وجاء ردّ الرئيس على تقرير الفنانين: فوق سقف الوطن
المثنى الشيخ عطية
يعيد بيانٌ لمجموعة فنانين سوريين وضعوه بعنوان: “تحت سقف الوطن” إلى الذهن حكاية فيلم “التقرير” الذي مثله الكوميدي دريد لحام في أوائل الثمانينات وجاء كبيان يشبه إلى حدّ بعيد بيان الفنانين الموقعين من حيث مسكه العصا من المنتصف بين الشعب والنظام، حيث يقرر بطل الفيلم/ دريد لحام، المستشار في هيئة التفتيش العليا الاستقالة احتجاجاً على الفساد، كما يقرر بعد انتظاره اللامجدي للمسؤولين أن يأتوا إليه ويكافئوه بإعادته، إعداد تقرير عن الفساد في المجتمع السوري وفي مؤسسات الدولة بأسلوب دريد لحام في النقد الكوميدي السطحي الذي يعتّم على المسائل الجوهرية، ويذهب لتقديم التقرير إلى المسؤول الأول/ الرئيس، مفترضاً أنه ليس له دخل بالفساد، وأنه لا يعلم ماذا يحدث في بلاده، لكنه لا يصل إلى الرئيس الذي كان يرعى مباراة لكرة القدم، ويذهب المستشار في محاولته للوصول إلى الرئيس مخترقاً الملعب ضحية تدافع جمهور الفريقين المتنافسين، ويكون مصير التقرير أن لا يصل إلى المسؤول الأول/ حافظ الأسد في ذلك الوقت…
بيان مجموعة الفنانين السوريين الذي تقدم بأسلوب خطاب المعارضة السورية الديمقراطية كما ورد فيه: “ببالغِ العزاءِ لأنفسنا كسوريين ولكلِّ الأسرِ التي فقدت أحداً من أبنائها ممن سقطوا شهداء في هذه الأحداثِ المؤسفةِ”، ودعا كما جاء فيه أيضاً إلى “إعلان حدادٍ وطني لمدة ثلاثةِ أيامٍ في عموم سوريا على أرواحِ شهدائنا في محافظة درعا وباقي محافظات بلدنا الحبيب”. وطالب بـ “محاسبة كل من تسبب في إراقةِ تلك الدماء الغالية وكشف الملابسات التي أدت إلى هذه الاضطرابات بشفافية تامة”، وأعلن عن تأييده ” لأي حراكٍ سلميٍّ يحققُ كرامةَ وحرية ورفع مستوى معيشة المواطن السوري”.. عارض من جهة أخرى بأسلوب الخطاب الذي يعرفه السوريون عن القوى التي تضع قدميها على الضفتين لتستقر في ضفة النظام، كما ورد فيه: “أشكال التحريضِ والتجييش الذي من شأنه أن يأخذَ البلادَ إلى حالةٍ منَ الفوضى والخراب والدمار”، وأشاد وثمّن بذات الأسلوب “الخطواتِ الإصلاحيةَ التي اُعلن عنها مؤخراً من قبلِ القيادةِ السياسيةِ مع تأكيده على “ضرورةِ الإسراعِ في تنفيذها وإتمامِ ما بُدء من إصلاحات سواء المتعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي كإيقاف العمل بقانون الطوارئ ورفع مستوى معيشة المواطن ومحاربة الفساد وإطلاق سراح السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وإصدار قانون الأحزابِ لتفعيلِ التواصل وفتحِ باب الحوارِ الوطني الحرِّ والشفاف لإعادةِ بناءِ جسورِ الثقةِ بين المواطن ومؤسساته”…
وجاء هذا البيان تفاعلاً مع ما حدث يوم الثامن عشر من آذار في درعا من قمع للمظاهرات السلمية المحتجة على القمع والفساد ومن إطلاق فوري للنار على المتظاهرين من قبل قوى الأمن والفرقة الرابعة في الجيش وما يدعى الشبّيحة/ صنو بلطجية النظام المصري، الذين يديرهم النظام بعد ذلك، وسقوط شهداء تكاثر عددهم في الأيام التالية وفي معظم المدن السورية المحتجة ليتجاوز المائة بكثير. كما جاء ضمن ردودات الفعل على ما حدث ومنها رد فعل النظام الإعلامي الممهد لخطاب رأس النظام حول ما يحدث في بلاده.. حيث صدّر النظام من خلال شخصيات يعتقد النظام أنها قادرة على التفاعل مع الفضائيات الدولية مثل البائس نبيل سمان وإلى درجة أقل بؤساً جورج جبور.. خطاباً تبلور في أن الرئيس بشار الأسد يريد الإصلاح ويريد رفع قانون الطوارئ غير أنه يواجه صعوبة من الفاسدين الذين أفرزهم تحول سورية إلى النظام الحرّ ومن الحرس القديم الذي لا يزال يتمتع بسلطة تحكم في مقدرات البلاد، مع ترويجهم لنظرية وجود قوى خارجية مندسة في ارتكاب الأحداث. إضافة إلى شخصيات رسمية مثل المستشارة الإعلامية للرئيس بثينة شعبان التي وعدت الشعب بـ “سوفات” من الإصلاحات رفعتها إلى “سوفية” إلغاء قانون الطوارئ سيئ الصيت والفعل المعمول به منذ انقلاب آذار عام 1963، مع تأكيدها أن هناك مندسين وقوى خارجية وراء الأحداث، بتصوير مسرحي يبدو سقيماً وفاشلاً في إخفاء أن هؤلاء القتلة هم الشبّيحة إياهم حتى لمن لا يعرف السيطرة الأمنية الرهيبة لمراكز الأمن والمخابرات على كل تفصيل في الحياة السورية، حيث لا يمكن التصديق أن قوى خارجية منها فلسطينية ولبنانية حتى ولو كانت رامبو، إن لم تكن قوات أمن النظام أو “الشبّيحة” المرتبطين بها، تركب السيارات كما قالت المستشارة وتذهب إلى مركز أمن وتنتزع سلاحه، ثم تنتقل إلى مركز شرطة ثم إلى نادي الضباط فتقتل الرجل الوحيد فيه في حمص… وتنشر الخراب. ومثل نائب الرئيس فاروق الشرع الذي بشر السوريين بأن قراراً اتخذ بشان قانون الطوارئ وأن الرئيس سيخطب خطاباً يسعد السوريين.. ومنهم بطبيعة الحال الفنانين الموقعين على بيان “تحت سقف الوطن”.
وعلى غير ما حدث من بؤس للتقرير الذي لم يصل إلى المسؤول الأول/ حافظ الأسد في فيلم “التقرير”، سعد الفنانون السوريون الموقعون على البيان وهم: ‘بسام كوسا، عباس النوري، باسم ياخور، فؤاد حميرة، نضال سيجري، رشيد عساف، باسل خياط، دريد لحام، رافي وهبي، عابد فهد، طاهر ماملي، جمال سليمان، الليث حجو، سيف الدين سبيعي، أيمن زيدان، فادي صبيح، صفوان داحول، حكمت داوود، شكران مرتجى، محمد حداقي، أمل عرفة، محمد الشيخ نجيب، عبد المنعم عمايري، أيمن زيدان، سمير كويفاتي، ميادة بسيليس، قيس الشيخ نجيب، عبد الحكيم قطيفان، عمر حجو، نجيب نصير، أحمد معلا، سلافة معمار، يارا صبري، منى واصف، رامي حنا”‘.. مع لفتة وجود أسماء فنانين وضعهم بعض الشباب السوريين على القائمة السوداء في الفيسبوك هم رشيد عساف وعباس النوري وعمر حجو لوقوفهم السافر ضد المتظاهرين من أجل الحرية، ودريد لحام الذي وصفوه أنه بوق للنظام… وذلك لوصول تقريرهم إلى المسؤول الأول/ بشار الأسد، دون أن يذهبوا “دعوسة” بين أقدام قوى الأمن و”الشبّيحة” المسلّحين من جهة، وأقدام المتظاهرين العزل الذين لا يحملون سوى هتافهم: “الله.. سورية.. حرية وبس”، كما سعدوا أن هذا الردّ شمسٌ في وضوحه ويزيل عنهم حيرتهم وارتباكهم الذي يدفعهم للتأرجح بين ضفة الشعب والنظام، كما أنه شمسٌ في معانيه ورسائله التي أرسلها إلى الشعب السوري والعالم، والتي ترجمها رفع عضو من مجلس الشعب التصفيق والتهليل الشعري القاصر من قبل أعضاء مجلس الشعب المعاق المعيّن من قبل النظام، إلى حدود عالية تتجاوز سقف الوطن السوري والعربي إلى سقف العالم، بقوله مخاطباً رئيسه بأن الوطن العربي قليل عليه، وأنه لازم يقود العالم.
فبغض النظر عن التبريرات المتشابكة التي جاهد الأسد في عرضها عن أسباب تأخير الإصلاحات منذ خطاب قسمه قبل إحدى عشر سنة وفُهم منها أنه كان هناك تغيير في الأولويات وفقاً لما اعترض سورية من تحديات ومؤامرات، وبما تقوم به من دعم للمقاومات وممانعات لم يعرف منها لمن غير الشعب، فإن الردّ على طلب الفنانين في تقريرهم بـ “إعلان حدادٍ وطني لمدة ثلاثةِ أيامٍ في عموم سوريا على أرواحِ شهدائنا في محافظة درعا وباقي محافظات بلدنا الحبيب” جاء واضحاً بأنه ليس هناك شهداء ولا من يحزنون، بل “ضحايا اللحظة” و”ضحايا الفتنة” كما سمّاهم، والذين لم يترحّم عليهم كذلك كما جرت العادة عند السوريين، ولم يُعزّ أسرهم بهم كما فعل الفنانون في بيانهم، إضافة إلى فسحه الطريق بهذا لتكذيب بثينة شعبان، في تصديرها الأول حول شهداء درعا بأنّ الأسد “يعتبر ضحايا درعا شهداء الوطن”. كما أزال ردّ الأسد رقص بندول الفنانين بالنسبة للإصلاح الاقتصادي بأن “الإصلاح هو ليس صرعة موسم فعندما يكون مجرد انعكاس لموجة تعيشها المنطقة فهو مدمر بغض النظر عن مضمونه”، وأن “الذين يعارضون الإصلاح والمحاسبة هم أصحاب المصالح والفساد وأنتم تعرفونهم. قلّة كانت موجودة ولم تعد موجودة الآن”. وأكثر من ذلك في قطع الطريق على ما يمكن أن يرد أو يورّد على أذهان الفنانين ومستشاري النظام الذين روّجوا عنه أنه يريد الإصلاح ويمنعه من ذلك الحرس القديم جاء الردّ بالقول “كان يسألني هذا السؤال أكثر من مسؤول مروا بسورية مؤخراً من الأجانب.. يريد أن يطمئن بأن الرئيس إصلاحي ولكنّ مَن حوله يمنعونه وقلت له بالعكس هم يدفعونني بشكل كبير”. وأزال ردّ الأسد رقص بندول الفنانين بالنسبة للإصلاح السياسي بأن “سورية اليوم تتعرض لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة ولها بعض الخيوط داخل الوطن وتعتمد هذه المؤامرة في توقيتها لا في شكلها على ما يحصل في الدول العربية” دون تحديد من هي هذه الدول، وأن هناك من يشعل فتنة في سورية، دون تحديد من يشعل هذه الفتنة مع قطع طريق على الفنانين والناس يحمل طابع التهديد حتى في التفكير أن يظلوا في الوسط بأن: “وأد الفتنة واجب وطني وأخلاقي وشرعي وكل من يستطيع أن يسهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها.. والفتنة أشد من القتل كما جاء في القرآن الكريم فكل من يتورط فيها عن قصد أو من غير قصد فهو يعمل على قتل وطنه وبالتالي لا مكان لمن يقف في الوسط”…
وفي الحقيقة، وكعادة الفنانين المتأرجحين باحتراف في أن يكونوا مستشرفين للمستقبل، مع أو من دون تهديدات الأمن لهم بأنه لا مجال لوقوفهم في الوسط، استشرف الفنانون السوريون الموقعون على البيان وقبل مجيء ردّ المسؤول الأول على تقريرهم ما هو مطلوب منهم، فأصدروا ملحقاً لبيانهم يوضحون فيه أي سوء فهم يظهرهم للرأي العام وكأنهم “طرف معاد للحالة الوطنية، أي النظام أو أنهم يعيشون “حالة خصام مع السلطة أو أننا لم نحظ بالتقدير والتكريم من قبل القيادة السياسية وعلى رأسها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد”. كما يؤكدون “إن السيد الرئيس بشار الأسد فتح مع الفنانين والمثقفين السوريين باب نقاش وطني حرّ، نعتز به ونقدره وكان له انعكاس إيجابي كبير على تطور الدراما السورية وفي هذا السياق فإننا نود أن نوضح أننا في بياننا هذا الذي عنوناه تحت سقف الوطن، أردنا أولاً درء الفتنة الطائفية التي بات واضحاً أن هناك قوى خارجية تريد أن تشعلها في سوريا”، دون أن يستطيعوا استشراف اعتقال أنبل مثقفي سوريا والتنكيل بهم وتشريد عشرات الآلاف منهم، وقتل شباب سورية الحرّ الأبي في الشوارع الآن… ويؤكدون للمسؤول الأول أنهم لم يتوانوا “عن الإشادة بالوعود الإصلاحية التي طرحتها السيدة مستشارة رئيس الجمهورية حيث كانت هذه الوعود بالنسبة لنا محفزاً كي نعلن بأننا نقف بجانب وطننا وإلى جانب رئيسنا في هذا المشروع الإصلاحي”…
بيان مجموعة الفنانين السوريين التي ستجد أسماءها مثلما حدث لأسماء تامر حسني، سماح أنور وغادة عبد الرازق وجابر عصفور في الثورة المصرية على قائمة أعداء الحرية في الفيسبوك، وصل إلى المسؤول الأول، وجاء الرد الذي…
يا حيف، ويا حيف، ويا حيف.