيف) في نقطتين في الغوطة الشرقية، وهي إحدى مناطق «خفض التصعيد» الأربع. ورداً على ذلك، أعلنت بعض مجموعات المعارضة في الجنوب الغربي، حيث تؤدي روسيا وأميركا دور الجهات الضامنة لوقف إطلاق النار، أنه إذا استمر التصعيد، ستطلق عمليات عسكرية ضد الجيش الحكومي السوري. وينبغي أن تحمل هذه التهديدات على محمل الجد. ففي أواخر أيلول المنصرم، أظهرت القوات الموالية للحكومة ضعفاً في الجنوب، حيث تقدم مسلحو «داعش» مرة أخرى نحو مدينة تدمر. وفي حال تكثيف العمليات العسكرية في الجنوب الغربي، سيبرز نقص في عديد القوات الموالية للرئيس السوري، بشار الأسد.

والملفت أنه، على رغم استياء تركيا من نشاط الطيران الروسي في إدلب، انخفضت شدة الهجمات على مواقع «هيئة تحرير الشام» فحسب في اليوم التالي على لقاء بوتين وأردوغان. ويبدو أن روسيا في موقع قوة، وهي واثقة من أن المعارضة السورية لن تنسحب من المفاوضات. لذا، لا يدور الكلام على عملية واسعة النطاق في إدلب، ويخشى أن يرجّح مثل هذه العملية كفة المتطرفين، ويؤدي إلى نزوح آلاف من اللاجئين وتقويض قدرات الجيش السوري، وهي قدرات متدنية.

ويبدو أن خطة وقف إطلاق النار التي ناقشتها الدول الضامنة تقسّم تقسيماً موقتاً منطقة إدلب إلى ثلاثة أقسام، أولها، منطقة عازلة محاذية للشريط الحدودي مع تركيا، حيث ستنتشر القوات المسلحة التركية والمعارضة السورية المعتدلة. وثانيها يشمل الجزء الجنوبي من منطقة إدلب، الذي سيخضع لإشراف الشرطة العسكرية الروسية. والثالث يقع بين هاتين المنطقتين، حيث مواقع تحالف «هيئة تحرير الشام». وعلى رغم فعاليته القتالية العالية، بدأ التحالف (الذي تقوده «جبهة النصرة») بالتفكك: انسحبت منه فصائل كثيرة والداعية النافذ، عبدالله المحيسني. وفي أول تشرين الأول (أكتوبر)، صعد زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلى قيادة التحالف، وهو اعتراف بعدم نجاح «الهيئة» في الانفصال عن الإرهابيين. وفي الواقع، فالهجوم على مجموعة الرصد الروسية في 19 أيلول، كان انعكاساً للأزمة داخل «الهيئة». والحق يقال أن خطة إضعاف «هيئة تحرير الشام» معقدة في تنفيذها على الصعيدين الإقليمي والسياسي بسبب الصراع بين الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران)، وتباين مصالحها. ومع ذلك، اتفاق موسكو في إدلب مربح: فهو دليل على رغبة روسيا في الحفاظ على جيب سنّي كبير للمعارضة، وهذه الخطوة أو العملية مهمة لتعزيز موقفها في المنطقة، وترسي منطقة عازلة بين المتمردين وقوات الأسد. وهذا الخطوة استمالت تركيا التي تكسب كذلك من العملية هذه، وتبرز نفسها قوة مدافعة عن السنّة، وتعزّز نفوذها في موقع آخر في سورية.

وأعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في 25 أيلول، أن تركيا وروسيا وإيران تسعى إلى ارساء منطقة جديدة لخفض التوتر في منطقة عفرين الكردية. والحق يقال إنّ آلية فرض الهدنة في هذه المناطق تعود إلى لاعبين كبيرين فحسب. فيسع أنقرة قصف الأراضي الكردية دورياً، كما تفعل دمشق في مناطق المعارضة. وروسيا في هذه الحال قادرة على تعزيز دورها فيصلاً في الصراع ومواصلة الدفاع رسمياً عن الجيب الكردي.

ومع ذلك، فإنّ موسكو في وضع صعب. من جهة، يحاول المستشارون العسكريون الروس والقوات الخاصة مساعدة دمشق وطهران للسيطرة على مزيد من الأراضي وآبار النفط وانتزاعها من «داعش» في دير الزور، والحدّ من تقدم تحالف القوات الكردية- العربية الموالية لأميركا. ولكن سيناريو مكافحة «هيئة تحرير الشام» في غرب البلاد يقتضي، من جهة أخرى، حشداً كبيراً من القوات. ويبدو أن إجراءات موسكو تستند إلى حسابات طويلة الأمد. ويستبعد أن تتمكن المعارضة في غرب سورية والتحالف الكردي- العربي الذي تدعمه أميركا في الشرق، من قطف الثمار السياسية المولودة من السيطرة على الأرض. فمناطق خفض التصعيد التي أنشئت، رسمياً، لمدة ستة أشهر، تمنح موسكو (وكذلك دمشق)، وقتاً كافياً لـ «تدجين» المعارضة، و «إعادة» سيطرة النظام السوري على المناطق المتمردة تحت ستار المساعدات الإنسانية (كلفة رغيف الخبز في الغوطة الشرقية بلغت 2.5 دولار) وبناء البنية التحتية.

* خبير في المجلس الروسي للعلاقات الدوليّة، عن «أر به كا» الروسي، 3/10/2017، إعداد علي شرف الدين

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى