صفحات العالم

هل يلقى الأسد مصير مبارك أم تلقى سورية مصير ليبيا؟

 


هدى الحسيني

يوم الأحد الماضي نشرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية أول مقابلة مع الشرطية التي اتهمت بأن صفعتها بائع الخضار التونسي محمد بوعزيزي دفعته إلى إحراق نفسه، فانطلقت الثورة التونسية. لكن المقابلة أظهرت أن تلك الصفعة الشهيرة لم تحدث على الإطلاق، واتهمت الشرطية الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بأنه وراء القصة كلها، فجعلها ضحية وزج بها في السجن ورفض الآخرون سماع قصتها. لكن بعد أربعة أشهر، وبسبب شهادات بائعي خضار آخرين، تبينت براءتها وأُسقطت القضية، ولامت الشرطية الصحافة الأجنبية، المفروض أنها صادقة، بأنها سوقت «الصفعة» دون أن تبحث عن الحقيقة.

ومن تونس، انطلقت لعبة «الدومينو»، سقط الرئيس المصري حسني مبارك وحكم حتى الآن «رفاقه» عبر المجلس العسكري. ثم مرت لعبة «الدومينو» على البحرين، واليمن، وسورية ووصلت الآن إلى المغرب.

المؤلم أن الدول العربية تحولت إلى «لعبة». الذين تظاهروا من الشباب المثقف، طالبوا بالتغيير وعجزوا عن تحقيق تغيير جذري. هؤلاء يعرفون العالم أكثر ويدركون أهمية وضرورة تلقيهم الدعم الأميركي والأوروبي، وعرفوا أنهم لو أشاروا إلى إسرائيل كسبب من أسباب قهرهم، لعجزوا عن تحقيق أهدافهم.

إذا عدنا إلى عشرين سنة خلت أي بعد تحرير الكويت وعقد مؤتمر مدريد، نلاحظ أن العالم الغربي (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا) عجز عن الاتفاق على تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وعجز عن فرض ضغوط على كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين للقبول بحل الدولتين المستقلتين. لكن زعماء الغرب نجحوا وبسرعة في اتخاذ قرارات عسكرية، وأشركوا معهم قوات الحلف الأطلسي، في حين ترفض إسرائيل نشر هذه القوات على الحدود بينها وبين الدولة الفلسطينية – التي وعد بها الغرب – لحماية أمنها.

الرئيس الأميركي باراك أوباما، منذ تسلمه السلطة وهو يلوم سلفه الرئيس جورج دبليو بوش لأنه شن حربين (أفغانستان والعراق)، لكن طلعات طائرات «الدرونز» (التي تقتل الكثير من الأبرياء) زمن أوباما فاقت أضعافا أضعاف غاراتها طوال سنوات بوش.

الرئيس أوباما اختار مصر مبارك ليوجه أول خطاب له، ليصالح العرب والمسلمين، لكن بعد المصير الذي لقيه الرئيس المصري حسني مبارك، كيف يمكن لحكام آخرين أن يستسلموا وينصاعوا بالتخلي عن الحكم، إن كان ذلك في ليبيا أو في سورية.

الغرب تورط في ليبيا ويواجه مشكلة، ويعتقد أن الحل يكون بقتل العقيد معمر القذافي. وسوف ننتظر لنرى. أما في سورية فالرئيس بشار الأسد يواجه هو الآخر مشكلة أن يلقى مصير مبارك أو تلقى سورية مصير ليبيا.

كثيرون خائفون. سوريون وغير سوريين. السوريون متخوفون من وصول المظاهرات إلى قلب دمشق وإلى حلب. كل واحد يفكر حسب مذهبه. حتى لو لم يعلن ذلك. أغلب أعمال العنف ينسبها السوريون إلى «العصابات المسلحة»، كثيرون ما زالوا يضعون آمالهم على «حبيبنا» (أي الرئيس السوري)، لإقرار ما يكفي من الإصلاحات لاسترضاء المتظاهرين.

يقول لي أحد المقربين جدا من النظام السوري: «إن على الأسد القيام بإصلاحات ضخمة وبسرعة، أو أنه سيواجه الكثير من المظاهرات وإسالة الدماء وعندها سيتحمل هو المسؤولية وليس النظام».

يشرح: «الآن دخلنا في وضع جديد. لأن الاستنزاف والانتظار لم يكونا جيدين قط، لكن، خلال شهر ونصف الشهر صارت هناك إمكانية لمعرفة من لديه مطالب، ومن يقوم بلعبة قذرة. الدخول إلى درعا فيه مظهر قوة إنما الهدف محصور. كل يوم جمعة كان (هؤلاء) يتغطون بالمساجد. المفاجآت هي الأمر المخيف، وهذا ما نطلق عليه باللغة العسكرية: مفاجآت الأرض. أي يدخل أحدهم ليقطع شوكة فيقتلع يدا».

يؤكد محدثي: «ما حدث في درعا لم يكن مخططا، لكن درعا كشفت المستور والذي كان يتم التحضير له في أماكن أخرى». يضيف: «لو لم تحدث مشكلات درعا لكان النظام السوري واجه أحداثا مخيفة لاحقا».

لكن، ما حدث يوم الجمعة الماضي كان مختلفا بالنسبة إلى السوريين. كانوا يأملون أن تكون الإجراءات الأمنية أقل تشددا مع رفع العمل بقانون الطوارئ، لكن فوجئوا بعدد الضحايا الذين سقطوا. ظهر وكأن الأمور كانت أكثر أمنا في ظل ذلك القانون. الذي أخاف الطرفين، الشعب والنظام الشعارات التي أطلقت يوم السبت في دوما: «العلوية بالتابوت والمسيحية على بيروت».

النظام الحالي يوظف نظرية: أنا أو الفوضى. وهناك بالفعل عدد من اللاعبين الأساسيين في المنطقة لا يعرفون كيف ستكون السياسة الخارجية لنظام الأغلبية السنية في سورية.

يقول لي سياسي لبناني: «ودِعوا المسيحيين والليبراليين المسلمين» ويضيف: «إن العديد من الدول المهتمة بالمنطقة تتخوف من وصول الصراع ليس فقط إلى لبنان، حيث سورية هي لاعب أساسي، بل أيضا إلى العراق. هناك اضطرابات كردية في شمال شرقي سورية يمكن أن تصل إلى تركيا ويصل وقودها إلى شمال العراق حيث المظاهرات هناك في تزايد لافت».

ويضيف: «في ضوء كل هذه العوامل، فإن السعوديين والأتراك والإسرائيليين والأميركيين، وإلى حد كبير، كل طرف له اهتمام بسورية لا يدعون إلى تغيير النظام في سورية، لديهم أسبابهم ليقلقوا إذا سقط النظام، لكن بعض اللاعبين يجد فرصة ما».

في هذه الظروف يتعرض النظام السوري للكثير من الضغوط الخارجية. المفارقة تكمن في أن سورية تستطيع أن ترفض كل الضغوط التي تدفعها لقطع علاقتها بإيران و«حزب الله»، لكنها بهذا تعطي العذر للآخرين للبحث عن بديل لنظام الأسد. ويمكنها أن توافق على ذلك، لكن ليس معروفا ما سيكون السيناريو الإيراني في هذه الحالة. إيران لها مصالح صلبة بأن تبقي على نفوذ لها في المشرق، لأن تهديدها لإسرائيل يحمي نظامها وسورية ضرورية في مخططها. ثم إن سورية تستمد «قوة» من علاقتها بإيران، وهي أيضا لا تضمن أن يخفف تجاوبها مع الطلبات الغربية الضغوط عنها في الداخل.

الخطأ أن بشار الأسد لم يكن الإصلاحي كما زعم، كان كثير الكلام والخطب، وظن أنه يكفيه النجاح في السياسة الخارجية التي اعتمدها. ربما أراد إجراء «بعض» الإصلاحات لكنه اصطدم بآخرين في النظام (شقيقه ماهر ورامي مخلوف ابن خاله) وتردد أخيرا أنه صار مقتنعا بأجراء إصلاحات حقيقية، لكنه يكاد يفقد صبره بسبب المظاهرات. ومشكلة الرئيس السوري الأساسية أنه عندما تسلم السلطة وعد بالكثير من الإصلاحات، ولم يُنفذ، وبعد المظاهرات وعد أيضا بالإصلاحات، وربما بسبب طبيعة النظام فإن الرئيس السوري لا يستطيع إن يُقدم على إصلاحات فعلية ويضمن في الوقت نفسه البقاء في السلطة. ولكن من جهة أخرى لن يبقيه في السلطة، أو يحمي نظامه تصريحات الدعم السخيفة التي يطلقها الموالون له في لبنان، فهم يظهرونه وكأنه لا يعرف أهمية سورية في المنطقة، ولأن هؤلاء لا يهمهم من سورية إلا استعمالها في «السياسة الكيدية»، التي صاروا يتبعونها في لبنان.

انهيار النظام قد لا يكون وشيكا أو أكيدا في القريب العاجل خصوصا أن الجيش لا يزال متماسكا، لكن مجال المناورات أمام النظام يضيق يوما بعد يوم.

المطلوب من الرئيس الأسد أن «يخاطر» وينقذ بلاده، بإقرار قانون تعدد الأحزاب والدعوة إلى انتخابات برلمانية والقبول بفترة سنوات محددة يلتزم بها كل رئيس سوري. قد يجد الأمر صعبا لأن منذ تسلم والده السلطة عام 1970 والحكم محصور بين أيدي عائلة الأسد. لكن إذا قاوم الإصلاحات وتضاعفت الضغوط واستمرت المظاهرات فمن المحتمل أن تشهد سورية حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي على غرار ما تراه ليبيا، إن لم يكن أشرس وأكبر بكثير، إذا ما سقط النظام، وما سيحصل بسبب ذلك في لبنان، والأردن والعراق وتركيا. وقد تشهد المنطقة حربا جديدة مع إسرائيل.

 

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى