صفحات العالم

هل اقتربت نهاية زمن “الإخوان”؟

 

حسام عيتاني

عوارض الشيخوخة المبكرة الظاهرة على قوى “الإسلام السياسي” في بلدان الربيع العربي، تؤكد نهاية مرحلة الحزب الحاكم وتطرح في المقابل أسئلة حول أهلية القوى البديلة للاضطلاع بأدوار رئيسة في تشكيل السلطات المقبلة.

إحصاء سريع للمشكلات التي تتخبط بها الحكومتان اللتان يسيطر إسلاميون عليهما في تونس ومصر، معطوفاً على الانتقادات القاسية التي تعرض لها الإخوان في سوريا من جهات مؤثرة في الثورة السورية، يظهر أن ثمة ما يدعو الى ما يزيد عن الدهشة.

في مصر، لا تنفصل المواجهة القائمة بين جماعة “الإخوان المسلمين” وبين المجتمع المدني والقوى السياسية من جبهة الإنقاذ الى “حركة 6 ابريل”، والحملة على الحريات الاعلامية التي بلغت ذروتها في استدعاء مقدم “البرنامج” باسم يوسف الى التحقيق، عن الفشل الصريح في إدارة بلاد تعاني من مشكلات معقدة في العديد من المجالات، من الاقتصاد الذي لم يشهد أي قطاع فيه تحسناً يُذكر، باستثناء تحسن أحوال صغار الباعة الذين باتوا يحتلون المساحات العامة، إلى أزمة الشرعية التي تتمثل في العجز عن حسم سلسلة لا تنتهي من الاشكالات الدستورية والقانونية التي تحول دون وضع قانون انتخابات مقبول وحتى دون تعيين نائب عام بلا احتيال والتفاف على القوانين.

الهجوم على وسائل الإعلام والصحافيين من قبل “إخوان” مصر ليس أكثر من قنبلة دخانية للتعمية على فشلهم الذريع في الاعتراف بانعدام الرؤية اللازمة لقيادة بلد مثل مصر. يكاد هذا يداني البداهة.

إسلاميو حركة “النهضة” التونسية أبدوا قدراً أكبر من المرونة بتوسيعهم الائتلاف وضم أحزاب جديدة إلى الحكومة التي تشكلت في أعقاب الأزمة التي أثارها اغتيال القيادي في “الجبهة الشعبية” شكري بلعيد في فبراير (شباط) الماضي. بيد أن اختبارات قاسية ما زالت تنتظر حكومة علي العريّض خصوصاً مع استمرار العوامل الأساسية التي أطلقت الثورة التونسية من دون علاج، كالبطالة وإقصاء الشباب، ليضاف إليها أخيراً مشكلة التأخر في اقرار الدستور وبالتالي الدعوة إلى الانتخابات التي يتوقع أن تسفر عن تراجع في مواقع “النهضة”.

وليس قليل الأهمية البيان الذي أصدره “الجيش السوري الحر” وفيه يتهم “الإخوان المسلمين” بتأخير انتصار الثورة السورية بسبب محاولاتهم السيطرة على الائتلاف الوطني. في الحالة السورية، لم تستطع الجماعة تأجيل ولعها بالسلطة إلى ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، بل حاولت من خلال إمساكها ببعض أوراق التمويل والتسليح ضمان موقع مقرر لها في أي تركيبة مقبلة للسلطة في سوريا.

هذا ملخص لأزمة عميقة يعاني منها التيار “الإخواني”، الأهم من بين تيارات الإسلام السياسي العربي. وليس جديداً القول أن “الإخوان” الذين كانوا عنصرا رئيساً في معارضة الأنظمة السابقة، لم يستطيعوا الانتقال من الانغلاق الحزبي الى الانفتاح الذي تفترضه إدارة الدول وأنهم يكررون أخطاء أسلافهم الاستبداديين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، يتعلق بمن يواجه الإخوان في شهر عسلهم القصير هذا. ما هي البدائل التي يمكن ان تقدمها التحالفات المناهضة للإخوان التي تضم قوى غير متجانسة، من يسارية وليبرالية وحتى بعض السلفيين ممن تصدعت علاقاتهم بـ”الإخوان”.

يبدو ان معارضي الإخوان مصرون على الاستفادة من الدروس السابقة سواء لناحية تجنب الانقسام، وهو ما يفسر انشاء “جبهة الانقاذ” في مصر وإصرار العديد من القوى على توسيع “الائتلاف” السوري. عليه، يبدو أن اللجوء الى الطريق المعاكس لذاك الذي سلكه “الإخوان” هو ما يتيح تجاوز العقبات الناهضة أمام استئناف الحياة السياسية والاقتصادية في مصر وتقريب موعد اسقاط النظام في سوريا.

وإذا سلمت النوايا، يمكن إيجاز ما يريد خصوم الإخوان القيام به باستكمال مهمات الثورات العربية عبر التخلص من رواسب الحقبة السابقة المتمثلة في اقصاء الآخر والمختلف والشروع في بناء دولة المواطن، على انقاض دولة الطغمة الحاكمة أو الأقلية السياسية والطائفية والحزبية المهمينة. يضاف إلى ذلك، ضرورة تجنب السقوط في الفخ الذي وقع “الإخوان” فيه؛ ويتمثلى في عدم الجنوح إلى أي ممارسة اقصائية تنال من هذا التنظيم الإسلامي الكبير والامتناع عن اجتثاثه وتخوينه، على خلفية الاعتراف بحق الجميع في العمل السياسي الحر والعلني، فيما يكون الرأي العام وصندوق الاقتراع هما الفيصل.

هل سيُكتب النجاح لرؤية متفائلة على هذا النحو؟ يتعين في المقام الأول الانتباه الى أن الثورات العربية جاءت لكسر حال القنوط والاستسلام واليأس التي عمت العالم العربي لعقود طويلة. ولم تغب من الذاكرة بعد مقولات “الاستثناء العربي” التي خرج بها أصحابها يبررون بقاء عالمنا العربي في منأى عن التقدم والديموقراطية واحترام الإنسان. وينغي ثانياً القول أن التفاؤل، بالمعنى التاريخي، الذي لا يسقط من الاعتبار العقبات والصعوبات الواقعية الجسيمة، سيبقى من الدوافع الرئيسة في تحريك المجتمعات وفي حملها على السعي الى الغد الأفضل.

http://www.24.ae/Article.aspx?ArticleId=12334

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى