صفحات الناس

خطة إعادة إعمار حمص: هل بدأ تغيير التركيبة السكانية؟

 

 

تستعد الحكومة السورية للبدء بعمليات إعادة الإعمار في ثلاثة أحياء مدمرة في حمص، التي كانت قبل نحو سبع سنوات “عاصمة الثورة”، ومركزاً مهماً لمناهضة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

“معاً سنعيد البناء” عبارة كتبت على ملصق ضخم يحمل صورة الأسد في ساحة الساعة وسط حمص. المناطق المستهدفة بخطة إعادة الإعمار هي أحياء بابا عمرو، والسلطانية، وجوبر. ومن المفترض أن يتم وفق الخطة، بناء 15 ألف شقة سكنية على 465 قطعة أرض، بمساحات خضراء، مدارس، ومستشفيات.

تقدر تكلفة المشروع بنحو 3.2 مليار دولار، ومن غير المعروف بعد من سيموله. يقول مصدر مطلع “لم تتم أي مشاورات أو مناقشات عامة حول المشروع. يبدو أن النموذج المقدم يعتمد على الربح”، إذ سيتم إنشاء “أبراج تحتوي على شقق فاخرة، ومراكز تسوق، لجذب رؤوس الأموال السورية والأجنبية الخاصة”.

ومنذ اتفاق حمص الشهير، عام 2014، الذي أدى إلى إخراج السكان والمقاتلين من تلك الأحياء إلى الريف الشمالي، أصبحت العودة إليها تقتصر على عدد قليل من العائلات والأفراد، الذين تم انتقاؤهم بعناية، إذ عمدت السلطات السورية على طلب عناوين وإثباتات على ملكية العقارات من أي شخص يرغب في العودة. وحتى أولئك الذين احتفظوا بتلك المستندات، واجهوا صعوبات جمّة في الوصول إلى ممتلكاتهم، حيث يتطلب العبور إلى تلك الأحياء تصريحاً أمنياً، وفي كثير من الأحيان الخضوع للابتزاز وتقديم الرشاوى، والتهديد بالاعتقال.

تلك الحال، دفعت كثيرين من السكان، الذين نزحوا داخل حمص، أو خارجها، إلى اتهام السلطات السورية بالسعي إلى تغيير التركيبة السكانية في حمص. يقول طارق، مشترطاً عدم ذكر اسمه الكامل “لقد منح الصراع الحكومة السورية فرصة لإحياء خطتها لإعادة توزيع السكان، بهدف تعزيز السيطرة المادية والاقتصادية على المدينة من قبل الطائفة العلوية”.

منذ عام 2014، عاد عدد قليل من النازحين إلى أحياء القصور، والقرابيص، والحميدية الحي المسيحي. لكن من جهة ثانية لا يزال حي بابا عمرو، الذي يشكل الأغلبية السنية والمكان الرئيسي للاحتجاج الشعبي الذي اندلع ربيع 2011، حياً للأشباح.

“سوريا أصبحت أكثر صحة وتجانساً الآن” عبارة قالها الأسد، ويبدو أن حمص مثال جيد لتفسيرها؛ في سبتمبر/أيلول 2012 وقّع الرئيس السوري المرسوم رقم 66، وهو يسمح للحكومة بهدم الأحياء العشوائية، وتقدم وعود للسكان بإعطائهم سكناً بديلاً وتعويضات مالية، لكنها كانت مجرد وعود نظرية في الغالب، وهي طريقة، بحسب معارضين للخطة، لمصادرة ممتلكات العائلات السنية الفقيرة. يقول أحد الأكاديميين “الفكرة هي أن يحل مكان العائلات العربية السنية الفقيرة، التي تعتبر معادية للنظام، مجموعات اجتماعية ميسورة، وأقل ميلاً لمعارضة الحكومة”.

على بعد خطوات قليلة من ساحة الساعة، يوجد السوق القديم. هناك، يستقبل طلعت سلقيني، وهو صانع حلويات، الزبائن من خلف أكوام الشوكولا في متجره. كان من أوائل من عادوا إلى السوق رغم الدمار الكبير الذي ما زال واضحاً. أبواب متاجر مفتوحة، سوق بسقف مدمر، وآثار الرصاص على الجدران.

يقول السلقيني (49 عاماً)، إنه أعاد فتح متجره في أبريل/نيسان 2016. “جاء الزبائن القدامى من بيروت ودمشق وطرطوس فور علمهم أنني استأنفت إنتاجي”، يوضح.

مشروع إعادة تأهيل السوق القديم، أو سوق حمص الأثري كما يسمى، الذي يموله برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ينص على تركيب أربع بوابات رئيسية، وإعادة تأهيل 200 متجر، فضلاً عن التوثيق التاريخي للموقع الأثري.

يتولى القيام بهذه المهمة فريق من المهندسين والعاملين وطلاب الهندسة، تحت إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأشرف المهندس غسان جانسيز على المشروع لعشرة أشهر، قبل أن يقدم استقالته في أبريل/نيسان 2017، بسبب اكتشافه فساداً، وتلاعباً بالفواتير، وغيرها من المخالفات في منح العقود. ويعتبر أن مدير المكتب المحلي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي طارق سفر، تغاضى عن تلك التجاوزات أو سمح بها.

تقول المهندسة المعمارية مروة الصابوني، إن “إعادة بناء مسرح الجريمة هو أمر مثير للمشاكل حتماً. تشمل مسألة إعادة الإعمار جهات فاعلة تجمعها مصالح مختلفة ومتناقضة. المدينة لديها احتياجات مالية ضخمة، وهناك انقسام حول الأوليات بين الجهات المعنية. العديد من العائلات بنت حياة جديدة في مكان آخر. الناس يخافون من بدء شيء جديد. الجميع قلق من دوافع بعضهم البعض”.

مجلس بلدي في إحدى البلديات، يفضل ترك منطقة حمص القديمة كما هي؛ واجهات منهارة بسبب الانفجارات، آثار الرصاص، مبانٍ بلا أسقف، وكثير من الأنقاض. كأنهم يودون القول لسكان تلك المناطق: “لقد قمتم بتسليم أحيائكم إلى المتمردين، فعليكم العيش مع عواقب ذلك”.

تقول الصابوني “لن نحل أي شيء إذا استبدلنا الأحياء الفقيرة بأبراج ومراكز تسوق”. وتضيف “يمكن للهندسة المعمارية أن تساعد في سد الفجوة بين الأديان والطبقات”.

في الشمال الغربي لمدينة حمص، عاد بعض السكان إلى حي الوعر، الذي كان ملجأً للمقاتلين المعارضين. لا ينتظر الحي، المعروف بهوائه النقي وإطلالته المذهلة على ضفاف نهر العاصي، أن تشمله خطة إعادة الإعمار. يقول زاهر، وهو مخرج مسرحي سابق “قصة قابيل وهابيل تتكرر (..) حياتي كما لو أنني في انتظار غودو. ليس لدي المال لإعادة تأهيل منزلي”.

على بعد سبعة كيلومترات إلى الشرق، يبدو المشهد مختلفاً. المارة يتدفقون أمام أكشاك حي الزهراء، حيث الازدهار الاقتصادي واضح بشكل جلي. “بعد إغلاق السوق (سوق حمص الأثري)، جاء التجار إلى هنا لفتح المتاجر” يقول أحمد قصار، وهو ضابط سابق. ويضيف “الوضع تحسن لكننا دفعنا الثمن”.

في هذا الحي ذي الغالبية العلوية، والمغطى بملصقات تمجيد القتلى الذين سقطوا وهم يقاتلون إلى جانب القوات الحكومية، يتم تعبئة 90 في المئة من الشباب في القوات الحكومية.

في حي الورشة، في حمص القديمة، استثمر مالك طرابلسي وشريكه ما يقارب 320 ألف يورو- حتى أنه باع مجوهرات زوجته- من أجل تجديد مطعمه الشهر في حمص “قصر جوليا”، بعدما تعرض لأضرار بالغة أثناء الحصار. أعيد فتح المطعم يوم عيد الميلاد عام 2016. يقول الطرابلسي، وهو وريث عائلة مسيحية “أولئك الذين ذهبوا إلى لبنان ومصر يجب أن يعودوا (..) سوريا ملك للجميع”.

في الوقت الحالي، ليس الجميع مرحب بهم في حمص. أولئك الذين خرجوا بتظاهرات عام 2011 للمطالبة بحقوقهم، لا مكان لهم في خطة إعادة الإعمار على ما يبدو. هل يمكن للهندسة المعمارية أن تنجح في تحقيق ذلك عندما ترفض السياسة؟ تجيب المهندسة الصابوبي مترددة “كانت حمص مدينة محافظة أكثر من دمشق. ومع ذلك، عاش الناس جنباً إلى جنب بسلام، ولكن بشكل منفصل. نحن نفتقر إلى إرادة جماعية لإعادة بناء البلد”.

نشر هذا التحقيق للمرة الأولى من قبل فرانسوا دالانسون في صحيفة “لاكروا” الفرنسية، وترجمته “المدن” إلى العربية.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى