584 يوماً على نكبة اليرموك: الخبز أخيراً في المخيم
دمشق ــ رامي سويد
يرزح مخيم اليرموك، الواقع جنوب دمشق، وأكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، منذ نحو عامين، تحت حصار مشترك تفرضه قوات النظام السوري، واللجان الشعبية التابعة للجبهة الشعبية القيادة العامة ـ أحمد جبريل. ويتسبّب هذا الحصار الخانق المفروض على المخيم بمأساة كبيرة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه، من دون أن تنجح جهود المنظمات الدولية المهتمة بإغاثة المناطق المحاصرة في التخفيف من معاناتهم، نتيجة مواصلة قوات النظام واللجان التابعة لها حصارها للمخيم، بسبب سيطرة تشكيلات فلسطينية معارضة للنظام السوري عليه.
وتحذّر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وفق بيان صادر عنها، مساء الأحد الماضي، من خطر محدق يتهدّد حياة نحو ثمانية عشر ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالوا محاصرين في مخيم اليرموك. وتصف الوكالة وضع “اللاجئين المحاصرين في المخيم بالمأساوي، بسبب القصف المستمر والحصار الذي يتعرض له المخيم، وهو ما أدّى إلى حرمانهم من الغذاء والماء والدواء، ومن الوصول إلى العالم الخارجي”.
وكان أهالي مخيم اليرموك، من اللاجئين الفلسطينيين، قد أطلقوا في غير مرة، نداءات استغاثة عبر مقاطع مصوّرة تمّ بثّها على شبكة الإنترنت، طالبوا فيها “الأونروا” بالضغط على قوات النظام السوري للسماح بإدخال المساعدات الإغاثية والطبية إلى المخيم، فقد بات ساكنوه يفتقدون الاحتياجات الأساسية في ظل انقطاع الكهرباء والمياه عن المخيم، والبرد القارس بسبب عدم توفر مواد التدفئة.
وفي سياق متصل، يقول عضو مكتب اليرموك الإعلامي، الناشط حسن عبد العليم، لـ “العربي الجديد”، إنّ “الحصار الكامل المفروض على اليرموك وصل حتى يوم أمس الثلاثاء إلى خمسمائة وأربعة وثمانين يوماً، فيما الكهرباء مقطوعة عن المخيم منذ أكثر من ستمائة وثمانين يوماً، والمياه مفقودة في المخيم منذ أكثر من خمسة أشهر”.
وتحصي أكاديمية دراسات اللاجئين الفلسطينيين مقتل أكثر من مئة وأربعة وستين فلسطينياً من سكان المخيم، نتيجة ظروف الحصار الذي تفرضه قوات النظام والمليشيات التابعة لها، بما يشمل موت اللاجئين جوعاً أو برداً أو نتيجة لعدم توفر الرعاية الصحيّة اللازمة.
ويصف أحد سكان المخيم، معمر الياسري، لـ”العربي الجديد”، الحال المعيشية لسكان المخيم بـ “المزرية”، ويقول إنّ “السكان يضطرون إلى طبخ الحشائش التي تنبت في الحدائق والساحات في فصل الشتاء مع قليل من الزيت بهدف تناولها لسدّ رمقهم، كما أنّهم اضطروا بداية الشهر الماضي إلى تذويب كميات من الثلوج التي تساقطت في المخيم بهدف تحويلها إلى مياه للشرب، للتغلب على مشكلة فقدان المياه الصالحة للشرب في المخيم”.
ويؤكد الياسري أنّ “الخدمات الطبيّة في المخيم شبه معدومة، وأن عدداً قليلاً جداً من المدارس في المخيم، فتح أبوابه للأطفال هذا العام، كما أنّ الكهرباء والاتصالات غير متوفّرتين بشكل مطلق، وأسعار المحروقات مرتفعة جداً، الأمر الذي دفع السكان في الفترة الأخيرة إلى حرق أثاث بيوتهم في مدافئ الحطب للحصول على الدفء خلال الشتاء القارس الذي يشهده المخيم.
من جهته، يواصل الممرض فايز حلاوة عمله، مع عدد قليل من الكوادر الطبية في المخيم، في النقاط الطبيّة التي ما زالت عاملة. ويؤكّد لـ “العربي الجديد”، أنّ “جميع أنواع المستهلكات الطبية مفقودة في المخيم، الأمر الذي يضطر الكوادر الطبيّة إلى استخدام أقمشة غير معقّمة لتضميد الجروح بدلاً من الشاش الطبي، وإلى بتر أطراف مصابين يمكن علاج إصاباتهم في أطرافهم، لكنّ عدم توفّر غرف العمليات وأدوات ومواد التعقيم والتخدير، أجبر الكوادر الطبيّة على بتر أطراف لمصابين بجروح وشظايا نتيجة القصف العشوائي المتكرّر على المخيم بطرق بدائيّة”.
