صفحات العالم

سلمية الثورات الشعبية…خيار لا بديل عنه

 



سامي حسن

في مقاله «التحرير اللاعنفي المعكوس.. العودة إلى فلسطين» الذي نشرته صحيفة «السفير»، على حلقتين ( 6/5 و9/5) خلص الأستاذ وليد صليبي إلى ضرورة اعتماد الشعوب العربية على أشكال النضال السلمي من أجل تحقيق أهدافها. فإذا كان الأستاذ صليبي، قد ركز في مقاله على أهمية النضال السلمي، اللاعنفي، من أجل التحرير، والعودة إلى فلسطين، مبيناً ميزاته ونقاط قوته والاستراتيجيات وآليات التطبيق وخطوات العمل الكفيلة بتحقيق الهدف، فإننا، هنا، سنحاول التعمق في ما أشار له من أهمية اعتماد ذلك الأسلوب من قبل الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية. نعم، لقد بينت التجربتان، التونسية والمصرية، أن اتباع الأسلوب السلمي المدني كان السبب الرئيسي وراء نجاحهما، وهو النجاح الذي يبدو أننا على موعد قريب معه بالنسبة للتجربة اليمنية. بينما أدى الصراع المسلح الذي نجح العقيد القذافي في جر الليبيين إليه، إلى نتائج سلبية، لعل أهمها، إطالة عمر النظام، وارتفاع عدد الضحايا، وتدمير المنشآت الحيوية، وإجبار الشعب الليبي، نتيجة لجرائم النظام وهمجيته، على طلب التدخل العسكري الدولي بليبيا. وعليه، يمكن القول، إن تجنب الصراع المسلح، هو من أهم الدروس التي يمكن أن تقدمه الثورة الليبية الراهنة. فهناك أسباب عديدة تدفع للتأكيد على ضرورة تبني الثورات والانتفاضات الشعبية للخيار السلمي، بل واعتباره، خياراً وحيداً لا ثاني له، نذكر منها:

1- أنه يسحب البساط من تحت الأنظمة، ويجردها من السلاح الأهم الذي تمتلكه، ألا وهو العنف بأشكاله المتعددة، وتحديداً المسلح منه. فانطلاقاً من حقيقة أن الأنظمة المستبدة هي من يمتلك أجهزة القمع والأسلحة بأنواعها، فإنه، وفي حساب موازين القوى بين الطرفين المتصارعين، النظام وشعبه، يبدو واضحاً ميل الكفة لصالح النظام في حال أخذ الصراع طابعاً عنفياً مسلحاً. ولأن هذه النتيجة بديهية ومعروفة سلفاً، تصر تلك الأنظمة على جر شعوبها إلى هذا الشكل من الصراع. من هنا، فإن أحد أهم شروط نجاح الشعوب في ثوراتها على أنظمتها، هو مدى قدرتها على ضبط النفس وعدم الانجرار لذلك الشكل من الصراع، ومدى نجاح الحركات الاحتجاجية والثورات في تحويل هذا الخطاب السلمي، نظرياً وعملياً، إلى خطاب سائد ووحيد في المجتمع.

2- لا شك أن مبدأ الكلفة والمردود، هو مبدأ صحيح في الثورات. وعليه، ولما كانت، أعداد الضحايا، الذين سيسقطون في حال اعتماد هذا الأسلوب هو اقل بكثير منه في حال اللجوء للعنف. إن هذه النتيجة هي هدف بحد ذاته، ناهيك عن أن ذلك سيدفع غالبية المجتمع للانخراط في الثورة، ليس لأن التكلفة قليلة، وحسب، بل لأن المشاركة في هذا النوع من الثورات السلمية لا تتطلب خبرات خاصة، كما في حالة الصراعات المسلحة التي تتطلب التدريب والاحتراف، ما يؤدي إلى اقتصار المشاركة في الثورة على أعداد قليلة، وتحييد غالبية أفراد المجتمع، وهدر طاقاتهم وعدم الاستفادة منهم، وتحويلهم إلى مجرد متفرجين.

3- إن كسب تأييد الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، هو من العناصر الهامة لانتصار الثورات، لا سيما في ظل ثورة الاتصالات، التي جاءت لتعطي ذلك العنصر أهمية نوعية. وقد بات واضحاً، أن سلمية ثورات الشعوب ومدنيتها، وتفوقها الأخلاقي، في مقابل عنف الأنظمة ووحشيتها، هي من أهم شروط كسب تأييد الرأي العام.

أخيراً، تشير تجارب الثورات الشعبية التي انتصرت، ومنها ثورتا تونس ومصر، على أن النجاح في التخلص من الأنظمة المستبدة، أي انتصار الثورة، لا يعني أن أهداف الثورة الشعبية قد أنجزت. فتحقيق ذلك، ربما، يحتاج لثورات وثورات. لذلك فإن طبيعة الثورة الشعبية والأساليب التي اتبعتها، من أجل التخلص من نظامها الاستبدادي، سوف تفرض نفسها لاحقاً، على طبيعة الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي. من هنا أهمية، أن يطبع اللا عنف نفسه، كأسلوب وحيد في مرحلتي ما قبل انتصار الثورة وما بعدها.

([) كاتب فلسطيني

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى