هكذا قصفت روسيا موقعاً أثرياً في سوريا/ أنّـا ماريـا لوكـا & ميـرا عبـدالله
فجأة اشتعلت منطقة مساحتها أكبر من ستة كيلومترات مربّعة. في غضون ثوانٍ كانت المنطقة بأكملها مشتعلة. رائد فارس من كفرنبل الذي شهد قصف النظام السوري للبلدة من قبل، لم يشهد شيئاً مثل ذلك في حياته، مضيفاً في حديثه لـNOW بعد دقائق من قصف الطائرات الروسية لضواحي بلدته: “لا أعلم أي نوع من الصواريخ كان هذا، ولكن أثره كان كبيراً، ومخيفاً”.
ظهرت الطائرات الروسية قرابة الظهيرة من يوم الخميس، وأصاب الانفجار مبنى بيزنطياً أثرياً يقع على مقربة من كفرنبل. “كان مخيماً للاجئين حتى وقت قريب، لكنّ كتائب الجيش السوري الحر أعادت المدنيين إلى منازلهم في البلدات في المنطقة حتى لا تتعرّض الآثارات التاريخية للدمار”، بحسب فارس.
كفرنبل هي بلدة صغيرة في محافظة إدلب السورية. كانت تأوي قبل الحرب قرابة الـ15000 شخص، معظمهم من المسلمين السنّة، واشتهرت بأنها أكبر مُنتِج للتين في سوريا، ومن أكبر مُنتِجي الزيتون. وهي تقع على أنقاض مدينة بيزنطية قديمة تحيط بها بعض المدن المنسيّة عبارة عن قرى مهجورة في شمال غرب سوريا بين حلب وإدلب، تم تهجيرها بين القرنين الثامن والعاشر، وحيث تقع آثار سرجيلا وشنشراح والبارة. ولقد طاول القصف الروسي شنشراح، وهي موقع أثري عالمي للامم المتحدة، مرتين يوم الخميس.
تُصوِّر المدن المنسيّة، معظمها بقيت كما هي، فترة التحوّل من روما الوثنية القديمة إلى البيزنطية المسيحية. لكن خلال الحرب السورية، إلتجأ اللاجئون الهاربون من قصف النظام إلى الآثار البيزنطية. ومعظمهم قدموا من معرة النعمان وجبل الزاوية، كما قال أحد الناشطين من كفرنبل لـNOW. بنوا منازل على الآثار وأعادوا بناء الغرف بواسطة جدران مكسرة وعاشوا هناك بكل بساطة. وعاشوا كذلك في الكهوف القديمة التي كانت مقابر في ما مضى، كما قال الناشط.
وفقاً لخالد عيسى، وهو مصوّر صحافي يعمل لحسابه ويأخذ من كفرنبل مقراً له، قررت كتيبة “أحرار الشام” ومجموعة من أهالي البلدة تقوم بحراسة المنطقة أن تخلي اللاجئين وتنقلهم الى كفرنبل. وأقام المقاتلون نقاط تفتيش حول الآثار لحمايتها من الدمار والسرقة، مشيراً إلى أن “المنطقة عسكرية، ولديها حقل أخضر. ولحسن الحظ، يوم القصف كان يوم عطلة ومن الممكن جداً أن لا يكون هناك مدنيون”.
وقال الناشط من كفرنبل لـNOW إنّ السكان توقّعوا قصف البلدة نفسها لا الآثار، معرباً عن اعتقاده أن “الضربات الجوية استهدفت أحرار الشام. فليس لدينا أي مقاتلين دولة اسلامية هناك”.
البلدة السورية الصغيرة
اشتهرت كفرنبل في العامين الماضيين ليس بسبب آثارها القديمة، بل بسبب اليافطات التي رفعها أهاليها والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد نظام بشار الأسد. ورائد فارس هو الرجل الذي يقف خلف حساب البلدة على “تويتر”، وصفحتها على الفايسبوك، والموقع الالكتروني الخاص بها تحت عنوان “كفرنبل المحررة”. هناك غزا الناشطون الانترنت بيافطاتهم المسلّية ومنشوراتهم بالإنكليزية. والمنشور الأخير تطرّق الى روسيا: “من الغريب ترك الدب الروسي يدمّر سوريا، في حين يستمتع الحمار الأميركي بمضغ التبن على حدودها”.
كفرنبل هي مركز معروف لمعارضة الأسد، لكن لم يسبق أن سيطرت عليها أي مجموعات متطرفة ولم يدخلها تنظيم داعش. “أقرب موقع لداعش من كفرنبل يبعد 100 كلم على الأقل. وهذه الآثار سيطرت عليها كتائب أحرار الشام وأهالي كفرنبل لأنها سُرقت ودُمرت مرات عدة”، قال عيسى.
ولفت فارس إلى أن روح الأهالي العلمانية المتصلّبة هي التي جعلت الفصائل المتطرفة في وضع حرج: “نحن نحارب جبهة النصرة وداعش ومتطرفين آخرين. نحاربهم على محطات الراديو، ومن خلال تنظيم المظاهرات، ونشر المجلات، وكتابات الغرافيتي على الجدران، من خلال فتح مراكز لدعم المرأة، ومراكز دعم نفسي للأطفال. لدينا أيضاً مراكز لتوثيق انتهاكات حقوق الانسان”.
لماذا استهداف كفرنبل؟
تأوي كفرنبل بعض كتائب الثوار، حيث أنّ العديد من الأهالي يكتفون بتسمية الجيش السوري الحر: أحرار الشام، ومجموعات محلية غير منتمية وفرسان الحق.
وفقاً للمتحدث باسم الكرملين، ديمتري باسكوف، فإنّ الجيش الروسي يختار أهدافه بالتعاون مع الجيش السوري. “لدينا قائمة بالمنظمات الارهابية. نحن نعرفها”، كما قال. هذه هي المرة الأولى التي اعترف فيها مسؤول روسي بأنّ الضربات الروسية الجوية لا تستهدف فقط داعش، بل ومجموعات ثوار أخرى كذلك.
في غضون ذلك، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر لبنانية مطّلعة قولها إنّ روسيا، إيران والحكومة السورية، يخطّطون لحملة برية في شمال سوريا. ويزعم التقرير إنّ مئات الجنود الإيرانيين وصلوا الى سوريا للانضمام الى حزب الله والنظام السوري من أجل حملة برية كبيرة في ادلب وحماه، تدعمها ضربات جوية روسية.
الخميس كان اليوم الثاني الذي تنفذ فيه روسيا ضربات على أهداف خاصة بالثوار في سوريا. ويوم الأربعاء، ضربت روسيا العديد من المواقع التي يُقال إنها تعود الى داعش في المناطق الجبلية في محافظتي حماه وحمص، لكن مصادر معارضة قالت إن مجموعات متطرفة أقلّ هي التي ضُربت، وأن 40 مدنياً، بينهم 8 أطفال، قُتلوا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ أي تقارير حول أي ضحايا مدنية لم تؤكّد بعد.
“على الروس أن يتركونا وشأننا، يمكننا تسوية أوضاعنا”، قال فارس لـNOW، مضيفاً: “أتوا الى هنا لضرب فصائل الجيش السوري الحر فقط. لو كانوا يريدون ضرب داعش كما يزعمون، فليذهبوا إلى الرقة، إلى معقل داعش. أتوا فقط من أجل دعم بشار الأسد ونظامه ولضرب فصائل الجيش السوري الحر”.
ساهم أمين نصر في جمع المعلومات لإعداد هذا المقال
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)
موقع لبنان ناو