أيهما الأخطر على أمريكا: الأسد أم الإرهاب؟/ د. عصام نعمان
اذا لم تكن الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً سياسياً وعسكرياً جديداً بشأن سوريا، فإنها على وشك ان تفعل. يمكن استشفاف ذلك من محادثات الرئيس اوباما مع المسؤولين السعوديين، او من شهادة مساعدة وزير الخارجية الامريكي آن باترسون امام اعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. صحيح ان البيانات والتصريحات الرسمية لا تكفي للإحاطة بالموقف الامريكي الحقيقي من الاحداث والتحديات في سوريا وغيرها، إلاّ انها تُلقي بعناوينها البارزة والتعليقات التي ترافقها وتعقبها اضواء كاشفة على ما يجري التخطيط له وما بات ايضاً قيد التنفيذ.
في السجال الحاد مع السيناتور الجمهوري بوب كروكر حول ما اذا كانت لدى إدارة اوباما خيارات عسكرية في سوريا، اجابت باترسون انها لا تريد مناقشة الامر في جلسة علنية. لإجابتها تلك دلالة واضحة: لو لم يكن للإدارة خيار عسكري ينطوي على سر او خطورة امنية لما ارتأت باترسون الإحجام عن التصريح.
استفزاز السيناتور كروكر الساخر لباترسون بقوله ‘ان لا خيارات لامريكا مطروحة على الطاولة’، حملها على كشف بعض جوانب السياسة الامريكية. قالت ‘إن لدى واشنطن سياسة مبنية على دعم الدول المجاورة لسوريا، مثل لبنان والاردن، وتوفير الإمدادات الإنسانية للمعارضة (السورية)، والسعي الى عمل عسكري لمحاولة تغيير حسابات النظام السوري على الارض’ .
ما العمل العسكري الذي ستقوم به واشنطن لتغيير ميزان القوى على الارض بما يؤدي الى إقصاء الرئيس بشار الأسد او حمله على عدم الترشح لولاية جديدة؟
ثمة مؤشرات ظهرت في شهادة باترسون نفسها، كما اخرى كشفتها حركة الواقع تستوجب فحصاً وتعليقاً :
اول المؤشرات قولُ باترسون ‘إن حكومتنا تواصـل دعم المعارضة المعتدلة’. ما هي تنظيمات ‘المعارضة المعتدلة’؟ هل ‘جبهة النصرة’ و’كتائب انصار الشام’ تنظيمان معتدلان؟ مصادر ‘جهادية’ اكدت لوسائل اعلامية عدة ‘قيام بعض مجاهدي ‘انصار الشام’ بتكسير الصلبان داخل كنيسة في كسب. هل هذه فعلة ‘معتدلة’؟
ثاني المؤشرات قولُ باترسون إن واشنطن ‘لن تسمح للتنظيمات الإرهابية بإقامة مناطق آمنة لها داخل سوريا، كما فعلت تنظيمات مشابهة في باكستان’. أليس تنظيما ‘داعش’ و’النصرة’ تنظيمين موضوعين على قائمة التنظيمات الإرهابية الامريكية؟ أليس هذان التنظيمان يسيطران على مناطق واسعة في ارياف حلب والرقة وادلب ودير الزور؟ كيف ستتخلص امريكا من هذه ‘المناطق الآمنة للإرهابيين’؟ ثم، أليست هذه المهمة من اختصاص الحكومة السورية اصلاً؟
ثالث المؤشرات قولُ باترسون ‘إن منع إقامة ملاذات آمنة ودائمة للإرهابيين هو من ابرز الاولويات لنا في الأزمة السورية’. هل صحيح ان هذه فعلاً ابرز اولويات امريكا؟ ألا تشير كل التصرفات والتحركات على الارض الى ان اولوية امريكا هي دعم حلفائها والتنظيمات المعادية لحكومة الاسد، ما ادى الى طغيان التنظيمات المنتمية الى ‘القاعدة’ على ما سواها من تنظيمات تدّعي الانتماء الى دول وجهات معادية للإرهاب؟
رابع المؤشرات قولُ باترسون ‘إننا بالتعاون مع شركائنا واصدقائنا نعمل الآن لمواجهة التحديات المتزايدة التي يمثلها المقاتلون المتشددون والعنيفون في سوريا واستمرار تدفقهم عليها من الخارج’. أليس هؤلاء ‘المقاتلون المتشددون والعنيفون’ إرهابيين لا تريد امريكا ان تكون لهم ملاذات في سوريا؟ من سمح لهؤلاء ‘المتشددين العنيفين’ بأن يتسللوا الى سوريا؟ ألم يتسللوا عبر حدود دول مجاورة تعتبرها امريكا شريكة وصديقة لها؟
خامس المؤشرات قولُ باترسون ‘إن عدد المقاتلين المتشددين يصل الى 32 الف مقاتل، بينهم سبعة الآف من المقاتلين الاجانب من مجموع عديد المعارضة المسلحة الذي يراوح بين 75 الفاً و110 الآف مقاتل’. ألا تبدأ معالجة الازمة السورية وبالتالي مواجهة خطرالمقاتلين المتشددين والإرهابيين بقيام الدول المجاورة لسوريا، الشريكة والصديقة لامريكا، بإعادة النظر بسياستها الحالية بما يؤدي الى منع تسللهم الى سوريا ووقف مدهم بالمال والسلاح؟
سادس المؤشرات قولُ باترسون إنه ‘لا يمكن اجراء انتخابات في سوريا بينما هناك ما بين تسعة وعشرة ملايين سوري خارج البلاد’. لم تتحدث باترسون عن التداعيات والانعكاسات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الكتلة البشرية الضخمة على الدول المجاورة، ولا سيما لبنان والاردن، إلاّ انها اشارت الى ان امريكا تشاطر الاقليات السورية القلق على أمنها. حسناً، لكن ألا ترى واشنطن ان الحل الحاسم لمشكلة اللاجئين السوريين والاقليات التي يهددها الإرهاب والإرهابيون انما يكمن بتوفير اسس متينة لحل سياسي للأزمة يؤدي الى توطيد الامن، وبالتالي اعادة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين الى بلادهم ؟
سابع المؤشرات قولُ باترسون ‘إن الانتخابات (الرئاسية) في سوريا لن تكون شرعية على الإطلاق’. صحيح ان من حق امريكا وحلفائها ان تعارض سياسياً في إعادة انتخاب الاسد لولاية جديدة، لكن أليس من واجبها وواجب حلفائها، بعد استشراء الفعالية الإرهابية لـِ’المقاتلين المتشددين’، ان تكون الاولوية المطلقة لمواجهة هؤلاء في هذه الآونة؟ أليس الإرهـاب اخطر من الاسد؟ إن سوريا لا تطالب امريكا وحلفاءها بدعمها لمواجهة الإرهاب، لكن من حقها مطالبة الجميع بوقف دعم التنظيمات الإرهابية بالرجال والسلاح والمال والمواقف السياسية.
ثامن المؤشرات اعترافُ المســــؤولين الاتراك ضمناً، واقرار زعيم حزب الشعب الجمهـــــوري المعارض كمال كيليتشدار اوغلو علناً، بوجود تسجيل صوتي لقيادات سياسية وعسكرية، بينهم وزير الخارجية احمد داود اوغلو، ورئيس جهاز الإستخبارات حقان فيدان، ونائب رئيس الاركان ياشار غولر، يفضح مخططاً لعمل عسكري تركي داخل سوريا، عبر ارسال رجال لقصف اراضيها من داخلها بغية تبرير الهجوم عليها. إن تركيا دولة شريكة وصديقة لامريكا وعضو في حلف ‘الناتو’، فهل يعقل ان تتغاضى واشنطن عما تقوم به من اعمال وعمليات تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة التنظيمات الإرهابية من حيث تمكين الإرهابيين من العبور الى سوريا بعدما بات عديدهم، بحسب باترسون، بين 75 و110 الاف، بينهم سبعة الآف من الاجانب؟ أليس منع تدفق ‘المقاتلين المتشددين’ يؤدي الى وقف تهديدهم للاقليات التي تُبدي امريكا قلقاً على امنهم؟ ألا يؤدي وقف تدفق المقاتلين تالياً الى انحسار الحرب وعـودة الملايين العشرة من اللاجئين السوريين الى بلادهم وبيوتهم؟
لعل المدخل الصحيح لمعالجة الازمة السورية يكمن في فصلها، بلا ابطاء، عن الازمات الاخرى الاقليمية والدولية . ذلك ان الإصرار على استدخال الازمة السورية بغيرها من الازمات او العكس لن يؤدي إلاّ الى الاستمرار في استخدام سوريا ساحة لتصفية حسابات اقليمية ودولية لصالح الكبار يقوم بها، وكالةً، الحلفاء الصغار.
القدس العربي