صفحات الناس

مقالات تناولت “داعش” والناس

 

 

 

 

أسود داعش: ظلام الروح والمظهر

حين سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش – على مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشرقي، طَلَى مقرّاتها باللون الأسود.

الأمر ذاته تكرّر في الرقّة. لم تكتفِ داعش بذلك فقط. لأنّ افتتانها باللون الأسود جعلها تفرض على المحلات التجاريّة طلاء أبوابها بهذا اللون. وجعلها أيضا تصدر قرارات في ريف دير الزور الغربي يمنع النساء من لبس العباءة المفتوحة التي تكشف ما تحتها من ثياب ملوّنة.

في العام 2011 أراد الفنان التشكيلي العراقي، عقيل خريف، أن يجسّد المعنى الحقيقي لـ”داعش” في مجسّم تشكيلي صنعه. فاختار أن يكون لونه أسود، وبالتأكيد لم يكن هذا الاختيار عن عبث أو عن طريق الصدفة. فالأسود مرافق لصورة “داعش”، ليس فقط بسبب راية التنظيم السوداء، بل لأنّ تعمّدهم الدائم بالظهور لابسين الثياب السوداء هو سبب آخر يجعل هذا اللون مقترنًا بفكرة “داعش”. فلا تحضر “داعش” إلّا باللون الأسود. من بين كلّ الألوان اختارت داعش اللا لون، فالأسود هو انعدام الألوان. اللون الذي يمتصّ كلّ ألوان الحياة ولا يعكس أيًّا منها. إذ يشير علم نفس الألوان إلى تأثير اللون على المشاعر والسلوك البشري وأيضاً على خلايا الإنسان وجهازه العصبيّ وحالته النفسيّة. واللون المفضّل لدى الشخص يفصح عن ميوله ومزاجه والروح المسيطرة عليه. كما أنّ الألوان المحيطة بالإنسان تؤثّر بشكل مباشر على شخصيته.

يبدو جليّا أنّ الأسود لون “داعش” المفضّل، ومن يفضّل هذا اللون، بحسب علم النفس اللونيّ، يعيش في عالمٍ مظلمٍ ومغلق، وهو في الأغلب يملك شخصيّة غامضة ومنطويّة على نفسها، إلا أنّها تحاول بكلّ قوّة إضفاء حيويّة على وجودها. يختار هذا اللون من يريد أن يسيطر على وضع أو حالة ما. فهو يعبّر عن أهميّة الموقف وجديّته. هو لون السلطة والشرّ والوحدة والحزن والفوضى والغياب والخوف والتعقيد والموت. في عصور سابقة كانت القبائل القديمة تطلي الميّت باللون الأسود، إيمانًا منها بأنّها بذلك تمنع خروج الروح من الجسد. إلّا أنّ طلاء “داعش” للأشياء باللون الأسود ما هو إلّا محاولة لحجب كلّ الألوان الأخرى وبثّ ثقافة الموت.

“لا يمكن تصنيف الشخص تبعاً للألوان التي يختارها، لكن في حال تكرّر استعمال اللون ذاته يجدر بنا وضع علامات استفهام”، تقول المتخصّصة في علم نفس العيادة، منار قمريّة، في حديث لـ”العربي الجديد”. وتشرح أنّه “في حال لم يكن الشخص يعاني من عطل فيزيولوجي يمنعه من التمييز بين الألوان، فهو بالتأكيد يمرّ في أزمة نفسيّة تخنقه، وتجعله يعيش في صراع ما. وهناك احتمال آخر لا يرتبط بأزمات نفسيّة. بل بكونه امتدادًا لبعض الثقافات. فمعنى اللون يختلف من بلد إلى آخر”. وتؤكّد قمرية أنّ “لكلّ حالة شخصيتها وأسبابها وتاريخها. ويجدر بنا، قبل قيامنا بأيّ تصنيف، أن ندرس كلّ الجوانب”. وفيما يخصّ اختيار “داعش” اللون الأسود تشير إلى أنّه “قد يكون بهدف إظهار سلطتهم وبثّ الرهبة والخوف. فالأسود هو لون الموت، والموت هو ثقافة داعش”.

العربي الجديد

 

 

 

 

داعش تُعدم الألوان أيضاً/ نضال أيوب

ما قبل “داعش” ليس كما بعدها. فأخبارها التي تتناقل في كل مكان، جعلت من اسمها هاجساً يطارد الجميع. جرائمها ولّدت خوفاً من كلّ ما يمكن أن يشبهها، ومن كل لون أو إشارة ترمز إليها. بات استعمال الأبيض والأسود غير محبّب، وإطلاق الذقن صار تهمة. التدقيق في كلّ ما يتعلّق بـ “داعش” وأتباعها أصبح واجباً، وهذا ما بدا واضحاً في العديد من الأحداث في الفترة الأخيرة.

“isis: الآن مجموعة ألبسة داخليّة للنساء”. خبر تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، منذ أسابيع قليلة. وانطلقت حملات واسعة احتجاجاً على المجموعة الجديدة لدار الأزياء البريطانية للألبسة الداخلية “آن سامرس” (Ann Summers). كان ذنب دار الأزياء مضاعفاً، الأوّل أنّها سمّت مجموعتها (isis) فشبّه لبعضهم أنّه اختصار لاسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو “Islamic State in Iraq and syria”، الذي يعرف أيضاً بـ”isil” في حال ترجمة كلمة الشام إلى Levant وليس Syria. ولكن غاب عن الجميع أنّ “إيزيس”، وقبل أن يكون اختصاراً لـ”داعش” هو اسم لآلهة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين. ركّزوا فقط على “داعش” التي تهولهم وتسيطر عليهم، في ظاهرة عالمية تكاد تُسمّى “داعشفوبيا”. أمّا الذنب الثاني، فيتعلّق بتوقيت إطلاق المجموعة، الذي صادف مرور أسبوع على قتل جيمس فولي، الصحافي البريطاني الأصل، على يد أعضاء الجماعة الداعشية، ما اعتبره البعض أمراً مستفزّاً.

الناطق باسم دار الأزياء شرح أن اختيار اسم المجموعة تمّ قبل إطلاقها بنصف سنة. ونفى أن يكون مستوحى من تنظيم الإرهاب العالمي، بل هو نسب للآلهة الفرعونية. طبعاً، خبر الملابس الداخليّة لم يكن الأوّل من نوعه. قبل هذه الحادثة بشهرين، انتشر على مواقع الإنترنت خبر آخر مشابه، يتناول إطلاق تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من المحال لبيع الأزياء “الداعشية”.

دفع الخبرُ الصحافي جوزيف دانا إلى القيام برحلة بحث عن مصدر هذه الملابس. ونشر في موقع “سلايت” تقريراً عن رحلته. بعد بحثه الطويل في أزقّة المدن التركية، عثر دانا على متجر الثياب في إسطنبول. وفي لقاء مع صاحب المحّل، نفى الأخير أن يكون له أي ارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية. وعن بيعه لهذه الأزياء تحديداً، يشرح أنّها ليست جديدة. قبل السيطرة على مدينة الموصل وإعلان الخلافة الإسلامية لم يكن مشهد القمصان ورباطات الرأس التي طبع عليها علم الراية الإسلامية وعبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ليلفت أنظار المارّة، ولم يسترع قطّ انتباه أيّ من السلطات المحلية والصحافيين الأجانب الذين يعملون في المنطقة. لكنّ الوضع الآن اختلف تماماً. بات صاحب المتجر يرى استهجان الصحافيين المحليين والأجانب، وقد بدأ ينزعج من أسئلتهم وشكوكهم حول بضائعه. ما يزعجه أكثر هو وصفهم لها بالـ”داعشيّة”. بالنسبة إليه، الأمر أبسط بكثير مما يحاول البعض تصويره: “هذه الشعارات التي طبعت على البضائع هي شعارات الإسلام والمسلمين، فأين الخطأ في استعمالها. بعضهم يرى في الشعار صورة داعش والجهاد، بينما أنا أرى صورة الرسول محمد”، يقول صاحب المتجر.

وبينما تنصّلت دار الأزياء البريطانية والمحل التجاري في اسطنبول، من أي ربط بين داعش وبضائعهما، وجد بعضهم في فكرة “الثياب الداعشية” فرصة تجارية تزيد من أرباحه. هذا ما فعلته شركة تصميم الأزياء “Zirah Moslem” الأندونيسية، التي أطلقت تشكيلة أزياء تنوّعت بين أربطة للرأس وقبّعات وملابس للسيّدات والرجال. لكنّ الشركة لم تكتف فقط باستغلال اسم “داعش”، بل عمدت إلى الترويج لـ”الفكر الداعشي” عن طريق العبارات التي كانت تطبعها على بضائعها “أنا أحبّ الجهاد” و”مجاهدون حول العالم”. الملفت في أمر أزياء “زيرا مسلم” أنّ تسويقها لا يقتصر فقط على “داعش”، فلـ “طالبان” و”جبهة النصرة” نصيب من بضائعها.

وهدف الشركة يتّضح أكثر في عبارة خُطّت على أحد القمصان: “لا مزيد من الديمقراطيّة”. كما انتشرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأكواب زجاجية سوداء اللون، عليها عبارات “لا إله إلا الله محمد رسول الله” باللون الأبيض، أو العكس، أي الكوب بالأبيض والعبارة بالأسود، مع رسوم لعصابات الرأس التي يتميّز بها أتباع التنظيم. وإن تناول الكثيرون هذه الأكواب بسخرية إلا أنّ هذا التناول دليل نجاح التنظيم في اختراق كامل ليوميات الناس وفي إثبات أنه تنظيم متكامل، يفكّر في جميع التفاصيل حتى ألوان الأكواب ورسوماتها! بعيداً عن هذه المحاولات التي تستوحي تصاميم تتناسب مع انتشار “داعش” وأخبارها، هناك، حيث يوجد التنظيم فعلاً، لا حاجة للتصاميم. فالقوانين صارمة فيما يخصّ الملابس، وقائمة الممنوعات طويلة، ارتداء الثياب الملوّنة إحداها، فالألوان الزاهية عدو “داعش” الأوّل في عالم الأزياء. هي بالتأكيد ردّ فعل رافض للألوان الزاهية التي يتحلّى بها أعداء “الداعشيين”، أبرزهم الكرد والأيزديون، تحديداً النساء اللواتي يشتهرن بمناديلهن المزركشة وفساتينهن زاهية الألوان…

حوادث متكرّرة وردت من الموصل تحديداً ومن المناطق التي تسيطر “داعش” عليها، حول فرض النقاب، حتى على المحجّبات، سواء في تجوالهن أو حتى أثناء ممارسة أعمالهن. وقد وصلتنا حكاية الطبيبة العراقية السنيّة المحجّبة التي أجبرها “الداعشيون” على ارتداء النقاب أثناء عملها في أحد المستشفيات، فرفضت، ليس لأنّه يعيق قيامها بعملها ويقيّد حركتها فحسب، بل لأنّها اعتبرت هذا الفرض تدخلاً غير مبرّر في شؤونها الخاصة. انتهت الحكاية بطلقات نارية تلقّاها جسد الطبيبة في منزلها، بعد مهاجمة الداعشيين لها وتحقيقهم “قانونهم” بأسلحتهم. ما قاموا به من سلسلة أحداث مشابهة تجلى في إعدامٍ لأجل الزيّ وإعدام لأجل اللون. فإذا كان هناك من يعدمك بسبب لون ما تلبس، فماذا عساه يفعل في أمور أخرى؟

العربي الجديد

 

 

 

 

“الدولة” بالرقة.. تفاصيل مؤلمة ومآس دامية/ شادي شلالا

تل أبيض – سكاي نيوز عربية

على بعد دقائق من البوابة التي تقسم مدينة تل أبيض إلى قسمين سوري وتركي، حيث يطلق عليها اسم “أقجة قلعة” من الجهة التركية، عشرات العائلات تجلس في حلقات تستظل أشجار الرصيف التي توحي فقط أنها تحمي من حرارة الشمس.

مجموعات صغيرة، غالبيتهم أطفال ونساء، لا يحملون حقائب، ما عدا الأكياس الصغيرة التي يبدو أن فيها ثياب أطفال، ينتظرون أن تفتح أمامهم “أبواب” مخيم تل أبيض، الذي يؤوي حوالي 30 ألف نازح منذ 26 شهراً.

المشهد مألوف منذ بداية الحرب في سوريا، لكن الجديد أن هؤلاء جاؤوا منذ أيام من مدينة الرقة هرباً من الموت الآتي على متن طائرات أميركية أو أوروبية أو الله أعلم..

يقول الشاب الثلاثيني، الذي دخل إلى تركيا عن طريق التهريب، إن غالبية هؤلاء جاؤوا مع مهربين، فالحدود رسمياً مغلقة في اتجاه تركيا ومفتوحة 3 أيام الأسبوع رسمياً أمام من يرغب العودة إلى الرقة.. إلى أحضان “الدولة الإسلامية” أو “الدولة” أو “داعش” أو سمها ما شئت.

في الرقة، ينتظر مقاتلو الدولة ضربة أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأعلن عن أهدافها الطويلة الأمد وكاد أن يحدد بنك الأهداف الذي ستضربه طائرات، بطيار ومن دون طيار، لكنه لم يفعل ذلك بعد.

في الأثناء، قام التنظيم بعملية مزدوجة، على المستوى التنظيمي: أولاً إعادة هيكلة للشؤون المالية والعسكرية لإحصاء السلاح والمال في كل من الرقة والموصل تضمنت الضرائب وما يعتبره “أموال زكاة”، وعائدات البترول الواقعة تحت سيطرته وأموال الفدية؛ وثانياً، سلسلة من الإجراءات الأمنية بدأت بنقل مواقع تخزين السلاح وتوزيع أكبر عدد ممكن من العناصر في بيوت داخل المدينة.

يقول أحمد من الرقة: “يملك أخي شقة ومتجراً وقد هرب مع عائلته إلى تركيا وهو يعود أسبوعياً، لكن عناصر من ’قضاة الحسبة‘ جاؤوا وصادروا المنزل وأسكنوا فيه عدداً من المقاتلين يخرجون صباحاً ويغلقون الباب خلفهم بسرعة كي لا نعرف عددهم ربما، وقد فعلوا الشيء ذاته في جميع أو غالبية المنازل المهجورة أو غير المأهولة في المدينة”.

أما مضادات الطائرات والسلاح الثقيل من دبابات ومدفعية فيتم تغيير مواقعها بشكل يومي وحتى أكثر من مرة في اليوم، وتشمل الإجراءات أيضاً نقل سجناء في خلال ساعات الليل، وتغيير مواقع النقاط الإعلامية التي توزع فيها إصدارات الدولة وأناشيد وقرآن وإن كان عدد العناصر في تلك النقاط لا يتعدى 4 أشخاص عادة.

يجزم أحمد أن لا صحة لما قيل عن هروب عناصر الدولة، وإنما “ذابوا” في المدينة فقط، وقللوا من خروجهم بشكل علني، خصوصاً القيادات و”الأمراء” لكنهم هنا ما زالوا في كل مكان.

حاضنة شعبية؟

لاقى تنظيم الدولة مبايعة شيوخ العشائر في الرقة في أكتوبر الماضي، لكن الشيوخ كانوا بايعوا الرئيس السوري قبل سنوات، تحديداً في أغسطس 2010، أثناء صلاة العيد واتهموا بالتملق وجاءت البيعة الجديدة وسط تململ شعبي.

عمل الشيوخ ضمن مبدأ “العين لا تقاوم المخرز”، خصوصاً أن انسحاب الجيش الحر وأحرار الشام من المدينة بشكل مفاجئ انعكس سلباً على المسلحين من العشائر الذين اضطروا إلى تسليم أسلحتهم وطلب الأمان من التنظيم الجديد حينها.

كان سكوت أهل الرقة على تشدد التنظيم في تطبيقه الشريعة على طريقته، وما يزال، تسليماً بالتفوق العسكري الجديد الذي ترافق مع مشاهد تعليق رؤوس مقطوعة لجنود عند “دوّار النعيم”، الذي تغير اسمه إلى “دوّار الموت” أو “دوّار الجحيم” وكانت هذه المشاهد كافية لفرض الطاعة والتزام أهالي الرقة بما يأمر به الوالي “أبو لقمان”.

“كنا عايشين”.. قالت أم ابراهيم، “بالقهر صحيح وبالظلم تحت حكم النظام، ولكن اليوم نموت ألف ميتة كل يوم وأولادنا تهجروا ونحن نزحنا وتركنا أرزاقنا وبيوتنا”.

وتضيف: “وهذه ’البنية‘ (10 سنوات) لا تزال طفلة يفرضون عليها النقاب، وأصبحنا نخاف على بناتنا من أمير يريد الزواج منهن مثلاً ولا يمكن رفض طلبه، هربنا مع بناتنا وبقي 3 من أولادي في البيت لحمايته لكنهم سيهربون قريباً عبر الحدود من كلس أو حتى من هنا من تل أبيض”.

أم ابراهيم موظفة تم فصلها من عملها بسبب تقرير كتبه بحقها “فاعل خير”، كما تقول، اتهمها بدعم الثورة فخسرت حقوقها ووظيفتها بعد 30 سنة من العمل، واليوم خسرت منزلها وتشتت عائلتها وكادت أن تخسر بناتها الثلاث لأن “الأمير” أراد الزواج بهن.

“مخنوقين ودمنا يغلي منهم”.. هذا باختصار ما قالته أم ابراهيم.

من الرقة إلى الموصل

عمار يعمل اليوم في محل لبيع العطور في أورفة بتركيا منذ أقل من شهر، قرر ترك منزله في الرقة لكنه أراد أن يغادر قبل ذلك منذ أشهر بعد أن انسحب الجيش الحر وتراجع أمام تنظيم الدولة في الرقة.

كان عمار يقاتل تحت مظلة “لواء إسلامي متشدد”، فضل عدم تسميته غير أنه لم يترك الرقة، لم يفعل “كي لا يكسر خاطر” والدته التي أوصته أن يأتيها بخبر عن أخيه الذي أوقف قبل 9 أشهر.

منذ توقيف شقيقه، لم يترك عمار “أميراً” ولا “شرعياً”، كما يسمى “قضاة” تنظيم الدولة، ولا شيخ عشيرة ولا مقاتل يمنياً أو شيشانياً أو تونسياً إلا وسأله عن مصير أخيه؛ لا جواب.. 9 أشهر وهو يذهب يومياً إلى مبنى المحافظة وسجن إدارة المركبات ومقر الحسبة وسجن منطقة الرقة الشرقية من دون نتيجة. الأيام الوحيدة التي لم يسأل فيها عن شقيقه كانت خوفاً من تهديدات تلقاها باحتمال توقيفه في حال واصل إصراره اليومي.

التقى عمار في سوق الرقة مقاتلاً في صفوف التنظيم ضمن دورية الحسبة نصحه الذهاب إلى الموصل للسؤال عن شقيقه والطريق من الرقة إلى الموصل 400 كيلومتر ضمن أراضي “الدولة الإسلامية” وتحت سيطرة مسلحيها.. فلم يتردد.

استقل سيارة أجرة ومن حاجز إلى آخر وصل مبنى المحافظة في الموصل وطلب مقابلة “الشرعي” توسله وسأله وسحب صورة له ولأخيه من جيبه ومدها إليه وبكى للمرة الأولى منذ 9 أشهر، وكان رد “الشرعي”، الملثم بسؤال عمار عن فروض الإسلام وعدد الركعات ومعلوماته عن القرآن فأجاب عمار بما يعرف عن دينه وبما يكفي لإقناع “الشرعي” الذي أجابه: أخاك مرتد صدر الحكم بإعدامه وتم تنفيذ الحكم.

بكى عمار، ثم تجالد، وطلب رؤية الجثة رافقه شاب عراقي دله إلى المكان.. طلب عمار معولاً.. أي شيء لنبش القبر. أعطي قطعة خشبية نبش فيها التراب رأى الجثة تأكد أنها لأخيه من علامة في ظهره.. الجثة بالكاد منتفخة حملها ولفها بما تيسر من أغطية وعاد بها إلى والدته في الرقة.

لم تنته قصته هنا، في الرقة منعته “جماعة الحسبة” كما أسماهم، من دفن أخيه في جبانة الحي بما أنه “مرتد”، فحمله مجدداً وذهب إلى بيت عمه المهجور حفر قبراً ودفن الجثة ومعها دفن طريق العودة إلى بيت والده في الرقة.

يقف أهالي الرقة أمام خيارين إما البقاء وتحمل قصف الطائرات السورية وربما قريباً الأميركية والتعايش الصعب مع ضيوفهم الذين احتلوا بيوتهم ومدينتهم، وإما النزوح إلى تركيا وتحمل أعباء تبدأ بالتشرد والنوم في العراء ولا تنتهي بتفاقم العنصرية ضدهم، وبالتالي جميع الخيارات أحلاها مر.

 

 

 

 

“قطط داعش” والبروباغندا الجديدة/ يـارا وهبـي

برلين – انتشرت في الفترة الأخيرة صور عديدة لمقاتلي تنظيم دولة الإسلام في سوريا والعراق – (داعش) على تويتر وإنستغرام وفيسبوك وهم يحملون بين أيديهم حيوانات أليفة: قططاً هانئة جميلة يداعبونها.. أحدهم يحاول إطعام قطة صغيرة، يقدّم لها الحليب بواسطة زجاجة. قطط بوضعيات ظريفة بجانب الأسلحة الفتاكة، وبينها قطة تنام ممسكة بقنبلة يدوية، إلخ.. ما دفع بصحيفة “جنوب ألمانيا” الى كتابة مقال مطول حول هذه الظاهرة، عنونته “الحرب القططية المقدّسة”، لتصبح المقالات والتحقيقات عن ظاهرة القطط مع مقاتلي داعش، أحد أهم الموضوعات التي تناولتها الصحافة الألمانية في الفترة الأخيرة، في محاولة منها للكشف عن الخلفية التي تكمن وراء هذه البروباغندا الجديدة.

هل الصور التي انتشرت لأعضاء تنظيم دولة الإسلام هي محاولة منهم لإضفاء “الرقّة”؟ لكي يظهروا بوجه أكثر إنسانية ويتقرّبوا أكثر الى الناس؟ أو لتسويق صورة على عكس ما هو متداول عنهم والذي أصبح علامتهم المميزة – Branding وهم يحزّون الرؤوس، يصلبون ويجلدون؟

هذا التناقض بين دالّ ومدلول الصورة – بحسب وصف صحيفة “جنوب ألمانيا” – هرطقة تثير الإشمئزاز. الصور المنشورة قد تكون مناسِبة لأعضاء في جمعية الرفق بالحيوان، أو المهتمين بالطبيعة والبيئة؛ لا لجماعات إرهابية تذبح الناس من المسلمين والمسيحيين والاقليات غير المسيحية على السواء. جماعات هي أبعد ما تكون عن الحنان والرحمة. ويبقى السؤال: هل الداعشيون هم بصدد خطة إعلانية-إعلامية- تسويقية لرسم صورة جديدة (نمطية) لهم؟ فيكون نشرهم هذا الكمّ الهائل من الصور التي تجمعهم مع القطط والحيوانات الأليفة هو محوري في هذه الخطة؟ وهل هم حقاً يحسنون معاملة الحيوانات الأليفة؟ هل نحن أمام فصول من الدعاية الجديدة لهذا التنظيم؟ وهل من محاولة لخلق أيقونة جديدة لهم قوامها الحيوانات الأليفة وبالتحديد القطط ؟

دائما بحسب الصحيفة، وبالعودة الى التاريخ الإسلامي لبحث إذا ما كانت هذه الحالة الداعشية الجديدة “ظاهرة” لها جذورها في الإسلام، ذهبت اليومية “جنوب ألمانيا” الى حدّ جمع النصوص التي تتحدث عن “القطط”: عن تلك المرأة المسلمة التي “حجزت” قطاً دون طعام وماء فكانت عاقبتها نار جهنم الأبدية. بمكان آخر، “أبي هريرة” كان صحابياً معروفاً بحسن معاملته للقطط حتى استمد لقبه منها. كذلك النبي محمد (ودائماً بحسب المقال)، “كان يسمح للقطط بالصعود على ظهره، حتى أنه يمكن التوضؤ بالماء الذي تشرب منه”.

إن هذه التفاصيل التي تعتبر ربما من الأدبيات العادية المتداولة في العالم العربي، تعتبر حقائق مدهشة ومثيرة للقارئ الألماني الذي لا يعرف شيئاً عن طبيعة علاقة المُواطن العربي بالحيوانات الأليفة خاصة.. إلا ما يتعلق بحقيقة أن المسلمين لا يحبون الكلاب!

صحيفة “جنوب ألمانيا” وصلت الى استنتاج مفاده أنه بالرغم من وجود جذور لهذه الظاهرة، فمن العبثية ربط حسن المعاملة الداعشية للقطط بالتاريخ الإسلامي (والذي على ما يبدو “رفع من شأن” القطة).

وعليه، تتابع الصحيفة، فتقول على لسان المؤرخ يوهان كريستوف، إن الإسلام توسّل الجماليات البصرية، مثل الفسيفساء والمنمنمات وفنوناً أخرى… بينما الداعشيون حطموا الكثير من الآثار والتحف عندما لم يبيعوها لتمويل مجهودهم العسكري وحملاتهم. ما معناه أنهم غير ملتزمين فعلاً بتاريخ الاسلام. ومن الصعب الربط بين سلوكهم النمطي مع القطط والتعاليم الاسلامية في هذه النقطة. هم لا يعتمدون في كل تصرفاتهم على ما يمليه الإسلام وتعاليمه.. ناهيك عن أدبيات أخرى تؤكد بأن القطة إنما هي بالفعل أيقونة قديمة في المنطقة ولكنها مرتبطة بالفراعنة (بمعنى أنها ليست أيقونة إسلامية).

من جهة أخرى اختار موقع ألماني آخر، عالج الظاهرة عينها، بأن يطلق على الداعشيين صفة المهووسين، “مهووسي القطط”. وهنا تُستحضر مفارقة هامة: الصور المنشورة لم تكن مقتصرة على القطط فقط. مثلاً نجد صورة ذلك الداعشي الذي يحتضن “حملاً”. وآخر اعتلى كتفه عصفور صغير. أو تلك الصورة لمقاتل داعشي يلاعب جرواً صغيراً… (ومن المعروف ما للكلب من دلالة سلبية في الاسلام، ما يجعل عملية الربط بين سلوكهم هذا والاسلام أمراً صعباً). الأمر الذي يبقينا مجدداً أمام احتمال الإستعمال البروباغندي فقط بغية تلميع صورتهم أمام “المستهلك”، الغربي خاصة، الذي عادة ما يتعاطف مع هكذا مدلولات!

بدورها صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، ذهبت الى مكان آخر في مناقشتها لهذا الموضوع: ذكرّت أن المقاتلين المنتمين إلى داعش والذين يحاربون لتأسيس الخلافة الاسلامية في العراق وسوريا، فإن الدعاية السياسية ونشاطهم البروباغندي خاصة على شبكة التواصل الاجتماعية، لا يرقيان الى الأمس، فهم يتقنون ويتفننون بالدعاية على الأنترنت منذ اليوم الأول. مثلاً، هم وثّقوا منذ البدايات معاركهم في العراق، وقاموا بتحميل الأفلام والفيديوكليبات الخاصة بانتصاراتهم، مستخدمين شبكات التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات من ناحية، والتجنيد من ناحية أخرى، خاصة ما بين “الأجانب” الذين يصلون أرض المعركة بهواتفهم الذكية وكمبيوتراتهم المحمولة.. الجميع متحمس لنشر صوره.. ولمَ لا مع القطط! هم يريدون من خلال هذه الصور تمرير رسالة مفادها بأن الحملة على بغداد هي متعة وعمل لإرضاء الله.

… مَن لا يذكر صورة هتلر مع كلبه! لربما انتظر الشعب الألماني نهاية الحرب ليتبيّن زيف دلالة ومعنى الصورة. “قطط داعش” حملت نعيها منذ اللحظة الأولى. لم ولن تصمد أبداً امام صورة الجلاد الداعشي يقطع رأس ضحيته… ولا أمام صور قوافل الألوف الهاربة من قراها وضيعها أمام تقدم جحافل الموت الاسود.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

 

“داعش” والموت “تعزيرا”/ مازن عزي

أعدم تنظيم الدولة الإسلامية، الداعية حسين رضا لاري – المكنّى بأبي عمر الكويتي، في الرقة، “تعزيراً”، بتهمة “الغلو والتطرف”. والتعزير هو “العقوبة المشروعة بغرض التأديب على معصية أو جناية لا حدّ فيها ولا كفارة، أو فيها حدّ لكن لم تتوفر شروط تنفيذه”. والتعزير يشمل مواضيع الزنا مع أجنبية، والعادة السرية، وإتيان البهائم، وتقبيل أجنبية بشهوة، وسبّ الصحابة.

وجاء إعدام الداعية الكويتي، بحسب مصادر مقربة من التنظيم، نتيجة استمراره “في الحض على الغلو والتطرف، خصوصاً تجاه أفراد الجماعات الإسلامية الأخرى، لا سيما جبهة النصرة”، ولأن الكويتي استمر في إطلاق فتاوى تدعو إلى قتالهم “ما أثر سلباً في جهود المصالحات التي تمت لتنظيم الإدارة في أكثر من منطقة محررة في سوريا”.

وبخلاف “الحدّ” الذي هو عقوبة لا مناص من إنزالها بالجاني، فإن التعزير يبدأ بالنصح وينتهي بالجَلد والحبس، وقد يصل إلى القتل. وفي حين لا يجوز لولي الأمر العفو في “الحدّ”، فإن له السلطة في العفو، وإلغاء العقوبة كلها أو بعضها، في التعزير.

والأصل في التعزير أنه للتأديب، فلا ينبغي أن يكون فيه قتل ولا قطع. لكن بعض الفقهاء أجاز القتل عملاً به للمصلحة العامة، على أن يعيّن ولي الأمر الجرائم التي يجوز التعزير فيها بالقتل؛ كالمجرم المعتاد، والقتل بالمثقل، واللواط والمبتدع المرتد.

يبدو اتهام أبا عمر الكويتي، بـ”الغلو والتطرف” كوميدياً، إذ يصدر عن تنظيم أقل ما يقال فيه إنه “متطرف”، لكن الحكم على الكويتي بالإعدام “تعزيراً” يضفي على فعل القتل مسحة من المأساة. فحين يريد “داعش” أن يكون “براغماتياً” لجهة التصالح مع “النصرة”، يمكنه أن يبالغ في “التعزير” لتتجاوز به “الحدّ”. المبالغة في سلوك داعش، لا تدخل ضمن إطار السياسة، بل هي طبيعته الخاصة، جوهر تكوينه، إلتصاقه بالتفسير الحرفي للنص القرآني، ونزع ما تبقى من روحيته؛ الإكتفاء بالتشريع الدنيوي، وتأريضه لتفريغ مبرراته. الإبقاء على العقاب والقصاص، كمعنى وحيد لنشر دعوة “الدولة”.

في “وثيقة المدينة” التي وزعت قبل أيام في الرقة، أكد “داعش”: “نعامل الناس بما ظهر لنا منهم، ونكلُّ سرائرهم إلى الله، فمن أظهر لنا شعائر الإسلام، ولم يتلبس بناقض من نواقضه عاملناه معاملة المسلمين، ولا نأخذ أحداً بالظن والتهمة بل بالبينة القاطعة والحجة الساطعة”. وذلك يوضح أسبقية الشرط القائم على إظهار الشعائر وعدم اتيان النقائض، على جوابه الملتبس: “عاملناه معاملة المسلمين”. وجوب الشرط في حد ذاته، يحتمل التشكيك في هوية الناس، وينتقص من “إسلاميتهم”، قبل الحديث عن “آدميتهم”. فلا معنى مستقلاً للوجود يمكن إسباغه بأي شكل، خارج إطار العقيدة الداعشية.

البيّنة القاطعة، والحجة الساطعة لم تتوافرا في قتل الداعية “أبو عمر”، ولم يقم عليه “الحدّ”، بل قُتل “تعزيراً”. فائض العنف لدى “داعش”، لا يحتاج في تحققه إلى إثبات الجناية أو المعصية، بل هو متدفق، شديد الإنسياب، يبحث عن إمكان وجوده في المتاح حوله. فالأساسي لدى التنظيم، هو تحويل حياة المجتمعات البشرية الخاضعة لسيطرته، إلى مواضيع للقوانين الشرعية؛ قوننتها، إخضاعها لرؤيته الأحادية، شديدة التسامي عما حولها، والتشكك في مثيلاتها. أي تثبيت الزمن عند لحظة النزول للتشريع الإسلامي “المتخيل”، وطيّ المجتمع الراهن ضمنها؛ ابتلاع المكون البشري، لصالح المكون العقائدي، واشتراطه الزمني. وفي هذا يكمن كامل إبداع التنظيم، ونقص مخيلته؛ شموليته المميتة محمولة على قسر الرؤية، حدّ الإعتام.

المدن

 

 

 

 

كيف يستخدم تنظيم داعش النفط السوري لتمويل حملته؟

عمان – رويترز: في حقل نفط في شمال شرق سوريا يصطف طابور من الشاحنات كل يوم لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو الدولة الإسلامية (داعش سابقا)، الذين استولوا على بعض أجزاء صناعة النفط في البلاد في سعيهم لإقامة دولة الخلافة.

والمبيعات في حقل الشدادي، كما يصفها تاجر نفط، هي مجرد مثال واحد على كيف يسعى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على أراض في سوريا التي تمزقها الحرب وفي العراق المجاور، إلى إقامة اقتصاد خاص به من خلال سلسلة من الصفقات والمعاملات النفعية.

فهو يبرم صفقات مع تجار ومشترين محليين، وحتى مع رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد. وبعض النفط الذي يبيعونه يجد طريقه مرة أخرى إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء.

وقال أحد مديري النفط الغربيين السابقين، الذي عمل في شركة نفط أجنبية لها عمليات في سوريا قبل الأزمة وعلى دراية بسوق النفط الوليدة، ان الدولة الإسلامية تربح ما لا يقل عن مليوني دولار كل يوم، وهو ما يتيح لها دفع الرواتب والاستمرار في عملياتها.

وتقول الولايات المتحدة، التي شنت غارات جوية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، انها مستعدة لتوسيع حملتها لتشمل سوريا التي تعصف بها حرب أهلية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وقالت إنها ستقوم بتدريب 5000 من مقاتلي المعارضة السورية ليتصدوا للتنظيم.

غير أن مبيعات النفط تعني أن الدولة الإسلامية – وهي جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة- يمكنها أن تقلل اعتمادها على التبرعات الخارجية وأن تجتذب المزيد من المجندين في صفوف مقاتليها والأنصار بفضل ثروتها الجديدة، وهو أمر قد يزيد من صعوبة القضاء عليها في سوريا.

وقد استولت الدولة الإسلامية على حقول نفط من مقاتلين للمعارضة السورية يدعمهم الغرب، ومن القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة. ويعتقد انها تسيطر على مئات الآبار الأمر الذي يحرم حكومة الأسد من مصدر رئيسي للدخل.

وتقول دمشق أن إنتاج سوريا من النفط هبط إلى 28 ألف برميل يوميا في المتوسط في عام 2013 من 164 ألف برميل يوميا في عام 2012. وكانت مبيعات النفط تدر قرابة ربع عائدات الدولة قبل الحرب. وتقول الحكومة انها خسرت 3.8 مليار دولار من جراء سرقة النفط.

وعززت الدولة الإسلامية قوتها بفضل ما استولت عليه من أسلحة في العراق المجاور، وأحكمت قبضتها على منطقة دير الزور الشرقية المنتجة للنفط في الأشهر الأخيرة، واقتربت من الشمال الشرقي حيث تسيطر ميليشيات كردية على أكبر حقول النفط.

وتذهب التقديرات إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه، وذلك حسب ما قاله مهندس نفط رفيع يعمل الآن في دمشق.

وكان نصف إنتاج سوريا قبل الحرب، والبالغ 380 ألف برميل يوميا في عام 2011، يوجد في محافظة الحسكة التي سيطر عليها الأكراد في منتصف عام 2012، مع انتقال قوات الأسد غربا لقتال المعارضين السنة في حلب.

وإذا حدث في نهاية المطاف أن سقطت الحسكة في أيدي الدولة الإسلامية فإن التنظيم سيكون له السيطرة على كل منشآت البلاد النفطية تقريبا.

ومهما يكن من أمر فإن التنظيم لم يستطع بعد استغلال الحقول التي يسيطر عليها بالفعل استغلالا كاملا بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. والحقول الرئيسية التي يسيطر عليها -الشدادي والعمر والتنك وورد- كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية.

غير أن شركات “رويال داتش شل” و”توتال” و”بترو كندا” غادرت المنطقة منذ وقت طويل، الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحديا رهيبا.

وقال مدير نفط سابق يعمل في شركة أجنبية “الكثير من الحقول أغلقت والشركات الأجنبية انسحبت والمعدات نهبها مقاتلو المعارضة الذين أفرغوا المستودعات.”

ولم يبق في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية إلا القليل من الأفراد ذوي الخبرة الفنية. وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بقي الكثير من الموظفين، وما زال بعضهم يتلقى راتبه من وزارة النفط في دمشق.

-التجارة مع العدو:

ونظرا لافتقار الدولة الإسلامية إلى الخبرة في استخراج النفط وتكريره فإن معظم دخلها من هذا القطاع يجيء من مبيعات مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين ومتربحين وتجار نفط.

وهم يعيدون بيع الخام الخفيف في معظمه لمصاف في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا. وقد تمكنوا من جذب مجموعة من العملاء من خلال البيع بسعر يبلغ في المتوسط 18 دولارا للبرميل.

وقال تجار سوريون على الحدود ان بعض النفط الخام يباع لمهربي وقود ينقلونه إلى تركيا، لكن الكميات صغيرة بسبب تشديد القيود على الحدود.

ونشأت سوق محلية بنشاط تكريري يقدر بملايين الدولارات، لكنها تعمل وفق كل حالة على حدة. ويجلب مستثمرون محليون مصافي مؤقتة صينية وتركية الصنع عبر تركيا بعضها يعالج ما بين 500 و1000 برميل يوميا.

ثم يباع الإنتاج إلى تجار جملة وتجزئة في مراكز لتجارة الوقود عبر عدد من البلدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشمال غرب سوريا وشرقها. وتتراوح أسعار النفط المكرر بين 50 و60 دولارا للبرميل وهو ما يزيد ثلاث مرات تقريبا عن سعر النفط الخام.

ويباع لتر البنزين الناتج من هذا الخام المكرر محليا بحوالي نصف دولار، أي بثلث سعر البنزين ذي النوعية الجيدة الذي يباع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وفق ما قاله تجار نفط في إدلب بغرب سوريا.

وفي بلد أفرز الصراع فيه تناقضات كثيرة ورفاق درب كان التضاد سمة بينهم، يسعى التجار الذين لهم صلات بجانبي الصراع لجني أرباح طائلة من خلال إعادة بيع الوقود في مناطق الحكومة.

من بين مشتري النفط الخام – سواء بشكل مباشر أم غير مباشر- رجال أعمال قريبون من دائرة الأسد المقربة.

ومحركهم الأساسي هو هامش الربح الكبير، حسبما قال وسيط يدير شبكة من سيارات الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى اللاذقية حيث ينتشر الدعم للأسد على الساحل الغربي.

ولا يخلو الأمر من ترتيبات ضمنية بين الدولة الإسلامية ومسؤولي الحكومة في بعض المناطق، لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها.

قال سمير العيطة، وهو اقتصادي سوري يقيم في الخارج “هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية. هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة. والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض مازالت تتبادل الخدمات والمساومات.”

ويقول تجار نفط إن الدولة الإسلامية بعد أن سيطرت على آبار نفطية مازالت تحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سوريا إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.

وقال مدير تنفيذي كردي يعمل في القامشلي طلب عدم نشر اسمه “يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير” خط الأنابيب.

وذكر رجل أعمال مقيم في دمشق على دراية بمجريات الأمور في سوق النفط المحلية أن تجارا ممن يشترون النفط الخام من الدولة الإسلامية ووسطاء معروفين يعملون نيابة عن رجال أعمال بارزين موالين للحكومة اشتروا كميات كبيرة من النفط في الشهور الأخيرة.

وتابع قائلا “هي تجارة رائجة لرجال أعمال هم أساسا من المتربحين من الحرب الذين يمكنهم أيضا أن يجدوا مشترين في أي وقت وبسعر مناسب.”

 

 

 

هكذا دخلت “داعش” إلى الفيحاء فمن يُخرجها وبأي تكلفة؟ طرابلس تستعيد زمن “دولة المطلوبين” وما أشبه 1974 باليوم/ مصطفى العويك

منذ حوالى شهر أعادت جريدة “التمدن” الطرابلسية نشر ملف صحافي قديم عن طرابلس قبل الحرب الاهلية تحت عنوان: “دولة المطلوبين” في طرابلس سنة 1974″، في اشارة تذكيرية الى ما سمي آنذاك بـ”دولة المطلوبين” التي نشأت داخل الاسواق القديمة بزعامة أحمد خالد المحمد المعروف بـ”القدور” ومعه مجموعة كبيرة من الشباب المتواري عن أنظار الدولة والمطلوب بمذكرات توقيف عدة. وكتبت “التمدن” في مقدمة الموضوع: انها طرابلس وعلاقتها الملتبسة بالدولة، منذ نشوء الجمهورية اللبنانية عندما صار العصيان جزءاً من هويتها وصارت المدينة بدورها صندوق بريد سياسياً او أمنياً يستخدمه من يستغلون مشاعر الرفض والحرمان”، واضافت: “وما اشبه ما حدث في منتصف سبعينيات القرن الماضي بما حدث في السنوات الثلاث الماضية في هذه المدينة الصابرة والمظلومة”.

فالمشهد القدوري يتكرر اليوم وان بأساليب واسماء وآليات مختلفة في الشكل متوافقة في المضمون، حتى ان شعار المرحلتين واحد: “أليس في لبنان مطلوبين من غير طرابلس؟ نريد المساواة”، وهو الشعار الذي رفعه القدور سنة 1974، ونحن اليوم في أواخر عام 2014 نقرأ هذه الشعارات واللافتات في كل شوارع المدينة وأزقتها الداخلية، حيث يعتبر الأهالي ان هناك ظلماً عليهم، وان الدولة تكيل بمكيالين.

وان كانت “دولة المطلوبين” لم تكن تعرف بعد تطرفا دينيا ولا فكريا الى حد كبير وواضح، بل ممارسات غير قانونية وجرائم قتل بهدف السرقة والخطف، فإن “دولة المطلوبين في القرن الحادي والعشرين في طرابلس” حملت ايضا العناوين نفسها مع اضافات بسيطة تمثلت بالتشبيح وفرض الخوات والاهم من هذا كله: التطرف الديني المتمثل بمبايعات لتنظيم “داعش” واستهداف للجيش على أيدي اشخاص معروفين بالاسماء والانتماءات من الدولة واجهزتها.

كيف دخلت “داعش” طرابلس؟

تفيد المعلومات التي حصلت عليها “النهار” من مصدر اسلامي مطلع ان أسامة منصور كان يمتلك محلاً لبيع الهواتف الخليوية في التبانة، ويتردد الى المساجد، وقد تعرف الى الداعية الموقوف عمر بكري فستق في مسجد “حربا” في التبانة بعدما عاد بكري الى طرابلس من بريطانيا وفتح له البعض بضغوط رسمية مساجده ليدرس فيها. تقرب منصور من بكري، وفضّله بكري عن كل طلابه وقرّبه اليه، وبدأت معها رحلة منصور في التمويل والتسليح وجذب الشباب. ترك منصور ادارة محل الهواتف لأخيه وتفرغ لعمله الجديد، وبدأ يصعد نجمه شيئا فشيئا، ويقوم بممارسات فيها كثير من الاستقواء والتهوّر والتسلّط، والأخطر انه بدأ يحرض ضد الجيش اللبناني تمهيدا لاستهدافه، عند ذلك اجتمع عدد من المشايخ وشخصيات المنطقة واتفقوا على ان يلتقوا عمر بكري ليطلبوا منه ان يقنع منصور بتغيير سلوكه وعدم استهداف الجيش، وخصوصاً انه لا يصغي إليهم ويعاملهم بطريقة تنم عن قلة احترام واللامبالاة. وبسبب الاحداث الامنية المتسارعة آنذاك لم يتمكن الوفد من لقاء بكري الذي كان كثير التنقل، الى ان وُضعت الخطة الامنية وتم اعتقاله.

وكان القريبون من منصور يؤكدون انه لا يأتي بأي حركة او او موقف الا بعد استشارة بكري الذي كان “أميره”، الذي مده بالمال والسلاح وهيأه ليكون “أميرا” ميدانيا يتولى الاعمال العسكرية التي تطلب منه، فصار لمنصور مجموعة مسلحة قوامها 50 مسلحا مدججين بالسلاح والعتاد من ضمنه قناصات متطوّرة وحديثة ومناظير ليلية، حتى ان كلفة تسليح كل شاب من مجموعته بلغت ما يفوق 15 الف دولار اميركي.

في الاثناء اي منذ حوالى سنتين أرسل تنظيم “الدولة الاسلامية” بالتنسيق مع عمر بكري “أميرا” الى طرابلس، يعتقد انه يمني الجنسية يكنى بـ”ابو عمر المهاجر”، استقبله منصور وقدم اليه كل سبل المساعدة، وكان الهدف الرئيسي لمجيئه الى طرابلس، تجنيد الشباب لضمهم الى “داعش” ومن ثم ارسالهم الى جبهات القتال، وبعد مضي عام تقريبا على وجوده في طرابلس، خرج شريط فيديو للمدعو “ابو سياف الانصاري” يبايع فيه “داعش” من طرابلس ويعلن تعيين “ابو عمر المهاجر” متحدثا باسم التنظيم في المدينة. عمل المهاجر بسرية تامة واستطاع تجنيد عدد لا بأس به من الشباب المتحمس، وظهر نجاحه بتنفيذ اكثر من خمسة طرابلسيين عمليات تفجير في سوريا والعراق، ونجح ايضا بانشاء مجموعات شبابية في مناطق البحصة وباب الحديد وباب الرمل، والدفتردار والقبة بالاضافة الى مجموعة التبانة. وكان المدعو محمد ايعالي يتولى التنسيق بين هذه المجموعات وايصال الأموال إليها، حتى بلغ عدد هؤلاء جميعا حوالى 300 عنصر مدججين بسلاحهم الكامل، ويبايعون أميراً لم تعرف هويته بعد، ويعود الفضل الأساس في اقامة هذه المجموعات وتسليحها وتمويلها الى عمر بكري الذي يعتبر اول من ادخل الفكر الداعشي الى طرابلس والشمال.

ماذا عن الجو البشري المحيط بأماكن وجود هؤلاء؟ تقول شخصية من التبانة ممن عاشوا مرحلة الزعيم التاريخي للمنطقة “أبو عربي” بان هؤلاء “يتبعون تقية واضحة في كلامهم، فهم يعلمون ان الجو السني العام لا يقبل بالفكر الداعشي التكفيري الذي يستسهل الذبح والقتل، لذلك يشيعون بينهم وبين من يلتقونه انهم مع “جبهة النصرة”، التي تلقى قبولا عند كثير من أهل السنة لانها لم تمارس الذبح والقتل وترفض ممارسات “داعش” وأفعالها، لكن الاهالي والمشايخ يعلمون انهم يكذبون”، ويضيف: “ما يثنيا عن مواجهتهم انهم يشكلون خطراً حقيقياً على المنطقة التي يتمركزون فيها، لما يمتلكون من مال وسلاح، والصدام معهم يؤدي الى مجازر حقيقية بينهم وبين الأهالي”، وتضيف الشخصية ان “علامات استفهام كثيرة تدور حول هؤلاء، من سمح لهم بأن يتسلحوا؟ ألم تعلم الأجهزة الأمنية بذلك؟ لماذا لم تبادر الى مطاردتهم واعتقالهم؟ ومن أظهرهم في هذا التوقيت بالذات على الساحة ولأي اغراض؟” ليختم بخلاصة: “نحن شركاء في تحمل المسؤولية لاننا سمحنا لهم بأن يكبروا امام اعيننا ولم نتصد لهم في بداية تشكلهم، واليوم باتت ضريبة التصدي لهم مرتفعة جدا لا بل كارثية”.

فهل يتكرر مشهد “دولة المطلوبين” وما رافقه من دخول للقوى الامنية إلى الاسواق الداخلية وخوض معارك حقيقية مع المطلوبين، فتكون التكلفة دماء وفوضى وخراباً، أم ان السياسة قد تدخل على الخط وتجري تسوية معينة تسحب فتيل التفجير؟ وفي الحالتين من يجرؤ على ذلك؟

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى