صفحات العالم

مقالات تناولت صفقة تبادل الاسرى اللبنانيين

صفقة التبادل إذ تعلن موت بلد بسلطته ومعارضته/ حازم الأمين

أتاحت صفقة مبادلة اللبنانيين المخطوفين في بلدة أعزاز في شمال سورية بالطيارَيْن التركيَّيْن المخطوفين في بيروت كشف الوضع السوري على نحو مأسوي غير مسبوق. فسورية كانت غائبة عن الصفقة، على رغم شملها ثمانين معتقلة سورية في سجون النظام. لا بل إن شمل التبادل السوريات المعتقلات ضاعف الغياب والامحاء السوري.

لا سورية في مفاوضات التبادل. لا معارضة ولا نظام. لقد نصت الصفقة على الإفراج عن اللبنانيين في أعزاز في مقابل الإفراج عن الطيارين التركيين. وفي ملحق خاص شملت الصفقة المعتقلات في سجون النظام.

الصفعة مزدوجة، فهي شطبت وجهي النظام والمعارضة في آن. النظام الذي أفرج عن مواطنات سوريات ليُحرِّر مخطوفين لبنانيين، والمعارضة التي عجزت عن مخاطبة اللبنانيين عبر دور لها في فك أسر مواطنيهم المخطوفين عند عصابة مسلحة تقيم في مناطق نفوذ المعارضة!

لا سورية في الصفقة. فقد تولت كل من أنقرة والدوحة مفاوضة الخاطفين السوريين، فيما تولى المدير العام للأمن العام اللبناني التواصل مع النظام السوري، ومع الخاطفين اللبنانيين. أما الأسيرات السوريات في سجون النظام فقال الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله إنه أخذ على عاتقه «الشخصي» قضيتهن.

للتفصيل الأخير دوره في رسم المأساة السورية. فهو مؤشر الى أن النظام في دمشق انتهى أيضاً، وكف عن الادعاء أن في وسعه أخذ أسيرات في سجونه على عاتقه. أهدى النظام هذه الطاقة إلى نصرالله، مثلما كان أهداه القتال في مدينة القصير، وحماية مقام السيدة زينب في دمشق. فـ «حزب الله» لا يقاتل في سورية دفاعاً عن النظام، بل لأنه حل بقتاله هناك محل النظام. صار صاحب الأمر في دمشق، وصار النظام ملتزماً ببرنامجه. ليس «حزب الله» في هذه الحالة هو الحزب اللبناني الذي سبق للنظام في دمشق أن أدّبه في بيروت أواسط الثمانينات. «حزب الله» في سورية هو طهران، وهو الفرع اللبناني لـ «الحرس الثوري» الإيراني، وهو أحد الألوية المتعددة الجنسية التي أوفدها قاسم سليماني إلى دمشق.

واذا كان «حزب الله» قد أعطي حق أخذ الأسيرات السوريات «على عاتقه»، فإن المعارضة السورية لم تُعط شيئاً في عملية التبادل. لقد تعاملت أنقرة والدوحة مباشرة مع الخاطفين بصفتهم عصابة مافيا غير موصولة بوضع سياسي وميداني على أرض سورية. تسرّبت أخبار عن أموال دُفعت للخاطفين، ولم يُطلب من الهيئات «الرسمية» في المعارضة جداول بأسماء أسيرات. كانت المسألة مفاوضات بين طهران والدوحة وأنقرة، وكانت استجابة لطلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد التدخل لإنهاء المأساة.

هذا المشهد السوري القاتم ينسحب على الواقع كله. فقد جرى تهميش الوظيفة السورية للصراع هناك لمصلحة وظائف أخرى بدأت تتكشف. النظام في دمشق صار أضعف من «حزب الله»، وصارت للأخير طاقة على تحرير الأسرى السوريين من سجونه، وما قول نصرالله إنه أخذ قضية السجينات على عاتقه إلا من باب مكاشفة السوريين بأنه هو، وليس النظام، من عليهم أن يتوجهوا إليه في ضائقاتهم مع نظامهم الجائر. وهو مَن يُحرر الأسرى، وعلى رغم تهجيره سكان مدينة القصير، هو مَن يُوزع المساعدات على اللاجئين بصمت ودأب وتصميم.

مات النظام في سورية. بشار الأسد يُطلق مواطنات سوريات من السجون ليس لأنهن أُسِرن جوراً، وليس لأنه أصدر عفواً خاصاً، انما ليُنجح صفقة تبادل عقدها «حزب الله» مع الدوحة وأنقرة.

ومثلما كشفت الصفقة عن موت النظام، كشفت أيضاً عن موت المعارضة التي يُفترض أن تكون مسؤولة عن حوالى مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان. وهؤلاء كانوا بأمسّ الحاجة لأن تُخاطِب معارضتهم الحكومة اللبنانية بخطوة الإفراج عن المخطوفين ومبادلتهم بحقوق اللاجئين، لا بطيارَيْن تركيين خطفا بعد إخفاقات متتالية في مساعي الإفراج عن مخطوفي أعزاز.

في لقاء تلفزيوني حديث العهد قال الرئيس السوري إنه ذاهب الى «جنيف2» لمفاوضة الدول التي تقف خلف فصائل المعارضة، لا لمفاوضة المعارضة. ينطوي هذا الكلام على عجرفة سياسية مستمدة من تاريخ بعثي طويل في نفي وإلغاء وقتل كل من هم خارج عباءة النظام. لكن أنقرة والدوحة استجابتا سريعاً لكلام بشار الأسد. أخرجتا المعارضة من واقعة سياسية وأمنية مؤسسة للعلاقة بين دول الجوار وبين الواقع السوري. قالتا للبنان ولـ «حزب الله» ومن خلفه ايران: «في سورية الأمر لنا»، ولم تجدا لدى فصائل المعارضة حساسية وطنية يستفزها هذا القول. لم يصدر تصريح واحد من الأطراف السورية المعارضة يُعلن ضيقه بما جرى.

وعلى الطرف الآخر من معادلة الوهن السوري، أعلن حسن نصرالله إخراج النظام من مهمته البديهية المتمثلة بشمل المواطنين بعفو الرئيس. قال إنه سيتم الإفراج عن السجينات لأنه أخذهن على عاتقه. وكان قبل ذلك أعلن أنه سيقاتل في سورية من دون أن يراعي ما قد يعني إعلانه هذا، أي الانتقال من الدفاع عن النظام الى الحلول محله في إدارة الحرب وفي إدارة سورية ذاتها.

يُلخص هذا الواقع الحال الذي سيتوجه السوريون الى «جنيف2» وفقه. فإذا كان بشار سيفاوض هناك دولاً، وليس قوى المعارضة، فإن الأخيرة ستجد نفسها في مواجهة طهران كمفاوض وكصاحب الأمر الفصل في التنازل وفي الالتزام، وفي أخذ القضايا العالقة «على عاتقه».

ربما يجيبنا معارض سوري بأن سورية الداخل لم تكن يوماً جزءاً من معادلة النظام البعثي، وان الإقليم كان متقدماً دائماً على مصالح السوريين، وبهذا المعنى لا شيء جديداً اذا انتقلت إدارة المأساة السورية من حزب «البعث» الى «الحرس الثوري» الإيراني. هذا الكلام سيكون صحيحاً اذا استبعدنا حقيقتين، الأولى أن سورية دفعت حوالى 200 ألف قتيل لتخرج من هذا الواقع، والثانية أن «البعث» سوري على رغم جوره، أما «الحرس الثوري» فهو من بلد لا حدود له مع سورية.

الحياة

من هن السجينات؟/ ساطع نور الدين

 من هن السجينات السوريات؟

بصعوبة شديدة جرى التحقق من رقمهن التقريبي، اما الاسماء والاعمار والعلامات الفارقة والانتماءات السياسية فقد ظلت طي الكتمان، تحجبها الاحتفالات التي عمت في بيروت بعودة مخطوفي اعزاز التسعة، وفي انقره بتحرير الطيارين التركيين، وفي الدوحة بعودة الدبلوماسية القطرية الى سابق عهدها، وفي رام الله بتوسع الدور الفلسطيني التقليدي في تبادل الاسرى.

من هن السجينات السوريات ال130 اللواتي خرجن من المعتقل الى المنفى، من دون ان يكون احد في وداعهن، او ربما في استقبالهن.. من دون ان يكون للحدث السوري اي صدى او حتى اي اهتمام لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة، ولا حتى من ذويهن. كان انتقالهن عبر البوابات الحديدية والاسلاك الشائكة تفصيلا بسيطا في أزمة طاحنة لشعب كامل لا يسعه الاحتفاء بتحرير معتقلاته، اللواتي قد لا توزع صورهن لانهن اليوم في محطة تركية مؤقتة، بعيدا عن الزوج او الشقيق او الحبيب.

بقاؤهن في الظل كان مثيرا للحشرية بقدر ما كان مثيرا للشفقة على سوريا كلها بنظامها ومعارضتها ، برجالها ونسائها، الذين كان غيابهم القصري عن المشهد معبرا عن هول المأساة وعمقها :

لم يكن النظام، الذي اعتقل من شعبه اعدادا لا تحصى ولا تقدر باقل من مئات الالاف، ليعترف اصلا بان لديه معتقلات ارسلن الى الزنزانات من دون محاكمة ولا احكام طبعا، ولم يكن يريد حتما ان يجبر على اطلاق سراحهن او حتى على ان يكون طرفا في مثل هذه الصفقة الخاسرة التي لم يحصل منها سوى على رضا لبناني حاصل اصلا، ولا يمكن استثماره خارج بيئته الخاصة.

لم تكن المعارضة، التي فشلت فشلا ذريعا في اطلاق المخطوفين اللبنانيين او سواهم ممن تقطعت بهم السبل السورية، او حتى في التأثير على الخاطفين الذين كانوا بمثابة اهانة للثورة، مثلهم مثل الكثير من عصابات الخطف والقتل والسلب التي انتجتها الفوضى، واستفادت من تردي احوال المعارضين وسوء تنظيمهم..لم تكن تلك المعارضة مؤهلة لاستقبال السجينات والاحتفاء بحريتهن والاعلان عن هوياتهن، وعن موعد عودتهن الى ارض الوطن، الى كنف عائلاتهن، او ربما الى جبهات المواجهة مع النظام، اذا ما كن مقاتلات، وليس مجرد فتيات صغيرات او ربات بيوت.

كان صمت النظام اقل وطأة من سكوت المعارضة على تلك الصفقة التي تمت على الارجح بغير علمها، ونتيجة توسل تركي للوساطة القطرية من اجل ضمان الافراج عن الطيارين.. اللذين يبدو انهما كان الحافز الرئيسي لاتمام عملية التبادل التي اقيمت لها افراح في بيروت لامست الخطوط اللبنانية الحمراء، واشهرت ان لبنان باق على خط النار السورية حتى النهاية.

كانت خاتمة سعيدة لمأساة انسانية حقيقية لا تسعد فقط عائلات المخطوفين التسعة وذويهم ومحيطهم المباشر، بل تخرج لبنان كله من نفق مظلم كان يمكن ان يضيع فيه لو كانت طبيعة العودة مختلفة..لكن الشكر الموجه الى النظام السوري على مساهمته في الصفقة، كان محكوما بتجهيل دوره الفعلي، ربما لكي لا يطرح السؤال عن السجينات المسكينات اللواتي حالفهن الحظ بنيل الحرية، وهي بمرتبة الولادة الثانية.

اللامبالاة تجاههن كانت مؤلمة. لم تكن تقتصر على الجانب اللبناني الذي كانت فرحته مبررة. كان لبقية اطراف صفقة التبادل ما هو اهم من مصير سجينات مجهولات، لا يقر النظام بوجودهن اصلا، ولا تعترف المعارضة بدورهن ايضا، ولا يعرف ما اذا كانت عائلاتهن باقية في الداخل ام هي تنتظر في احد مخيمات النزوح السوري التي باتت تغطي مساحة الشرق كله.

من هن هؤلاء ال130 سجينة اللاتي استعدن حريتهن، بلا احتفال او اهتمام.

المدن

متى فك أسر سوريا؟/ امين قمورية

ما جرى السبت الماضي من تبادل لرهائن ومخطوفين بين لبنان وسوريا وتركيا لم يكن عملية عادية، انها صفقة استثنائية فريدة لانها حصلت بين ثلاث دول وتنوعت جنسيات اللاعبين فيها وانتماءاتهم. عملية معقدة تعاملت معها جهات عدة بكل برؤى مختلفة ومن زوايا خاصة بكل منها. النظام السوري ارادها فرصة جديدة لتشويه صورة خصومه في الداخل وتحسين صورته. فصيل معارض خاطف فقد الميدان وهو يبحث عن تعويض او اغراء. حكومة اردوغان وحزبه في لحظة استحقاق انتخابي مفصلي تريد فيه مكسبا سياسيا وشعبيا. قطر تراجع سياستها وتحاول العودة عن رهان خاسر يكاد يفقدها حظوتها المتضخمة. تدخل للسلطة الفلسطينية يأتي من خارج السياق السائد لأسباب لا تزال مجهولة وربما لتعويض غياب قسري عن كل الساحات بما فيها الساحة الفلسطينية. تقاطعت مصالح الجميع ونضجت الطبخة بعدما تضافرت كل عواملها والاغراءات، واستعاد المخطوفون حريتهم. صفقة كان ينقصها لتكتمل اطلاق المطرانين المظلومين. ولكن، على ما يبدو، حالت النكايات السياسية بين دمشق وانقرة دون نهايتها السعيدة. ثمة من يقول ان انقرة ربطت حريتهما باطلاق ضباط استخبارات اتراك معتقلين لدى دمشق وان يفرج عنهما سرا. لكن النظام السوري اصر على افراج علني لإثبات تدخل تركيا الامني والعسكري في الازمة السورية.

طبعاً، تبقى قضية الاسيرات السوريات هي القضية والمأساة، خصوصاً ان من افرج عنهن لسْن سوى قلة قليلة من بريئات اغتصبت حريتهن وهن يقبعن في المعتقلات من دون تهم واضحة. وما ينطبق على السجينات لدى النظام ينطبق على الابرياء الذين فقدوا حريتهم على ايدي فصائل معارضة صارت بممارساتها الفظيعة سر بقاء النظام.

عملية اطلاق تسعة مخطوفين لبنانيين ومخطوفين تركيين وبضع عشرات من المعتقلات السوريات، كانت كلفتها مفاوضات مضنية استمرت نحو 18 شهرا وتدخل دول عدة وتقاطع مصالح وتغير مواقف وانقلاب معطيات وظروف مؤاتية ودفع اموال وتقديم تنازلات للوصول الى صفقة ظلت ناقصة، فكم ستكون كلفة اخراج سوريا كلها من السجن الكبير الذي تعيش فيه منذ سنتين؟ وكم ينبغي ان يمارس من الضغوط على القوى المحلية كي تقبل بتقديم تنازلات؟ وكم تحتاج عملية كهذه الى اغراءات مادية علما ان كلفة التسوية تظل على ضخامتها اقل من كلفة التدمير الجارية؟ والاهم من ذلك، كم يحتاج الامر الى هزات داخلية في دول اقليمية فاعلة كي تقتنع بالتراجع عن اصرارها على فرض التغيير بالقوة او بالجلوس الى طاولة المفاوضات من دون شروط لفك أسر سوريا؟ وكم يحتاج الامر الى لحظة دولية وظروف مؤاتية للتوافق الاقليمي والدولي على السير بالحل السياسي؟

صفقة اعزاز ليست الا عيّنة صغيرة مما يترتب على “جنيف 2” وخلاص سوريا من الشر المستطير الذي سقطت فيه.

النهار

الثمن الحقيقي لصفقة اعزاز/ الياس حرفوش

من عقود مضت كان مشهد كالذي شهده مطار بيروت ليلة السبت يحصل بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، في اطار صفقات التبادل بين الاسرى الفلسطينيين وجنود الاحتلال الاسرائيلي الذين تكون المقاومة قد نجحت في اسرهم او جثث من تمكنت من قتلهم. مشهد مماثل كنا نتابعه كذلك بين اسرائيل والمقاومة اللبنانية في وجه الاحتلال، ايام كانت المقاومة اللبنانية ما تزال تقوم بتلك الوظيفة.

لكن المشهد الاحتفالي الاخير الذي شهده مطار بيروت كان من نوع آخر. وهو يدلل الى مدى الانحدار الذي وصلت اليه حالنا العربية، والى السلوك المذهبي الفاقع الذي بات ملازماً لممارسات النظام السوري. انه تبادل بين مخطوفين لبنانيين ابرياء واسيرات محتجزات (وبريئات ايضاً) لدى النظام السوري، لم تنفع كل وسائل الضغط من ذويهن او من المنظمات الانسانية الدولية لاطلاقهن واعادتهن الى اهلهن. ولم يكن نظام دمشق يخضع لمطلب اطلاقهن الا تحت ضغط الصفقة التي تمت لمبادلة الاسرى اللبنانيين (الذين ينتمون الى طائفة ذلك النظام) بالاسيرات السوريات.

ليس هذا فقط. تأملوا قليلاً القيمة المعنوية التي يقدّر بها النظام السوري اسرى اعزاز، و»التضحية» التي قدمها لاطلاقهم! لو صح ان عدد الاسيرات اللواتي اطلقهن من سجونه هو 128 كما قيل، لافادتنا حسبة بسيطة ان كل اسير لبناني «كلّف» اطلاقه اخراج 15 سجينة من معتقلات النظام. هل يذكّركم ذلك بالاعداد المرتفعة من السجناء الفلسطينيين التي كان يفرج عنها الاسرائيليون مقابل كل فرد من جنودهم؟

ومثل الاسرى الفلسطينيين الذين كانت تحتجزهم اسرائيل في ذلك الزمن الغابر، لم ترتكب اولئك السوريات اي ذنب، سوى المطالبة بالحرية في بلادهن، وبانهاء مهزلة الوراثة السياسية في الجمهورية السورية السعيدة. غير ان تلك المطالبة هي الجريمة بعينها في نظر حاكم دمشق.

من المحزن ان يكون الامر قد وصل الى هذا الحد. لكن… هل كانت هناك وسيلة اخرى للضغط على هذا النظام الذي تفيض سجونه بالمعتقلين، بتهمة مزورة ومن دون تهمة؟ لا شك ان الخطف عمل مدان، في هذه الحالة وفي كل حالة اخرى مماثلة، عندما يتعلق الامر بخطف ابرياء. وخصوصاً ان هؤلاء المخطوفين لا يتحملون المسؤولية عن ارتكابات النظام السوري، ولا تربطهم به سوى رابطة وحيدة هي رابطة الانتماء المذهبي المشترك. لكن الذي تبين في النهاية ان هذه الرابطة وحدها هي التي دفعت هذا النظام (الذي لا يتردد في وصف نفسه بغير الطائفي والعلماني) الى انهاء محنة المخطوفين اللبنانيين في بلدة اعزاز والموافقة على مبادلتهم بالاسيرات من ابناء بلده، اللواتي يقبعن في سجونه من دون تهمة واضحة، سوى التهمة الشهيرة بـ «اضعاف الشعور القومي»، من خلال مطالبتهن باجراء اصلاحات سياسية.

في اجواء الاحتفالات بوصول الاسرى اللبنانيين التسعة الى مطار بيروت، لم ينتبه احد من المحتفلين هناك ان هناك طرفاً آخر في عملية التبادل تلك، هم اولئك الاسيرات السوريات اللواتي كان اطلاقهن هو «الثمن» الذي دفعه النظام في صفقة التبادل. لم ينتبه احد ايضاً الى خطورة الفرز المذهبي الذي كان واضحاً لكل عين. هل كان يمكن تصور ان يوافق نظام دمشق على اطلاق اسرى من سجونه لو كان المخطوفون الذين يبادلهم بهم هم من طائفة او مذهب آخر؟

رغم كل ما يقال عن جهود قطرية وفلسطينية (وحتى ايرانية) لانجاح صفقة التبادل الاخيرة، فان الحقيقة التي نجحت هذه الصفقة في اثباتها لكل عين ترى هي ان النظام السوري لا يعبأ الا بمصير من ينتمون الى طائفته، وان تجاوبه مع مطالب الخاطفين (من المعارضة السورية) الذين احتجزوا الاسرى اللبنانيين لم يكن الا بسبب الانتماء الطائفي لاولئك الاسرى.

اما الحقيقة الاخرى، التي قد تكون مفيدة للمسؤولين اللبنانيين، فهي ان احد هؤلاء المسؤولين استطاع اخيراً التعرف الى مكان اقامة اللواء علي مملوك في دمشق!

لعلّ وعسى!

الحياة

ليل السجينات السوريات/ الياس خوري

احتفلت الضاحية والاعلام اللبناني معها بخروج المخطوفين اللبنانيين التسعة الى الحرية، بعد معاناة طويلة مع احتجاز لا مبرر له في بلدة اعزاز السورية.

ارتفعت اعلام حزب الله وحركة امل الى جانب علم النظام السوري في بئر العبد حيث جرى الاحتفال. لم يتساءل احد عن سبب غياب العلم اللبناني عن المكان، فلقد اعتدنا هذا الغياب من زمان، حين قبلنا ان تتحول بلادنا الى ساحة.

اللافت كان غياب اية معلومات عن الصفقة السياسية التي ادت الى اطلاق سراح المخطوفين. لا يستطيع الاعلام ان يغطي الجانب المالي من الصفقة، فهذا سر معلوم كشفته تصريحات وزير الخارجية القطري، لكن لا ادري سبب التقصير في كشف صفقة التبادل، حيث جرى الحديث عن اطلاق 128 سجينة سورية مقابل اللبنانيين التسعة.

المعلومات التي تسربت تقول ولا تقول، هل اطلق سراح السجينات السوريات واخرجن من بلادهن الى الحدود التركية ام ماذا؟ لا احد يدري في غياب شبه كامل للاعلام او لأية مظاهر احتفالية، على عكس ما جرى في بيروت.

يخرجن من مجهول السجن الى مجهول المنفى، يحيط بهن الصمت والأسى. لم يلتفت احد الى مأساتهن، ولم نعرف اسماءهن، نساء بلا وجوه ولا اسماء، وضحايا لا يعترف لهن بأنهن ضحايا. وهن في ذلك جزء من مأساة شعب صار عشرات الألوف من ابنائه ضحايا الاعتقال التعسفي على ايدي اجهزة تعذيب تفوقت على نفسها في اذلال الناس.

128 امرأة بلا تهمة وضعن في سجون النظام، من ضمن تصوره الوحشي بأن حلّ الأزمة السورية يكون بتشريد الناس وتدمير بيوتهم وقتلهم واعتقالهم.

لا نستطيع لوم النظام الاستبدادي في سورية على هذا الصمت الذي احاط بالسجينات، كما لا نستطيع لوم حليفه الايراني او حزب الله على هذا. فحزب الله نجح في اطلاق مخطوفيه، والنظام السوري ادى بذلك خدمة لظهيره العسكري اللبناني بثمن بخس. فالسجون السورية لا تزال مليئة، كما ان النظام يستطيع اعتقال من يشاء، وهناك ملايين النساء في سورية يستطيع ان يغرف منهن بدائل ساعة يشاء.

اللوم يجب ان يتوجه الى المعارضة السورية اولا. لم يعد السكوت ممكنا على هذا الاستخفاف بالسياسة. خطف اللبنانيين واعتقالهم في اعزاز كان مسخرة. وتسليم القرار العسكري لمهربين قاموا بعملية الاختطاف كان فضيحة. والمقايضات التي جرت خلف الكواليس كانت بهدلة. يجب ان تقال الأمور بشكل واضح، فعندما كتب بعض المثقفين المؤيدين لانتفاضة الشعب السوري ضد عملية الخطف المشينة تلك، جرى تجاهلهم بالكامل من قبل المجلس الوطني، واستمر التجاهل في زمن الائتلاف. واليوم لا احد في هذه المعارضة الكريمة يتصدى لكشف الصفقة، ويتحدث عن السجينات، ويدين هذا التلاعب بالمصير السوري؟

السجينات السوريات اللواتي عانين القهر والمذلة والتعذيب هن وجه سورية الحقيقي اليوم. سورية محجوبة مثلهن، ومهانة معهن، ومنفية الى جانبهن.

منذ اللحظة الاولى للانتفاضة استباح النظام كل المحرمات، وشرّع ابواب سورية للتدخل الخارجي. كان يتهم خصومه بأنهم دعاة هذا التداخل، بينما كان يمارسه سرا وعلنا. لذا لم يتردد في القبول بصفقة الكيماوي، ولم يجد اي حرج في صفقات التبادل التي ابرمها حول الايرانيين المختطفين في الماضي واللبنانيين الذين اطلق سراحهم اليوم. نظام لا يلوي على شيء سوى على بقائه في ابدية السلطة والدم، وكل شيء مباح في سبيل هذه الغاية.

لكن المعارضة السورية، التي راهن بعضها في الماضي على التدخل الخارجي بسذاجة، لم تتنبه الى ان معركتها الاساسية التي لخصتها كلمتي الحرية والكرامة، لا يمكن ان تخاض من دون التأكيد على السيادة الوطنية.

ولعل آخر نماذج انهيار السيادة عند الأطراف السورية كلها، اي النظام ومعارضاته، هو هذه الصفقة التي نسجتها قوى خارجية. كان لا بد من تركيا وقطر وسفارة فلسطين، كي تتم الصفقة، وكان لا بد من نزع كل مظاهر السيادة الوطنية عن المسلحين الذين قاموا بعملية الاختطاف المشينة، كي تنتهي الحكاية بهذا الشكل.

ليس صحيحا ان الثورات لا تُهزم، بل الصحيح انها معرضة للهزيمة وعلى يد ابنائها انفسهم. كيف نفسّر هذا الارتخاء في مفاصل الجيش الحر، امام صعود ‘داعش’ و’النصرة’ وتفريخ جيوش من هنا وهناك، الا بوصفه انتحارا للثورة ونحرا لكل تضحيات السوريات والسوريين.

قد نقول انها قوى خارجية، وان النظام متواطىء وشريك في هذا الصعود، وهذا صحيح. لكن الصحيح ايضا هو ان القيادة السياسية للمعارضة مسؤولة عن هذا التراخي، لأنها عجزت عن القيادة، واستسلمت لقوى ‘الدعم’ العربية، التي كانت تعمل وفق اجندات لا علاقة لها بمشروع الثورة، لأن هذه القوى اسيرة اصوليات نبتت في ظل ايديولياجياتها المهيمنة، وهي عاجزة عن التعامل مع واقع شديد التعقيد كالواقع السوري.

لذا ينكفيء الدعم الخليجي، وينذر بتغيير مساراته، او مسارات بعض اطرافه، ويجد السوريات والسوريون انفسهم وسط الركام، ويكتشفون اليوم انهم لا يزالون وحدهم، كما في اليوم الأول لانطلاق ثورتهم.

سجينات بلا وجوه ولا اسماء، سجينات يختزنّ الأسى في عيونهن، سجينات يرسمن الألم السوري بغربتهن.

سجينات يخرجن من السجن الى السجن، كي يكن شهيدات على هذا الزمن الذي يقوم بتحويل ليل الاستبداد السوري الى ليل من الدم والغربة.

لهن تليق التحية، وبهن يبدأ الكلام.

اطلاق السجينات: الاستبداد السوري والعار العربي!

رأي القدس

أبعدت أجهزة أمن النظام السوري 64 سجينة بينهن لبنانية وثلاث فلسطينيات (اضافة الى 12 جثث لنساء معتقلات قضين تحت التعذيب) بعد اطلاق سراحهن من سجونها حسب ما ذكرت الأنباء أمس.

احدى هؤلاء السجينات هي المدوّنة السورية طلّ الملوحي التي اعتقلت بعمر 18 عاماً بعد ان وجهت رسالة عبر موقع الكتروني للرئيس السوري بشار الأسد لأنه ‘كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري’ مذكرة إياه ‘بما قطعه من وعود’! وكان ذلك عام 2009 أي قبل اندلاع الثورة السورية بعامين.

تختصر قصة طلّ الملوحي حكاية الشعب السوري مع النظام ووحشيته فهي تقول إن اي إشارة توجه للرئيس، حتى لو كانت من شابة صغيرة بعمر الورود، لا يعاقب عليها باحتجاز حريتها فحسب، بل تحطيم أية ذرة من كرامة او حقوق او سمعة الفتاة المعتقلة.

جريمة التعرض الى رمز الطغيان السوري وجبروته الأوحد تستلزم، بحسب حسابات الأجهزة الأمنية الحارسة للنظام، عقوبة من طراز رهيب بحيث يتكرّس الرئيس باعتباره رمز القمع الذي لا تمكن معرفة حدود أقاصي عقابه.

لا يؤمن النظام السوري بعقاب يساوي ‘الجريمة’، فقد استنّ عرفاً هائلاً للعقاب يجاوز التخيّل وجعله مع تدمير مدينة حماة عام 1982 والبطش بأهاليها أمثولته التي ما فتئ يعيدها ويكررها على السوريين حتى عمّمها ليجعل سورية، حسب تصريح للاقتصادي السوري ايمن طباع في مؤتمر بلندن، في وضع أسوأ من وضع المانيا المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية.

بعد اعتقال الفتاة بسبب مناشدتها البريئة للرئيس السوري، قامت أجهزة النظام بالسخرية والتحقير لكل ردود فعل التضامن الدولية معها من خلال اتهامها – وهي فتاة مسلمة ملتزمة ومحجبة – بعلاقة جنسية مع أجنبي وبالتجسس ‘لصالح دولة اجنبية لقاء مبالغ مالية’، وكأن الدول الأجنبية بحاجة لتجسس مدوّنة انترنت شابة وهي القادرة على شراء ذمم كبار المسؤولين!

تثير المرأة التي تواجه الأنظمة المستبدة كوامن الغريزة الوحشية وانحطاطا فظيعاً في الخيالات الجنسية لدى ضباط وعناصر سلطات الاستبداد الأمنية ووسائله الاعلامية – الأمنية، فتقوم باستهداف النساء بصفتهن عناصر تحت – انسانية مخلوقة ليمارس عليها الاضطهاد والقمع الجسدي والجنسي والنفسي.

اشتغلت أجهزة إعلامية تابعة للنظام السوري وأخرى لبنانية وجزائرية وتونسية ومصرية بل وتركية أيضاً على كيل الاساءات وتلفيق القصص التي تسيء الى كرامات السوريات وشرفهن.

وبعد ان تراجع فيض اتهامات الدعارة والحمل الجماعي للاجئات تفتّق العقل الأمني الاعلامي عن خرافة ‘جهاد النكاح’، التي صارت علكة أثيرة ‘يجاهد’ في بذلها وتداولها كل من له ثأر ليس مع السوريات فحسب بل مع الثورات ومفهوم الجهاد الاسلامي أيضاً.

استهداف النظام السوري للنساء فاق حدود البشاعة التي يمكن تخيلها، فقناصته المستأجرون من دول بعيدة، مكلّفون، حسب ما أكد الطبيب البريطاني ديفيد نوت الذي عالج المرضى في سورية ووثق الجرائم بصور اشعة طبية، بقتل الأجنة داخل بطون أمهاتهن.

تدفع النساء السوريات ثمناً باهظاً ورهيباً لتجرؤهن على قول لا للاستبداد، لكن الأقسى ربما من الاعتقال والتنكيل والتعذيب والقتل وفقدان الأبناء والأزواج في وطنهن السوري وعلى أيدي شركائهن السوريين في المواطنة هي تلك المطاردة المهينة للاجئات السوريات وازواجهن وابناءهن في بلدان اللجوء العربية من خلال اعتقالات العار التي تنفّذها بعض الأنظمة الشقيقة للاجئين فيها، واطلاق النار على سفنهن الهاربة الى المنافي، وموت السوريين والفلسطينيين في عرض البحار مذلّين ومهانين ومطاردين لأنهم تجرأوا على رفع راية الحرية.

القدس العربي

اطلاق المخطوفين اللبنانيين: دور قطر ومعايير لبنان

رأي القدس

تثير قضية تحرير مخطوفي اعزاز اللبنانيين التسعة التساؤل مجدداً حول النفوذ السياسي القطري اقليمياً وعربياً والذي تعرّض لهجمات سياسية واعلامية مركزة نتيجة دوره في الثورات العربية من تونس وليبيا واليمن الى مصر وسورية.

يأتي اطلاق مخطوفي اعزاز اللبنانيين لإبراز هذا التأثير مجدداً، بعد ان تمكنت الدبلوماسيات القطرية والتركية واللبنانية من حلحلة عقدة استمرت 17 شهراً، قام على اثرها ‘لواء عاصفة الشمال’ باطلاق سراحهم بعد ان تعثر هذا الاطلاق مرات عديدة رغم تدخل دول عديدة اخرى.

تضمنت الصفقة الافراج عن 122 معتقلة في السجون السورية وطيارين مدنيين تركيين لكنها لم تستطع اطلاق سراح المطرانين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، وهو أمر ترك انزعاجاً لدى فئات لبنانية.

أهم أسباب امتناع حل الملف كان تعنّت النظام السوري الذي رفض اطلاق السجينات اللاتي طالب بهن اللواء السوري المعارض رغم انه اعلن مبادرة حسن نية واطلق اثنين من المخطوفين في اب وايلول 2002.

وكما هو متوقع فقد تم استخدام المخطوفين التسعة في بازار التحريض ضد الثورة السورية فقد تحدث العائدون عن ‘جهنمية’ الظروف التي عاشوها رغم ان خاطفيهم سمحوا لكثير من الصحافيين بلقائهم خلال فترة احتجازهم ورغم ما يبدو عليهم من صحة جيدة.

الواضح، ايضاً، ان ضغوطاً حصلت من قبل ايران على الرئيس بشار الاسد مما أدى للافراج عن السجينات السوريات، وهو ما يدل مجدداً على أنه صار لايران اليد الطولى في القرار داخل سورية.

كان اطلاق المعتقلات مطلبا رئيسياً للمعارضة السورية اضافة الى مطلب اعتذار حزب الله عن دوره في دعم النظام السوري، وهو أمر لا ترغب الدبلوماسية الايرانية الخوض فيه بالتأكيد لأن انخراط الحزب في دعم نظام الأسد كان قراراً إيرانياً بالأساس.

يمكن اعتبار خطف اللبنانيين الشيعة واحداً من أخطاء الثوار السوريين ومساهمة في تفعيل آليات الطائفية اللبنانية ضد الثورة السورية وهو الأمر الذي تم استغلاله أسوأ استغلال وانقلب الى دعم شامل للنظام السوري.

فبعد أن كان حزب الله ينفي تدخله في الشأن السوري، ثم تبرير ذلك بالدفاع عن المزارات الشيعية المقدسة، اندفع بعدها للقتال المباشر في جبهات بعيدة كل البعد عن تلك المزارات وما انفكّ يصر على المشاركة في حرب النظام السوري ضد شعبه.

إقفال مشكلة مخطوفي اعزاز فتح الباب لتذكّر ملف المخطوفين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية منذ عشرات السنين، والفرحة التي شهدتها مناطق لبنانية معينة انعكست انتقادات شديدة في مناطق لبنانية أخرى حيث رأى أهاليها ازدواجية في معايير الدولة اللبنانية التي جندت كل طاقتها لاطلاق سراح مخطوفي اعزاز فيما لا تزال تتناسى ملف المخطوفين اللبنانيين القديم.

ففي لبنان كل الملفّات تمرّ بمصفاة الطائفية أولاً، مرفوعة، بالتأكيد، على أسّ القوة العسكرية الكبيرة لحزب الله والمهددة بقلب الطاولة على الآخرين.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى