خطة أميركية جديدة في سوريا/ حسين عبد الحسين
سعت أوساط الرئيس باراك أوباما للتواصل مع الصحافيين والعاملين في مراكز الأبحاث في العاصمة الأميركية، للدردشة معهم حول “الخطة الأميركية الجديدة” في سوريا. بعد دقائق قليلة فقط من الحوار، يكتشف المستمع ان من وجهة نظر المسؤولين الاميركيين، كلمة سوريا تعني حصراً الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومع نهاية الحوار، يتأكد المستمع ان ما حاولت الإدارة الأميركية تقديمه على انه خطة جديدة، لم يأت بسبب الانفلات الروسي المستجد في منطقة شرق المتوسط، بل جاء مبنياً على الانفلات الروسي نفسه، وساعياً للتنسيق معه والإفادة منه.
الرئيس أوباما كان أنهى اجتماعاً لفريق الأمن القومي – الذي يتألف من وزراء الخارجية والدفاع والعدل، ورئيس الأركان، وأعضاء مجلس الأمن القومي – يوم الخميس الماضي. وجاء الاجتماع بعدما تحولت الخطة الأميركية القاضية بقيادة تحالف دولي ضد “داعش” الى مثار سخرية، لخصها رئيس الأركان مارتن ديمبسي بالقول إن الحرب ضد “داعش” وصلت الى “طريق مسدودة تكتيكياً”.
هكذا، تحرك أوباما لتجديد الحرب الأميركية في سوريا، لا بسبب التدخل الروسي، بل بسبب الفشل الأميركي الذي اتخذه بوتين عذراً لدخول الحرب السورية.
أما الخطة الأميركية “الجديدة”، فتبدو تافهة كسابقتها، وهي مبنية على تسليح حوالى 15 فصيلاً سورياً، يبلغ عدد مقاتليهم مجتمعين خمسة آلاف. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، بالتعاون مع نظيرتها التركية، اختارت قادة فصائل “يمكن التعامل معهم”، حتى تخصهم بالتسليح.
ومن نافل القول إن أوباما أمضى السنوات الأربع الماضية وهو يعارض تسليح أي فصيل سوري، ويصر على تجنيد افراد يتم التحري عن ماضيهم ومواقفهم السياسية والعقائدية. لكن خطة أوباما في التجنيد استقطبت 60 مقاتلاً، خمسة منهم وجدوا طريقهم الى الجبهة. هكذا مع موافقة أميركا على اقتراح تركيا تسليح الفصائل المذكورة، يكون أوباما قد تراجع للمرة الأولى عن معارضته المطلقة لأي تسليح للمقاتلين في سوريا.
وبموجب الخطة الأميركية الجديدة، يشترك المعارضون السوريون الخمسة آلاف مع 25 ألف مقاتل من البيشمركة الكردية للتقدم على محورين، وقطع طرق الرقة – عاصمة داعش – من الشمال. ثم يقوم هؤلاء المقاتلون بتأمين 100 كيلومتر من الحدود التركية – السورية من جرابلس الى إعزاز.
وتقول مصادر الإدارة الأميركية إن الخطة الأميركية – التركية تأتي بالتنسيق مع روسيا، بعدما عقد ضباط أميركيون وروس لقاءات وأقاموا قنوات تواصل. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقى نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل اثناء لقاء اتفاق تثبت الوضع شرق أوكرانيا. ومما قاله هولاند، في ما بعد، إن روسيا ليست حليفة حالياً، “لكن يمكن ذلك مستقبلا”، وهو تصريح يشبه الحديث الأميركي عن تنسيق مع موسكو في سوريا.
مغزى الخطة الأميركية ان تقضي الدول الغربية على داعش، ويساهم بوتين في تثبيت الأسد. بعد ذلك، يمكن الدخول في تسوية بين “سوريا الغربية وسوريا الشرقية”.
على انه على جاري العادة، الخطة الأميركية مليئة بالثغرات، أولها ان عدد خمسة الاف مقاتل لا يكفي لمعركة باتجاه الرقة كالتي تتصورها واشنطن، وثانيها ان البيشمركة تقاتل دفاعياً في معظم الأحيان، وثالثها انه إذا كان بديل الأسد في دمشق داعش، فان بديل داعش في الغرب هو الأسد، إذ لا يمكن لقوة سورية من خمسة الاف مقاتل القضاء على داعش ثم الوقوف في وجه روسيا والأسد.
يحرم القانون الأميركي أي تنصت للأجهزة الاستخباراتية على المواطنين أو المقيمين في الولايات المتحدة. لكن وثائق ادوارد سنودن أظهرت ان واشنطن طلبت من لندن التجسس على مواطنيها وتزويدها بالمعلومات، وهكذا، تحصل الأجهزة الأميركية على ما تريده من دون اختراق القوانين الأميركية.
تحايل الحكومة الأميركية على قوانينها هو نفسه تحايل أوباما وادارته على السوريين واصدقائهم من العرب: يدّعي أوباما ان هدفه رحيل الأسد، في وقت تشي كل خطواته التي تحصر مجهوده بالقضاء على داعش والتنسيق مع الروس ان هدف أوباما فعليا هو إبقاء الأسد. هذه هي الخطة الأميركية الجديدة، ومصيرها على الأرجح سيكون كسابقاتها، أي الفشل، مع أو من دون بوتين.
المدن