صفحات الرأيعزيز تبسي

الاقتراب من الحقيقة هو هو الاقتراب من الثورة


عزيز تبسي

1)ساهم كل من ماركس و إنجلز ومن التزم بمسيرتهما الفكرية والسياسية،في إنتاج مقاربة علمية للسياسة ونقلها من لفظية الكلام وأوهام الإيديولوجيات المسيطرة ،إلى نواظم تحدد دوافع الصراع وأسبابه وأهدافه،ما يمكن تحديده اختصارا:المصالح الطبقية+الوعي بها+الشرط التاريخي المحدد للعنصرين السابقين.

وجاهدا في تحويل فيزياء الواقع المتحركة والغنية إلى بعض من صرامة رياضية،ورغم الإخفاقات التنبوئية ثورات 1848 على سبيل المثال،إلا أنهما تمكنا من رصد الصراعات السياسية وتمظهراتها التي تحجب عمق مضامينها المصلحية واتخاذ موقف منها لا يخفي انحيازه للطبقة العاملة التي كُرست في كتاباتهما الطبقة الثورية الوحيدة التي تخوض الصراع وتدفع به إلى نهاياته.

والطبقة التي بات ضرورياً أن تتحرر من أثار الفكر الرجعي في قناعاتها لتتمكن من حيازة الجدارة الفكرية الثورية المتلازمة مع الموقع الطبقي الثوري الذي بات لها مع حلفائها المقذوفين من الحركية العنيفة للفرز الطبقي الذي تنتجه الرأسمالية في سيرورتها التاريخية:الفلاحين الفقراء-المنزوعة ملكيتهم من أبناء الريف والمنتقلين إلى محيط المدن الصناعية الكبرى والتحاقهم بجيش العاطلين عن العمل-البورجوازية الصغيرة الحرفية التي تقضمها الرأسمالية الصناعية في مشاريعها الكبرى-المهاجرين من محيط الجغرافيا الرأسمالية إلى حواضرها…الخ

تعقب ماركس ورفيق فكره ووجدانه إنجلز في مقالات الجريدة الرينانية-الجديدة،والمداخلات الخطابية في مؤتمرات الأممية-الأولى والمراسلات مع قادة و ناشطي الحركة العمالية وأحزابها،البورجوازية الألمانية ومشاريعها الاقتصادية والسياسية…. وعبرا بعدها إلى البورجوازيات الأوروبية…

لم يخفيا انحيازهما الفكري والسياسي والحقوقي، ولم يتركا لعوائق الأيديولوجيا”الوعي الزائف” أن تحول دون الوصول إلى الحقيقة ووضعها كصفحة يومية أمام ممثلي الشغيلة وحلفاؤهم،ولم يكونا وحدهما،و هناك دوماً من يشاركهما المقاربات والاحتمالات والفرص التاريخية،من الفوضويين،وممثلي الحرفيين والفلاحين،إذاً توفر على الدوام موضوعياً من يقرأ الواقعة والإمكانية قراءة متمايزة ويقاربها من مواقع سياسية-طبقية مختلفة،وأحيانا من الموقع السياسي والطبقي عينه،كالتأويلات المتمايزة لقادة الطبقة العاملة لحدث واحد-كومونة باريس مثلاً ولدور البورجوازية الألمانية ودولتها في توحيد ألمانيا ودمقرطتها.

2)والأبرز مما أنتجه هذا الفكر الثوري في مقاربة السياسة ودعمها بالعناصر العلمية التي تضبط توتراتها ومفارقاتها،والسيطرة على تعقد مساراتها ،إن لم يكن ميدانيا، وهذا يحتاج قوة مادية أرضية لها من عوامل التنظيم والوعي والإرادة،فعلى الأقل معرفياً:بتكريس عدم وجود طبيعة بشرية مجردة وثابتة”متجوهرة”،أي تصفية رواسب الفكر الغيبي،الذي للدين والفكر المؤسس على المسّبقات الإيديولوجية في إطارها الأخلاقي دور في تكوينه وترسيخه،والبرهان العلمي أن الطبيعة البشرية هي كل الحمولات التي تنتجها العلاقات الاجتماعية المحددة عبر سيرورة تاريخية طويلة،وغير مستعصية على الإدراك والفهم والتفسير والتحليل والتطوير.

السياسة على الدوام،حقل صراعي و اختباري في آن،إنها نار امتحان المعادن البشرية،المصطفة كمجموعات مصالح، وطبقات فاعلة وصاعدة وطبقات نافلة تقاوم موتها بضراوة،طوائف راكدة وطوائف متحركة،عشائر لا تعي ذاتها كعشائر ورهط من شذّاذ الآفاق يتقدم كأمة مكتملة،هذا كله وبعضه يتمظهر كتعايش مرائي وتفاهم أبكم ،وثقافة الفاشية تسكب عليه حبر شهادتها الخبيثة ومرق طبختها الإيديولوجية عن”وحدة الوطنية بين الذئاب والخراف”و أفضلية الذئاب المحلية بلحم خراف-ها …. حتى تأتي الثورة،أو الحركية الاجتماعية التي تكسر الاعتياد و المساكنة و بلادة القشرة، بإفتجاء زلزالي يتكفل بفرز مكونات هذا المنجم البشري ترابه عن ذهبه……….

حينها في هذه اللحظة الثورية،وهي غير ساعات الانتظار في الدور للحصول على كيلو خبز،و الساعات الحنونة تحت المطر مع وردة منتعشة ،ستريك مالا يمكن أن تراه في سنوات عمرك وعمر الشعب،سترى مثلاً :حزباً مطلي بصباغ الثورية ،طالما الثورية لا تتعدى تحريك الشفاه قبل النوم والطعام،ينحاز بكل عزم إلى جانب الرجعية،وترى حركة تحرر،اقرأ”تحلل”تعتبر الحركة الشعبية الثورية،حركة عميلة لدول خارجية دون تحديد هذه الدول،وتستمع دون أن تستمتع إلى رجل دين”لكم مقت هذه التسمية “،دعوني أقول رجل يرتدي ثوب مختلف عما نرتديه ،يضع شيئاً ما على رأسه يشبه رأس ملفوف ،أو قرنبيط،طالما استرسل بالحديث عن المحبة والأخوة والتسامح،يبارك مذابح دموية ويلمع أحذية القتلة ويمجد ديمومتهم إلى آخر الزمان،إنها لحظة كشف نوعية، إشراق تاريخي،وفعل يشبه ورقة عباد الشمس،التي تميز في كيمياء الوقائع،بين الوسط الحمضي والوسط القلوي،أقصد الوسط الثوري عن الوسط الرجعي.

3)تحرير السياسة من الجانب الفني_بافتراض أن السياسة علم وفن-والجانب الفني في السياسة ،أي الجانب الذي يثقّل الجانب الفردي-الذاتي على ما دونه، بتحول السياسة إلى”ثقافة الحربقة”واللعب على الحبال،وتغيير المواقف التي اتخذت بضراوة أثناء العشاء،بنفاق خنوع قبل الإفطار ،والاعتماد على صمغ التذاكي وغرائه للصق المتناقضات الحادة.

ويعمل هذا الفن بالتلازم مع صنوه الخديعة ،على استدراج الشعب بالعظات الأخلاقية،والأوهام الوجدانية،والغنائيات الوطنية التي تمجد البندورة و الفليفلة والسنديان …أي كل ما يمكن أن يجده الشعب بوفرة على عموم الجغرافيا الطبيعية للكوكب ،وإدعاء الإنفراد بامتلاكها،بما تختزنه هذه السلطات في “قجتها” من بهلوانية وقدرات فذة على وضع”العفاريت في القارورة”………

4)إلغاء دور الجغرافيا في معاينة ومقاربة الهدف السياسي الثوري،إن قوانين العلم واحدة،وقابلة للتميز وفق التفصيلات البسيطة التي تواجهها في كل تجربة تطبيقية،لم يختلف موقف المفكرين الثوريين في مواقفهما من الرأسمالية الألمانية،أثناء نشاطهما على الأرض الألمانية ،وبعد اضطرارهما للهجرة تحت ضغط ملاحقات الشرطة ومحاكمها السوداء،فلم يطرحا بعد أن تحررا من تلك الشروط القهرية للشرطة ، على الطبقة العاملة وحزبها الطليعي مهمات استثنائية وأقوالاً عالية النبرة ومتهورة وبعيدة عن إمكاناتهما الواقعية،قد تساهم في دفع الحركة الثورية إلى التهلكة والموت المحقق،بل وقدم فريدريك إنجلز موقفاً صارماً من الناحية الاقتصادية والسياسية وهو يناقش الشعبيين الروس وحدّ من اندفاعهم المغامربالثورة، على نقيض ما يسلكه اليوم بعض من كانوا لفترة قريبة يقدمون خدمات لأجهزة الأمن ضد مناضلين حقيقيين ،وتحولهم دون عمل جراحي، بعد خروجهم من البلاد إلى مناضلين ثوريين،لديهم في جيوبهم كل الحكمة السياسية والفلسفية،يؤكد هؤلاء لنا ما كنا نعلمه،عن دور الشعوذة والسحر في مسيرة المغفلين في هوامش الحركات التاريخية العظيمة،والانتفاضة الشعبية السورية ستكون واحدة منها.

5)يتأسس الخطأ السياسي التقويمي على مجموعة عناصر:

ا)عدم تقدير الحركة الثورية لإمكاناتها الحقيقية،وتشمل استعدادها ،واستعداد القوى التي تحمل مشروعها:الأحزاب-التحالفات..،مازال الكثير من أبناء الشعب ينسجون أوهاما عن إمكانات الحركة السياسية التقليدية_تقليدية تمييزاً عن الحركة الثورية الشابة-في سوريا،ويخالون أنها تحتفظ بقواها،خارج الصراع السياسي،رغم ذلك من غير المقبول أن تحتفظ تلك القوى لنفسها،دور شرطة المراسم أو مرافقة المواكب………….

ب)عدم تقدير إمكانات العدو السياسية والطبقية الحقيقية.

ج)الانخداع باستعداد الحلفاء الممكنين،وتعثر عملية جذبهم إلى المشروع الثوري….المراهنة على قوى اجتماعية-طبقية ليس لها أي مصلحة بالثورة ،ولا حتى بالتغيير…

د)عدم قراءة الشروط المحيطة بالثورة،إقليمية-دولية،ووفقاً لدرجة تأثير هذه الشروط ،تغدو جزءً من شروط الصراع المحلية،ومثقلة لأحد طرفي الصراع….

ط)اعتماد التفوق الأخلاقي للثوار وحجم التضحيات كعنصر حاسم في الانتصار..

خ)استبعاد نفسي لفكرة الهزيمة في الصراع السياسي،ضرورة دراسة هزيمة الحركة الثورية في الأردن1970، وهزيمة الحركة الثورية في لبنان وخروج المقاومة من بيروت 1982…الخ

السياسة كفعل صراعي وحركي،نسق محكوم بعناصره الصلبة،والتي لا تتغير إلا بفعل شعبي ثوري،متحرر من الإرادية ومفاعيلها الحنونة الدافئة.من ينتصر في الصراع،ليس من ينبغي أن ينتصر،لصدق في القول أو جمال في التصور،أو تملك لحقيقة،أو داعية للخير والسلام،وغالباً ما تنتصر قوة عمياء مسلحة بهيجان الرصاص ولا أخلاقيته،و مسيرة نضال الشعوب ،لم تكن في غالبيتها إلا سجل للقتل والنهب والتنكيل والتهجير،وإن صفحات السعادة ما هي إلا الصفحات البيضاء……….

وفق تعبير هيغل.

حلب-تشرين الأول2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى