صفحات العالم

من الزعيم.. بشار أم ماهر الأسد؟


خضير بوقايلة

تكلم الرئيس السوري بشار الأسد من جديد وقد نجح في التأكيد على أنه واع ومصمم على أن كل الخطوات التي لجأ إليها للرد على الحراك الشعبي في بلده إنما هي خطوات مدروسة وتنطلق من قناعات راسخة لا خلل فيها. لم يتغير شيء طيلة الأشهر الخمسة التي قطعتها ثورة الحرية والكرامة، فالحكاية في نظر السيد الرئيس لا تعدو أن تكون مؤامرة كبيرة تحيك خيوطها جهات غربية ذات أطماع استعمارية وتنفذها أياد سورية مندسة بعضها إرهابي وبعضها متطرف لكن هدف الجميع واحد هو إركاع سورية وتقويض أركانها، لذلك فإن الدولة السورية لا يسعها إلا أن تقف لكل هؤلاء بالمرصاد وأن تواجه المؤامرة بقوة وثبات. خمسة أشهر متواصلة من المظاهرات الشعبية ومن الإدانات والضغوط الإقليمية والدولية ومئات القتلى وآلاف المعتقلين وما لا يحصى من المعاملات المهينة التي يتعرض لها أبناء الشعب السوري من طرف النظام وزبانيته، كل هذا لم يزد الرئيس الشاب إلا ثباتا ووثوقا أنه على النهج السليم وكل من يقول غير ذلك متآمر أو جاهل.

عندما كان التلفزيون السوري الحكومي يبث الحوار ذا الاتجاه الواحد الذي أدلى به الأسد كان أحد المتظاهرين يرفع لافتة كتب عليها أن الرئيس يكذب الآن على شعبه، ولأنني لا أريد أن يغضب مني كاتب هذه اللوحة وحاملها ومصورها فعلي أن أقول إن سيادة الرئيس لم يكن يكذب على الأقل هذه المرة وفي الكلمات التي ختم بها تلك المقابلة. فقد قال مخاطبا الجماهير السورية (لا أعتقد أننا في مواجهة أزمة ستنهي سورية.. فالخيار الطبيعي الذي أستطيع أن أتحدث عنه لنفسي أن أقول بأنني مطمئن لأن الشعب السوري كان دائما يخرج أقوى، وبشكل طبيعي هذه كأي أزمة سوف تعطيه المزيد من القوة.. ولذلك أنا لا أشعر بالقلق ولا أدعو أحداً للقلق وأطمئن القلقين). نعم رئيسكم أيها السوريون لم يكن يكذب عليكم عندما كان يقول هذا الكلام، وثقوا أن الشعب السوري سيخرج من هذه المحنة أقوى مما كان عليه وسيرفع لا محالة إشارات النصر وستمتلئ الشوارع ابتهاجا وحبورا وستتحول دموع الحسرة والأسى المختلطة بالدماء البريئة المراقة هنا وهناك إلى دموع فرح ونشوة. الشعب السوري سيخرج أقوى وسترتفع رايات النصر والحرية والكرامة في أرجاء سورية وسيندحر الظلمة والمستهترون إلى الأبد، هذه هي سنة الله في هذه الدنيا.

يتساءل الكثير من السذج أمثالي لماذا لا يتعظ الرئيس السوري وكل الرؤساء الفاسدين الآخرين ومن معهم من أركان أنظمة الطغيان والاستبداد بما جرى من قبل في تونس ومصر واليمن وما نعيشه من لحظات حاسمة في ثورة ليبيا، لكن بقليل من الهدوء سنفهم أن الاتعاظ هي خصلة شريفة لا يمكن أن يمتلكها أناس مغضوب عليهم ولا تتسع عقولهم إلا للمكائد والفساد. لا يمكن لرئيس عربي مستبد أن يعي يوما أن هناك من غيره من خلق الله من هو أحق بالحكم منه إلا من يعينه هو من ذريته طبعا، كل حاكم يرى نفسه الأذكى والأجدر بمنصب الرئاسة إضافة إلى أنه الوحيد الذي على الشعب أن يسبح بحمده ليل نهار ولولاه ما قامت للبلد قائمة. لا يمكن للمواطن العادي ولا حتى لبقية الناس من النخب المختلفة أن يفهموا أن فخامة الرئيس لا يمزح ولا يحمل أي وهم عندما يعتقد في قرارة نفسه أنه الواحد القادر على قيادة بلده والأولى بذلك شرعا وقانونا وأن البلد من دونه لا تساوي شيئا، ولعلي لا أبالغ لو قلت إن هناك من هؤلاء الرؤساء من فكر ولو مرة واحدة في لحظة يقظة عن سبيل يصل به إلى الله ليقنعه (حتى لا أقول ليجبره، وأستغفر الله العظيم) بضرورة تركه حاكما خالدا لأن الشعب لا يريد عنه بديلا. لا أستطيع أن أستمر أكثر في هذا الكلام لأنني أشعر أن ذلك لن يفسد صيامي فقط بل إيماني أيضا، كما أنني شعرت بعجز صريح عن التفكير والتعبير وأنا أشاهد لقطات من فيديو لعسكريين سوريين يعذبون زميلا لهم لمجرد أنه كان ينوي الانشقاق، وكانوا يجبرونه على الترديد بصوت واضح ومرتفع أن (لا إله إلا بشار الأسد) ثم قرروا أن يجعلوا له شريكا آخر عندما أمروا المسكين أن يردد أيضا (لا إله إلا ماهر الأسد)، عندما شاهدت ذلك قلت في نفسي ما أرحم أزلام القذافي وهم يرددون الله، ليبيا ومعمر وبس، بل ما ألطف صورة أولئك السوريين الذين أحاطوا بصور رئيسهم وهم عليها ساجدون! كنت أفكر في مخاطبة الشيخ محمد سعيد البوطي أو المفتي أحمد حسون وأسألهما عن رأيهما في مثل ما وصل إليه أمر هؤلاء الزبانية لكنني سرعان ما عدلت عن ذلك لأنني انتهيت إلى أن هذا الجحود الذي يفوق الشرك بالله لم يكن ليستشري في عقول هؤلاء لولا الخطب والفتاوى والدروس التي يلقيها هذان الشيخان ومن على شاكلتهما وهم يكفرون ويطعنون في دين كل من يحاول أن يجرح الذات الرئاسية، وعندما نستمع إلى الشيوخ والأئمة وهم يقنعون الناس أن السيد الرئيس على حق وأنه لا يأتي بالباطل أبدا فلا بد أن تكون النتيجة إيمان الناس أن (لا إله إلا بشار أو ماهر أو كلاهما معا(.

ومع ذلك لا بد لي أن أتجرأ وأسمح لنفسي بمخاطبة سيادة الرئيس الذي يرضى أن لا يكون معه إله إلا هو لأدعوه إلى التريث قليلا قبل الاستمرار في إصلاحاته، بل أقول له لا داعي لهذه الإصلاحات أبدا بعد الذي قلته لشعبك في مقابلتك الأخيرة. أنت رددت على الرئيس الأمريكي وغيره من قادة الغرب الاستعماري الذين دعوك إلى التنحي فقلت لهم (هذا الكلام لا يقال لرئيس لا يعنيه المنصب.. لا يقال لرئيس لم تأت به الولايات المتحدة ولم يأت به الغرب.. أتى به الشعب السوري.. لا يقال لشعب يرفض المندوب السامي أن يكون موجوداً أيا كان هذا المندوب السامي (..) يقال لرئيس صنع في أمريكا ويقال لشعب خانع وذليل ويقبل بتلقي الأوامر من الخارج). الشعب السوري هو الذي أتى بك وبعضه جعلك إلها من دون ربك وبهم وأنت راض عن ذلك طبعا، فلماذا تجهد نفسك وشعبك بوضع قوانين جديدة تسمح بقيام أحزاب وتفضي إلى انتخابات تعددية وديمقراطية وربما يوما ما إلى خروج من ينافسك في منصبك ولو شكليا؟ فأرجوك أن لا تفتح هذه النافذة التي قد تدخل منها رياح الفتنة، واستمر في إيمانك الراسخ أن شعب سورية هو الذي أتى بك وأن أمريكا لا علاقة لها بالأمر وأن الوزيرة مادلين أولبرايت عندما التقتك ذات يوم في دمشق قبل أن يبايعك شعبك إنما التقتك لتهنئك على الثقة المسبقة التي علمت أنك ستحظى بها من شعبك والتي ستجعلك مثل أبيك قائدا خالدا لا ينازعك في ملكك أحد ولو كان رب العالمين. اثبت على هذا سيادة الرئيس ولا تلتفت إلى أحد، وستجد شعبك يزداد لك حبا وإكبارا، وإذا سألوك يوما عن تلك المظاهرات الشعبية في مدن سورية فقل لهم مثلما قال القذافي إن هؤلاء خرجوا لتأييدي والتسبيح بحمدي وشعبي كله يحبني ولا يمكن أبدا يوما أن يكرهني أو يطالب بتنحيتي.

كاتب وصحافي جزائري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى