صفحات العالم

نيوب الأسد.. ونوائبه


مشاري الذايدي

الساعة الرملية لنظام الأسد في سوريا بدأت في العمل، وحبات الرمل تنزل دون توقف من الأعلى إلى الأسفل.

لم يُفِد ما صنعه نظام بشار، لا القمع أفاد، ولا التذاكي نفع، ولا رفع العقيرة بالشعارات القومية والوطنية، ولا تكرير هذر «الممانعة» والهجوم «اللفظي» على أميركا، وفرنسا، صديقة الأمس القريب!

بالأحرى، إن لم يفد هذا كله، فلن يكون لشتائم وئام وهاب، أحد أتباع النظام السوري الأسدي في لبنان، أي قيمة، وهو يستخدم هذه الأيام كامل عدته في الردح والتهديد والوعيد. وللتسلية، في هذا الجو القاتم، أذكر بعض نصائح وهاب، فقد قال في حديث لقناة «أو تي في» اللبنانية إن التاريخ سيحاسب أولئك الذين وقفوا ضد سوريا بالأمس، كما حاسب قاتلي الخلفاء الراشدين! وحث بشار الأسد، المحتار في إطفاء النار الشعبية، على أن يقصف قطر بعشرات الصواريخ!

هذا منتهى ما تفتق عنه الخطاب الإعلامي «الممانع» هذه الأيام.

بعد القرار التاريخي للجامعة العربية بعزل نظام بشار، ونزع الغطاء العربي عنه، جن جنون آلته الإعلامية، واستنفر كل الأصدقاء والحلفاء والأتباع، فهذا يومهم، ليخرج زعيم الحزب الإلهي الأصفر في لبنان، ويهدد هو الآخر بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن مُس نظام الأسد بسوء، على الرغم من أنه يرى، كما نرى طبعا، فظائع الشبيحة والفرقة الرابعة في الشعب السوري، لكن ذلك لم يهز بدن حسن نصر الله، ولم يحرك غيرته الإسلامية، بل ولا حسه الإنساني! لماذا؟ من أجل عيون الممانعة والمقاومة.. الاسم الحركي للسلطة الشعبوية، ونصرة المشروع الإيراني.. وكأن نصر الله نفسه هذا لم يهلل ويخطب بطريقته الشعبوية المعروفة لنصرة «الثورة» في مصر وتونس واليمن، ويحيي صمود الشعوب العربية، ثم فجأة غير الكلام والتعابير، و«لحس» الكلام الثوري عن حق الشعوب في الثورة، حين وصل الأمر إلى سوريا!

النظام السوري يشعر بالحصار، وربما بالخديعة، حسب بعض التقارير، فهو كان قد قبل بالمبادرة العربية، من حيث المبدأ، قبل أيام، واستقبل وفد الجامعة، برئاسة قطر، على الرغم من كرهه الشديد – والجديد! – للدور القطري، لكنه قبل مرغما بضغط من روسيا، التي أبلغت الأسد بوجوب أن يمنح الروس حجة للمساعدة في مجلس الأمن والمحافل الدولية، فطريقة الأسد الأثيرة في المضي قدما في الحل الأمني، والضرب بعرض الحائط كل الحلول السياسية، لن يجديا في «تسويق» الموقف السوري والرواية السورية في الخارج، باختصار يبدو أن النصائح الروسية لدمشق هي التي جعلت النظام يبدي «شيئا» من المرونة، الظاهرية، ويناور سياسيا، بدل الاعتماد الغرائزي والعاري على الحل الأمني فقط، الغرض كان المماطلة والمناورة؛ لذلك رأينا أكثر من موقف سوري تجاه المبادرة العربية، ويبدو أن هذا كان هو جوهر النصيحة الروسية: العبوا، وناوروا، وأخرجوا أكثر من «كارت» في اللعب، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، لكن في المقابل يبدو أن العرب، باستثناء «الأصدقاء الضارين» للأسد، قد تيقظوا لهذه اللعبة، وقرروا الحسم السياسي مبكرا، وكان الاجتماع الأخير عبارة عن: نقطة آخر السطر بالنسبة للأسد. أتخيل أنه لام الروس بسبب الضغط عليه من أجل «التنازل» عن الرواية الرسمية السورية، وقبول «خروقات» في السيادة السورية، والمساواة بين السلطة والمعارضة؛ لذلك رأينا فور صدور الموقف العربي القوي تجاه نظام الأسد، بما فيه تعليق العضوية، ودعوة الجيش للعمل، والترتيب للمرحلة الانتقالية، رأينا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يصف قرار جامعة الدول العربية بأنه «قرار غير صائب». واعتبر في تصريحات صحافية أدلى بها على متن الطائرة التي نقلته إلى موسكو من هونولولو؛ حيث شارك في أعمال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك)، أن «هؤلاء الذين اتخذوا هذا القرار أضاعوا فرصة مهمة لتحويل الوضع إلى مسار أكثر شفافية».

الوزير الروسي تعامى عن أن هذا الموقف هو موقف عربي، بشبه الإجماع، فكيف يكون هو أحرص من جيران سوريا، وشركاء التاريخ والثقافة، والمصالح، على سوريا، وأكثر إدراكا لكيفية تحقيق التحول نحو «المسار الشفاف»، كما يقول؟!

إنها مجرد حسرة روسية – مؤقتة ربما – على فشل المناورة السياسية المشتركة مع النظام الأسدي. أما لماذا يفعل الروس ذلك، ولماذا يرمون طوق النجاة للنظام في سوريا، فلا ندري حقا، لكن ربما أن ذلك يرتبط بالرؤية الروسية الكبرى في التصارع مع أميركا على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وهو دافع قديم في السياسة الروسية، من أيام الدولة القيصرية وجارتها الدولة العثمانية، مع النفوذين الفرنسي والإنجليزي.. ربما.

إلى أين تتجه الأمور؟ وكيف سيسقط النظام السوري؟ هل يكون ذلك بطريقة مبارك، أم طريقة بن علي السريعة، أم بطريقة القذافي، أم بطريقة اليمني علي عبد الله صالح (إن سقط هو بطريقة أخرى عبر التفاوض وتوفير الخروج الآمن)؟

سوريا، وهذا أمر بدهي، غير ليبيا ومصر وتونس واليمن، ولا يوجد «كتالوج» واحد للثورات، كما حاول أن يروج ذلك بسطحية، البعض في الإعلام العربي، طيلة هذه السنة.

سوريا تقع في قلب التنوع الإثني والديني في منطقة الهلال الخصيب، وهي في نقاط التقاطع الاستراتيجية بين الغرب والشرق، هي الجار الأكبر لإسرائيل، وهي ينبوع الآيديولوجيات العربية المعاصرة، من فكرة القومية العربية نفسها، إلى فكرة القومية السورية (أنطون سعادة).

أكثر التكوينات الدينية، المختلفة في المنطقة، ما زالت موجودة في سوريا، ومعها الجار الصغير لبنان، أكبر وجود مسيحي وعلوي ودرزي، هو في سوريا، فكيف سيكون موقف «الأقليات» الشرق أوسطية من هذا التحول؟

نظام الأسد يحاول ترويج نظرية تحالف الأقليات، بشكل غير مباشر، وقد تلقف هذه النظرية أحد صقور التفكير الأقلوي في الشرق الأوسط، وهو اللبناني الماروني ميشال عون، عدو الأمس في سوريا، وحليف اليوم، فحسب جريدة «الراي» الكويتية، فإن فكرة بناء تحالف شرق أوسطي جديد مكون من «اليهود، والدروز، والمسيحيين، والعلويين، والشيعة، والكرد» فكرة يسوقها مستشارو النائب ميشال عون، من المقيمين في واشنطن وزوارها، لدى أصدقائهم من مؤيدي دولة إسرائيل من يهود وأميركيين، الذين صاروا يؤمنون بصحة هذا القول. أما الأعداء فيتراوحون بين «المتطرفين السنة الإرهابيين، والسلفيين عموما، و(القاعدة)، وحماس، والسنة في سوريا ولبنان، والحريري».

وحسب الصحيفة الكويتية، فإن بعض الأميركيين ممن شاركوا مؤخرا في لقاء مع سياسي إسرائيلي كبير، ينقلون قوله: إن عددا لا بأس به من الضباط العلويين في سوريا كانوا يعتقدون بضرورة عقد تحالف في المنطقة يجمعهم مع يهود إسرائيل ومسيحيي لبنان في السبعينات والثمانينات، وإن «تل أبيب على اتصال حاليا ببعض هؤلاء الضباط السوريين لتأكيد استمرار ثبات الوضع في سوريا». ويقدم هؤلاء ملاحظة مفادها أن «إسرائيل وحزب الله يتفقان على بعض السياسات في المنطقة، منها ضرورة بقاء نظام الأسد».

ويقول أميركي ممن حضر هذه الاجتماعات مع الإسرائيليين: «تفضل إسرائيل التحالفات المعتدلة في الخطاب السياسي»، مضيفا: «لكنها تدرك أن التحالفات المعتدلة في سوريا ولبنان والعراق ومصر لا أنياب لها، وتاليا هي ترى أن في مصلحتها بقاء الأنظمة والمجموعات التي تعاديها علنا، لكنها تهادنها على أرض الواقع».

صحيح أن قطبا مسيحيا لبنانيا كبيرا، مثل سمير جعجع، قد تصدى لهذه النظرية بقوة، وبيَّن أن قوة الحرية وزوال الديكتاتورية هما اللذان يفيدان الجميع في المنطقة، وليس الاحتماء بنظام الأسد، بدعوى حماية الأقليات، وكذلك قال وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي، بشكل آخر، إلا أنه يجب ألا نستهين بمثل هذه الطروحات، خصوصا مع كلام البطريرك الماروني الجديد، بشارة الراعي، المرسخ بطريقته الخاصة، لنظرية تحالف الأقليات.

في سوريا، إن حدث التغيير فسيكون الأسد صادقا حين قال إن المنطقة كلها ستتغير، ولن يقف الأمر عند حدود سوريا، لكن في تقديري أنه تغير نحو الأفضل.. أو هكذا نأمل.. هكذا نأمل!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى