يورغن تودينهوفر عاد حيا/ ديانا مقلد
أي شعور وهاجس ذاك الذي دفع بكاتب وسياسي وباحث ألماني يبلغ من العمر 74 عاما أن يطرق باب «داعش» ويفاوض عناصر فيه لأشهر عدة ويذهب إليهم باحثا وسائلا بقدميه رغم كل احتمالات عدم عودته إن لم يكن أفظع؟
ليس غريبا أن تنهمر دموع عائلة الرجل كما روى لدى عودته بعد عشرة أيام أمضاها مع الجماعة الإرهابية في العراق وسوريا وعاد منهما حيا وراويا لما نعرفه عن شرها ومخاطرها وانتشارها، لكنها رواية تحمل بصمات شاهد ورؤيته من الداخل..
هل هو العمر المتقدم وما يحمله من امتلاء بسنوات حافلة وبالتالي لا ضير من مغامرة قد تعود بالكثير على الرغم من أنها تحمل مخاطر موت ونهاية؟ أم هي تلك القناعات التي تلازمنا كبشر فلا نحسن الإفلات منها مهما أوغلنا في العمر وفي التجربة؟
نعم، لقد فاجأنا «يورغن تودينهوفر»..
لقد عاد حيّا رغم ما يمثله من إغراء لهذا التنظيم لخطفه وقتله ربما.. لكنه عاد ومعه الكثير من القصص التي شرع يرويها عبر «فيسبوك» بداية ثم عبر مقابلات في الإعلام، وها هو الآن يحضر لكتاب جديد.
كل عائلته وقفت ضد قرار ذهابه الذي استلزم سبعة أشهر من التحضير والمقابلات مع مقاتلين عبر «سكايب» لكن «تودينهوفر» استمع إلى غريزته وصوته الداخلي. فهذا السياسي المتقاعد والباحث والقانوني يحمل لواء قضايا وأفكار تتعلق بذاك الالتباس الكبير بين المسلمين والغرب وهي مسألة شغلته، وألف في سياق فهمها عدة كتب. كان سبق له أن انكفأ عن الشأن العام لكن بعد هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2001 عاد ونشط مجددا وسافر مرارا إلى الشرق الأوسط وانتقد طويلا قرار واشنطن في الحرب على أفغانستان ولاحقا على العراق.
يقول الرجل إنه لم يقلل من احتمالات خطر تلك الرحلة، والسيرة الناقدة لسياسات الغرب حيال المنطقة لا تكفي لتحول دون جز رقبته. فالصحافيون الغربيون الذين قتلهم «داعش» لهم سير ومحطات في دعم مواطني سوريا والعراق ولم ينقذهم ذلك من السكاكين. ومنذ عودته انكب «يورغن تودينهوفر» على الحديث عن أن خطر «داعش» أكبر مما يقدره الغرب ويتوهمه. وهو أسهب في الحديث عن ضرورة عدم الاستهانة بقدرات التنظيم وذكائه وتقديره الاستراتيجي..
وإن فهمنا دافع فرد له خلفية كخلفية هذا الباحث الألماني في الذهاب إلى «داعش» فما هي في المقابل مصلحة التنظيم الذي لم يبد اكتراثا كبيرا بصورته في ذهن الرأي العام الإسلامي أو الغربي في التحدث مع صحافي ألماني؟ فالرجل أشار إلى أن «داعش» في صدد مباشرة التوجه إلى العالم والتحدث إليه..
ربما كان استقبال هذا الرجل إحدى الإشارات إلى ذلك.
لكن السؤال: ما الذي ترغب «داعش» في قوله؟ هل تريد أن تنتزع اعترافا؟ هل تسعى لانتزاع إقرار بسيادتها على المناطق التي تسيطر عليها؟ طبعا هذا لن يحصل. علينا أن ننتظر كيف ستفاوض على الطيار الأردني الذي أسرته قبل أيام..
هل يعود الطيار إلى أهله بحكايات مشابهة لتلك التي سيكتبها «تودينهوفر»؟ هذه مؤشرات لا بد من رصدها في سياق تعقب التنظيم واستقصائه..
الشرق الأوسط