من الأسلمة إلى التدين…/ إبراهيم غرايبة
قد يختلف الفاعلون والمراقبون في تفسير وإدانة السياسات الدينية القائمة في الدول العربية والإسلامية، ولكن لا مجال للخلاف في أن التطرف والإرهاب في حالته الراهنة ينتمي إلى عالم الإسلام وأن ما هو خارج هذا العالم لا يمثل تحدياً كبيراً للدول والمجتمعات، ولا خلاف أيضاً على أن التطرف في الإرهاب في حالة نمو وانتشار، ويحققان مكاسب كثيرة سواء على صعيد انتشار وزيادة الكراهية أو زيادة المؤيدين والمناصرين أو في مجال العنف الذي يجتاح أساساً عالم الإسلام نفسه، ثم يمتد إلى خارجه على هيئات رشقات لا تضر الغرب بقدر ما ألحقت ضرراً بالغاً بالعرب والمسلمين المقيمين والمتوطنين في الغرب، وليس من خلاف أيضاً على أن عالم الإسلام يواجه أزمات وتحديات كبرى تدفع به إلى الهشاشة والتفكك، وأسوأ من ذلك أنه يتحول إلى جزء لا يتقبله العالم ولا يتقبل العالم أيضاً.
ولم يعد ممكناً مواصلة التهرب بعد هذه السنوات الطويلة من مواجهة التطرف والإرهاب من سؤال بديهي وأساسي: لماذا يواصل التطرف والإرهاب نموهما وانتشارهما؟ وكيف نتأكد أننا نحارب التطرف والإرهاب بالفعل أو أننا نمضي في هذا الاتجاه بالفعل؟ وفي المواجهة الأيديولوجية والفكرية والثقافية لا مجال أيضاً للهروب من السؤال الأساسي: كيف تكون الحالة الدينية القائمة في الدولة والمجتمع تخدم الإصلاح والتقدم وتعزز قيم التسامح والاعتدال والمشاركة العالمية (أن نكون جزءاً من العالم يتقبلنا ونتقبله)؟
ربما يكون ثمة مجال للجدل حول دور وجدوى المؤسسات الدينية الرسمية والتعليم الديني في الدول العربية والإسلامية، ولكن أيضاً لا مناص من مراجعتها مراجعة استراتيجية سواء كان صحيحاً القول إنها تنتج التطرف أو تهيء له أو لم يكن صحيحاً، فهي بالتأكيد لم تنجح في مواجهة التطرف، فإذا قبلنا بضرورتها وأهميتها يجب أن نسأل بطبيعة الحال لماذا فشلت في دورها المفترض؟ فكما نتوجه بالسؤال واللوم إلى المؤسسات والجهات المعنية في الأزمات والمشكلات المتعلقة بمجال عملها وأهدافها، فلا بد أن نسأل لماذا لم تنجح المؤسسة الدينية في مواجهة التطرف والكراهية على رغم الإغداق عليها؟
ظاهرة الإسلام السياسي بما هي أسلمة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي سياسة رسمية بامتياز ويشمل ذلك جماعات الإسلام السياسي، فقد أنشأت الأنظمة السياسية بنفسها وبوعي مسبق وما زالت تفعل ذلك حالة من «الأسلمة» التي تؤكد بوضوح أننا (الدول والمجتمعات والأفراد) لسنا مسلمين، وما من إسلام سوى ما تقدمه المؤسسات والجماعات «الإسلامية» البديلة او الموازية، ما معنى أن تكون وبرعاية رسمية مدارس وجامعات تقليدية وأخرى إسلامية، وبنوك تقليدية وأخرى إسلامية، وكذلك الحال في الإذاعات والصحف والأسواق والملابس والأطعمة والفنادق والسياحة. وفي ذلك نشأت بيئة فكرية واجتماعية تشجع التعصب الديني وتقلل فرص التسامح والمشاركة، وتضعف كثيراً روابط القانون والمواطنة والمساواة المفترض أن تشكل الهوية الجامعة للدول والمواطنين، وأكدت الأحداث والظواهر القائمة اليوم أن الدول وإن كانت تقاوم الجماعات المتطرفة بجدية وحزم فإنها تنشئ التطرف!
وكان من أكبر الأخطاء التي وقعت فيه السياسات العامة للدول العربية والإسلامية هي الجمع بين الولاء السياسي والتطرف الديني.
تستطيع الحكومات العربية والإسلامية وفي فترة زمنية قصيرة إذا أرادت أن تضع المؤسسات والجماعات الدينية في سياق رؤية جديدة تجعل الدين جزءاً من الاعتدال والتسامح والتنمية والإصلاح، فكما أنشأت الحالة تستطيع أن تفككها أو تصححها أو تراجعها، وكما غيرت الحكومات على سبيل المثال في علاقتها بالأسواق والخدمات وأنشأت في فترة قصيرة شركات وأسواقاً جديدة توفر كثيراً من الخدمات والسلع التي كانت تلتزم بتوفيرها، وألغت أو غيرت في طبيعة وزارات ومؤسسات حكومية راسخة تستطيع أن تعيد النظر في إدارة وتنظيم الشأن الديني والتعليمي، فتسند إلى المجتمعات إدارة وتنظيم الشأن الديني وتلزم مؤسسات المجتمع والجماعات الدينية وتنظم شأنها في السياق الذي يجعلها تخدم التأثير الديني والروحي على الدولة والمجتمع، وتجعل الدين مصدراً روحياً ملهماً للإصلاح والارتقاء وليس سبباً للصراع والأزمات.
* كاتب أردني
الحياة