وتسيطر عدّة تشكيلات مسلّحة فلسطينية، معارضة للنظام السوري، على المخيم، أهمها كتائب “أكناف بيت المقدس” التي شكلت منذ أكثر من عامين ونصف في المخيم، وتضم عدداً من المنشقين عن فصائل “فتح الانتفاضة” و”الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة”، وعدة فصائل أخرى، بالإضافة إلى عدد من المتطوعين من أبناء المخيم.
وكان مخيم اليرموك قد شهد مع انطلاق الثورة في سورية، منذ نحو أربع سنوات، تظاهرات كبيرة نددت بالنظام السوري وتلاعبه بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالفصائل الفلسطينية الموالية للنظام السوري، والتي كانت تسيطر على المخيم. ولم يتردّد عناصرها في إطلاق النار على التظاهرات، ما أسفر عن مقتل عدد من المتظاهرين.
وتحوّل المخيم لاحقاً إلى ملجأ لسكان ضواحي دمشق الجنوبية، الفارين من قصف قوات النظام لأحيائهم السكنية، إذ لجأ إليه الآلاف من سكان أحياء الحجر الأسود ويلدا وببيلا وبيت سحم والتضامن والقدم، التي تحيط جميعها بمخيم اليرموك، قبل أن تقرّر قوات المعارضة السورية، نهاية عام 2012، دخول مخيم اليرموك لإخراج قوات النظام السوري منه. واندلعت حينها اشتباكات عنيفة في المخيم بين المنشقين عن الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام وقوات المعارضة من جهة، وقوات النظام السوري وفصائل “الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة” و”فتح الانتفاضة” من جهة ثانية، لتنتهي بعد أشهر قليلة بسيطرة القوى المسلّحة الفلسطينية المعارضة للنظام السوري على معظم مساحة المخيم، باستثناء شوارع قليلة تحتفظ قوات النظام السوري والفصائل الموالية له بالسيطرة عليها في القسم الشمالي من المخيم.
ولا يشهد المخيم، وفق ما يؤكده عضو كتائب “أكناف بيت المقدس” الفلسطينية الموجودة في مخيم اليرموك، إبراهيم أبو النصر، لـ “العربي الجديد”، أيّ وجود لـ “جبهة النصرة” أو لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أو فصائل الجيش الحر. وينفي أبو النصر “المزاعم التي يعتمد عليها النظام السوري لفرض حصاره على المخيم”، مؤكداً أنّ “من يسيطر على المخيم حالياً هم أبناء الشعب الفلسطيني الذين رفضوا ذلّ النظام السوري والفصائل العميلة له”.
ويوضح أبو النصر أنّ “مساعي المنظّمات الدوليّة المهتمّة بإيصال المساعدات الإغاثيّة إلى المخيم دائماً ما كانت تصطدم بتعنّت قوات النظام السوري ورفضها دخول أيّ مساعدات، بحجّة وجود عمليات عسكريّة والخطر الكبير على طواقم الإغاثة”. ويشير إلى أنّ “عمليات وقف إطلاق النار التي تمّ الاتفاق عليها في المخيم، بهدف السماح بمرور الشحنات الإغاثية، قد فشلت بسبب تعمّد النظام خرق وقف إطلاق النار، وقصفه مخيم اليرموك بهدف إفشال عملية توزيع المعونات.
وتمكّنت لجان إغاثيّة محليّة في الأسبوع الأخير، من إدخال شاحنة خبز إلى مخيم اليرموك من منطقة يلدا الواقعة جنوبي المخيم، والخاضعة لسيطرة قوات الجيش الحر التي وقّعت في وقت سابق، اتفاقاً على هدنة مع قوات النظام. كما تمكّنت لجان إغاثيّة محليّة من إدخال 600 صندوق إغاثي من يلدا أيضاً، نهاية الأسبوع الماضي، ليتمّ توزيعها على سكان مخيم اليرموك، في خطوة لإيجاد طريق بديل لإدخال المساعدات الإغاثية، بدلاً من إدخالها إلى المخيم من جهة الشمال، حيث توجد قوات النظام السوري.
العربي الجديد