صفحات الرأيوائل السواح

أميركا وابتذال الأخلاق السائدة/ وائل السواح

 

 

ليس من الشائع أن يحوز أحد الحزبين في الولايات المتحدة منصب الرئاسة وغالبية مجلس الشيوخ والنواب وحكام الولايات، وهو ما يفعله اليوم الحزب الجمهوري. فينما يتربع الرئيس دونالد ترامب على قمة الهرم التنفيذي، يحتل زملاؤه الجمهوريون 52 في المئة من مقاعد مجلس الشيوخ و55 في المئة من مقاعد مجلس النواب، ويحكم اثنتين وثلاثين ولاية حكام جمهوريون ايضاً. وإذا ما ثُبت مرشح الرئيس ترامب إلى المحكمة العليا فسوف تكون أكثرية أعضاء المحكمة العليا جمهورية الهوى أيضاً.

برنامج الحزب الجمهوري للمرحلة المقبلة واضح: إعفاء الأغنياء من الضرائب، رفع موازنة وزارة الدفاع، تخفيض موازنة التعليم، نقض السياسة الصحية للرئيس السابق («أوباما كير») التي كانت تمنح كل الأميركيين الحق في الحصول على تأمين وفق إمكاناتهم المادية، تشجيع سياسة اقتناء السلاح، إلغاء حقوق المرأة في ما يتعلق بالإجهاض، وغيره. خارجياً، تخبط سياسي، تقــارب مخجــل مــع الروس على حساب الكرامة الأميركيــة، مــزيــد من الانـــعزال عن الحلفاء الأوروبيين والكنديين، تشوش في الموقف من الصين. أما في الشرق الأوسط فثمة خلط مضحك، تبدى في جواب الرئيس ترامب عن سؤال حل المسألة الفلسطينية حين قال: «أنظر إلى الدولتين والدولة الواحدة، وأحب تلك التي يوافق عليها الطرفان». ولا أحد يعرف بالضبط إن كان الرجل يعي ما يقول أم أنه فوجئ بالسؤال فأجاب بما جادت به قريحته، متخلياً بزلة لسان عن سياسة أميركية تمتد ربع قرن سار عليها الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما. وسرعان ما اقتنص الجمهوريون في البيت البيض هذه اللحظة لجر اللحاف صوبهم، فأعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لبي بي سي أن الولايات المتحدة لم تعد متمسكة بحل الدولتين كأساس للتوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مضيفاً «أن حلاً على أساس دولتين لا يجلب السلام ليس هدفاً يريد أحد تحقيقه».

والسؤال إذن: لماذا ينتخب الأميركيون رؤساء وممثلين جمهوريين. لن نستطيع أن نجد جواباً عند ماركس في هذا الصدد. فماركس كان يرى في كل مناحي السياسة جذوراً اقتصادية ويحيل الخلافات السياسية والحزبية والبرلمانية على صراع الطبقات. لكننا قد نجد الجواب عند شخص آخر.

قبل عشر سنوات، نشر أستاذ العلوم السياسية جورج لاكوف كتاباً بعنوان «السياسة الأخلاقية: كيف يفكر الليبراليون والمحافظون؟»، أسس فيه لطريقة نظر المحافظين إلى السياسة باعتبارها تقوم على الأخلاق السائدة. والفكرة الأساسية عند لاكوف أن المحافظين ينظرون إلى الحكومة على أساس أخلاق العائلة. ففي العائلة ثمة نموذجان رئيسيان للأب: الأب الصارم والوالد الرحيم. وبينما يعتقد المحافظون أن الأب الصارم الذي يربي أولاده على الاستقلال وقوة الشخصية ويعاقبهم عند الخطأ هو المثال الفاضل للعائلة والدولة، يعتقد الليبراليون أن الوالد الرحيم الذي يهتم بعائلته ويوجهها ويستشيرها ويشعرها بالعطف والحماية هو المثال الأفضل.

من هذه الزاوية، ينظر المحافظون إلى أصحاب الثروات باعتبارهم «خيرة الناس» لأنهم عملوا وجاهدوا ووصلوا إلى ما هم عليه. في المقابل يعتقدون أن الفقراء هم كذلك بسبب كسلهم وتقاعسهم. وينطلقون من هنا إلى أن الرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات لهم ستكون مكافأة للمتقاعس على تقاعسه، وسوف تزيد فقط في عجزه وكسله. ومن هنا فإنهم يرفضون فرض ضرائب عالية على الأغنياء لإنفاقها على الصحة والتعليم وخلافه.

من هذه الزاوية أيضاً، يعترض المحافظون على حق النساء في الإجهاض، لأن الرجال، وليس النساء، هم أصحاب القرار في حياة الأسرة. وهم ضد المثلية الجنسية لأن أسرة من أبوين أو أمّين لا تسمح بوجود أب صارم يقود سفينة الأسرة.

يلجأ المحافظون إلى التعابير الكبيرة الفارغة من المحتوى، ويكثرون من استخدام كلمات مثل الفضيلة، الشخصية، الانضباط، المنافسة، المكسب، حقوق الملكية، التقاليد، الحس السليم، الاستقلال. في المقابل، يستخدم الليبراليون كلمات مثل حقوق الإنسان، الحقوق المتساوية، التنوع، التلوث، احترام قيم الآخرين، الصدق.

وفي النهاية، من الذي انتخب ترامب؟ الولايات التي رجحت فوز ترامب هي الولايات الأكثر فقراً والأقل ثقافة والأكثر اعتماداً على الولايات الغنية. تسع ولايات من الولايات العشر الأقل ثراء وثقافة صوتت للجمهوريين، بينما صوتت تسع ولايات من الولايات الأكثر ثراء وثقافة للديموقراطيين. هل يبدو ذلك متناقضاً؟ نعم، ولكن ليس إذا تذكرنا أن جمهور أي ديكتاتور هو من الجماعات الأقل حظاً وثقافة الذين يبحثون عن شخص يضعون فيه ثقتهم ليقرر نيابة عنهم ويدافع عن قيمهم وتقاليدهم.

كان المخرج الأميركي مايكل مور قد تنبأ بفوز ترامب قبل الانتخابات، وكتب مقالاً بعنوان «خمسة أسباب ستؤدي إلى فوز ترامب»، من بينها ما سماه فرصة الرجل الأبيض الغاضب الأخيرة. فالرجل الأبيض هيمن على الحياة العامة في أميركا 240 سنة. والآن، بعدما اضطر هذا الرجل الأبيض إلى تحمل ثمانية أعوام يقوده فيها رجل أسود، فإنه لن يتحملّ وجود امرأة في البيت الأبيض لمدة ثماني سنوات أخرى. وبعدها من يدري؟ يمكن أن يقود الأمة مثليّ أو مثليّة. الحل إذن هو اختيار رجل أبيض منحاز ضد المرأة والملونين والمسلمين والمثليين يدافع عن قيم الرجال البيض وتقاليدهم.

المشكلة أن مثل هذا الشخص غالباً ما يفعل عكس ذلك. ما إن وصل ترامب إلى البيت الأبيض حتى عيّن امرأة تجاهر بعدائها لديموقراطية التعليم وتؤيد التعليم الخاص وزيرة للتعليم، وعين الشخص المسؤول عن انهيار المصارف في 2008، وزيراً للخزانة. أما مرشحه لوزارة العمل فكان يضرب زوجته، واضطر إلى سحب ترشيحه قبل أن يصوت عليه مجلس الشيوخ. ومن بين كل مساعديه لم يجد لمنصب مستشاره للأمن القومي خيراً من مايكل فلين الذي كان التقى مع السفير الروسي في واشنطن المعروف بعلاقاته مع المخابرات الروسية مرات عدة قبل الانتخابات.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى