صفحات الثقافة

أبو نضّارة: سوريا الأخرى صورةً وضميراً/ روي ديب

 

 

المجموعة التي تأسست عام ٢٠١٠ على يد سينمائيين مجهولين، ولدت من رحم المجتمع السوري، لا تسيرها أموال البترول، ولا خطط الغرب، ولا أصولية تكفيرية. مساء اليوم، نحن على لقاء مع أحد أعضائها في فضاء «أشكال ألوان»

الليلة، يستقبل فضاء «أشكال ألوان» نقاشاً بين شريف كيوان الناطق باسم مجموعة «أبو نضارة» السورية، والمخرجة رانيا إسطفان حول الدور الذي قد يلعبه مخرجو الأفلام الوثائقية في تقديم شهادة عن الحاضر في ظل العنف المسيطر. كما سيتخلل اللقاء عرض لبعض أفلام مجموعة «أبو نضارة».

تأسست «أبو نضارة» عام ٢٠١٠ على يد سينمائيين سوريين أبقوا هويّتهم مغفلة. منذ اليوم الأول للانتفاضة السورية، عملت المجموعة على تظهير التنوع والتعقيدات في المجتمع السوري بمختلف أطيافه، بعيداً من اختزال الصورة التي قدمها الخطاب المتطرّف في كلا الخندقين الموالي والمعارض. في نص «تسقط عاصمة الثورة» الذي نشرته المجموعة أخيراً على فايسبوك تعيد تأكيد أنّ هدفها هو إنتاج «صورة مغايرة، متنوعة، جذرية، عصية على قانون الفرجة والأطر مسبقة الصنع». في رصيد «أبو نضارة» اليوم أكثر من ٢٤٥ فيديو، وأفلام قصيرة وثائقية جديدة تقدم كل أسبوع، وتتخللها مقابلات مع مختلف أفراد المجتمع السوري من الموالي إلى المعارض والثوري والعسكري والمحارب وحتى القنّاص. في تلك الفيديوهات، تهدف المجموعة إلى تظهير تنوّع المجتمع السوري عبر ميوله وآرائه، والأهم هو الابتعاد عن إنتاج صورة تبسيطية للأفراد تحصرهم في خانات ضيقة وسطحية. لا بل تحرص المجموعة في ما تنتجه على تصوير الأفراد بتعقيداتهم ومشاعرهم وآرائهم، كما هم في الواقع.

بعد مرور ثلاث سنوات على البدايات السلمية للانتفاضة التي صارت تعرف لاحقاً بـ«الثورة السوريّة»، وبعدما نجح الإعلام المهيمن في تبسيط الصراع واختزاله، بات وجود مجموعة مثل «أبو نضارة» أكثر من ضروري. هي ما زالت تطالب بالثورة السلمية، وبحقّ الاعتراض على نظام ديكتاتوري يقمع ويعتقل ويقتل، وترفض احتكار «الثورة في حفنة من الإرهابيين الذين لا يمتّون إلى المجتمع السوري بصلة. «أبو نضارة» تقول لنا إن في سوريا أفراداً متنوّعين، يطالبون حتى اليوم سلميّاً بالـ«حرّية وكرامة».

في حوارنا مع شريف كيوان، يصف الوضع في سوريا اليوم بالمأساوي بعد «إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً للجمهورية السورية، ثم تلك المهزلة التي تدّعي الخلافة وتأسيس الدولة الإسلامية». بين هذين النقيضين، مساحة واسعة لأفراد يرفضون أن يتحكّم فرد ــ أيّاً كان ــ بمصير حياتهم. أفراد غضّ الإعلام الرسمي النظر عنهم لأنّ صوت الرصاص والذبح والقتل طغى على صوت مطالبهم السلميّة. تلك هي المجموعة التي تعمل «أبو نضارة» على إيصال صوتها إلى المجتمع السوري والعالم. كما أنّ المجموعة على يقين بأنّ لا مجال لرؤية المستقبل من دون مشاركة جميع أطياف المجتمع السوري في بنائه، على قاعدة المساواة والعدالة. في أحد فيديوهات المجموعة، تقول مرسيل: «كان سهلاً جداً أن أحقد إلى الأبد على الذين قتلوا والدتي، لكنني اخترت الطريق الأصعب، أن أحاول أن أتفهّم أنهم هم أيضاً ضحايا كي لا أخسر إنسانيتي». مرسيل كآخرين كثر رفضوا أن يستسلموا للحرب، وأن يتحكم العنف والقتل والحقد بهم وبخياراتهم، وما زالوا حتى اليوم يقاومون قمع النظام وتخلف الأصوليين. من أفواه وأفعال هؤلاء السلميين واللاطائفيين، لا يمكن أن تسرق الثورة، ولا يموت حقّ. في مقابلة أخرى مع قناص، وبعد تعبيره عن عدم قدرته على إحصاء أعداد ضحاياه بسبب كثرتهم، يقول للكاميرا «بكيت حين علمت أن الجنين في رحم زوجتي توفيَ، لأنني إنسان في نهاية الأمر». ذلك القناص وغيره ممن قتلوا وذبحوا من الطرفين التقتطهم أيضاً كاميرا «أبو نضارة»، ليس ترويجاً للدم، ولا للمتاجرة بأشلاء الضحايا، بل كي لا يُختصر هؤلاء بصفة أو بفعل واحد.

في فيديوهاتها، تبتعد المجموعة من القدح والذم تجاه أي جهة، إيماناً منها بأنّ مضاعفة العنف لن توصل يوماً إلى الحلّ، فمصير السوريين هو التعايش في بلد واحد حيث لا يستأثر فيه أي طرف بالسلطة. كذلك، تقاوم المجموعة عبر فيديوهاتها الأشخاص والأماكن الذين يعملون على احتكار السلطة. ومن هنا كان قرار إبقاء أفراد المجموعة مجهولين وموزّعين في أرجاء الأراضي السورية لأسباب أمنيّة طبعاً. إنّهم فنّانو الظل الشباب الذين لا يبحثون عن سلطة أو شهرة شخصية، لذا تتجلّى مجموعتهم في كل فرد، وكل مكان.

تستند المجموعة في مقاربتها الفنية إلى تجارب سابقة كتلك التي ظهرت في فرنسا عقب الثورة الطلابية في الـ ٦٨، وأعمال المخرج الأميركي صموئيل فولر (المذبحة والسينما والمستحيل). وتواصل إنتاج الأفلام القصيرة من دون تمويل أو دعم خارجي، على قاعدة العمل التطوّعي. ومن آخر انتاجاتها شريط وثائقي طويل تحت عنوان «سوريا: يوميات الزمن الحاضر» الذي حلّ في بيروت ضيفاً على «أشغال داخلية» من تنظيم جمعية «أشكال ألوان»، كذلك عرض في مهرجانات في أوروبا، وعلى قناة «أرتي» الفرنسية الألمانية.

اليوم أكثر من أي وقت، تزداد الحاجة في سوريا إلى من يوصل صوت هؤلاء الرافضين لديكتاتورية النظام وتخلف الأصوليين. «أبو نضارة» ولدت من رحم المجتمع السوري، لا تسيرها أموال البترول، ولا خطط الغرب في زعزعة المنطقة وتقسيمها، ولا أصولية دينية تكفيرية دخيلة على المجتمع السوري. «أبو نضارة» تعكس بالصورة والصوت خياراً واضحاً وهادئاً ومسؤولاً يحمله أفراد ما زالوا يطالبون بأبسط الحقوق: الحرية والكرامة في مواجهة الاستبداد السياسي. إذا كان مشروع المطالبة بالتغيير مستمرّاً في سوريا، فالمؤكّد أن أفراد «أبو نضّارة» عيّنة أمينة عن النخب التي تحمل تطلّعات تلك الثورة.

www.abounaddara.com

الاخبار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى