أزمـة النظـام فـي سوريـا كمصـدر خطـر علـى جيرانهـا
طلال سلمان
تستولد المأساة التي تعيشها سوريا منذ شهور طويلة، سالت فيها دماء عزيزة وغزيرة، مواقف ومشاهد كاريكاتورية في لبنان، في ظل الانقسام «الأبدي» الذي يتبدى سياسياً في حين لا يمكن النظر إليه إلا عبر الصراع الطوائفي على السلطة وفي قلبها.
بفضل تلك المأساة وعلى هامشها يتم تزوير جماعات ومناطق في لبنان بما يسيء إلى هويتها الوطنية ودورها النضالي في الصراع ضد النظام الطائفي، ومن أجل تحرير فلسطين وعروبتها، ويعمل على إعادة تنسيبها إلى هذا النظام عبر تحقير نضالات الشعب السوري من أجل الحرية ودمغها بالطائفية.
تستنبت تنظيمات وتجمعات لم يكن لها وجود وذكر في العمل السياسي في لبنان، باسم الانتصار للمعارضة السورية ومساندتها في مواجهة قمع النظام بما يشوّه أهداف هذه المعارضة ويسيء إلى صورتها الوطنية الجامعة وإلى مطالبها في الديموقراطية والعدالة من دون التخلي عن الدور الاستثنائي الذي لعبه الشعب السوري في دعم النضال العربي من أجل الحرية والوحدة والكرامة.
تنظم تظاهرات التضامن مع بلدات وقرى ظلت دائماً في عداد المجاهل، مغيبة عن ذاكرة الدولة والحكام، على اختلاف العهود، وتذهب إليها مواكب «السياح السياسيين»، وبينهم طوابير من قاتلوا أهلها وقتلوهم ظلماً وعدواناً لأنهم كانوا يطالبون بحقهم في أن يكونوا «مواطنين» في «دولة» تعترف بوجودهم، ولا تنظر إليهم كـ«طارئين» أو «مندسين» أو «منتحلي صفة» ليحصلوا على الهوية المباركة بالأرزة الخضراء!
وهكذا نشأت مكاتب سياحية جديدة تنظم رحلات مشوقة إلى أقاصي البقاع، جروداً وسهلاً، والشمال بوعره وسهوبه، ويقوم الأدلاء بشرح تفصيلي عن العشائر والقبائل والحمولات ببطونها والأفخاذ، ممن حموا سيادة لبنان من الغزاة (الذين شاء القدر أن يكونوا جيراناً..) وحفظوا استقلاله من أي انتهاك أو تعد أو اختراق، ولو بالمصادفة ومن دون مطمع أو سوء نية!
تحولت المأساة الوطنية التي تعيشها سوريا إلى استثمار سياسي طوائفي في لبنان، وهذا بين ما يضيف إلى خطايا النظام السوري وتمنعه عن المبادرة إلى الإصلاح الضروري والمطلوب من أجل حماية الدولة ووحدة الشعب في سوريا ذاتها.
تمكن الإضافة أن تأثيرات سلبية مماثلة تضرب التوجهات الوطنية والقومية في كل من الأردن (فلسطيني ـ أردني، بدوي ـ حضري)، والعراق على وجه الخصوص حيث مكن عهد الطغيان ثم عهد وريثه الاحتلال الأميركي لتحويل الصراع السياسي إلى انقسام طوائفي شهدنا أكمل تجلياته في «الإقليم الكردي»، وها نحن نشهد المزيد من هذه التجليات في الانقسام المدمر للوحدة الوطنية وللكيان السياسي لهذه الدولة التي كانت معقد الأمل العربي في الوحدة والمنعة واستقلال الإرادة والتقدم نحو الغد الأفضل.
لا يدخل مثل هذا التوصيف في المناقشات التي شهدها الاجتماع الطارئ «للجنة إدارة الأزمة في سوريا» في الجامعة العربية، التي بات دورها مقتصراً على المعالجة الأمنية بواسطة فريق المراقبين مفتوحي الأعين على مدار الساعة.
فالكل يعرف أن القرار في شأن هذه الأزمة التي تعصف بسوريا وتهدد دولتها ووحدة شعبها إنما يبقى في أيدي السلطة السياسية في دمشق.
ذلك أن الأزمة سياسية في جوهرها، وليست الأحداث الأمنية المفجعة التي تطحن المجتمع السوري إلا الوجه الدموي لتلك الأزمة التي تهز صورة الدولة في سوريا بمؤسساتها المختلفة، وصولاً إلى «الهوية» الجامعة لشعبها والتي كانت نموذجاً للصلابة وراية للنضال العربي عموماً،
وبقدر ما يتأخر أو يتم تعطيل الحل السياسي لهذه الأزمة فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية ستفاقم المخاطر على الدولة ذاتها… ومن ثم على جيران سوريا الذين يعيشون حالة من القلق المصيري في كياناتهم التي طالما افتقدت صلابة التكوين والقدرة على الحياة بإمكاناتها الذاتية.
لقد تجاوزت مخاطر الأزمة سوريا إلى محيطها العربي أساساً… وتعاظمت خطورة المسؤولية التي يتحملها النظام السوري نتيجة فشله في معالجتها بالسرعة الضرورية وبالوعي المطلوب، فصارت مصدراً للخطر على الأقطار المجاورة، وبمعزل عن خريطة الصراعات بين قواها السياسية المختلفة، والتي يرى الكثير منها في الطائفية استثماراً مجزياً لا يجوز التفريط به.
هل أريق من الدماء ما يكفي لكي ينتبه النظام في سوريا إلى حجم المخاطر التي يتسبب فيها رفضه الإصلاح الذي لو أنه باشره لوفر على سوريا الكثير الكثير من الخسائر المفجعة، ولوفر على أشقائها من جيرانها الأقربين هذا الشعور بقرب انتقال عدوى الشقاق المطعم بالطائفية إليها؟!
السفير