صفحات العالم

روبرت فيسك عميل استخبارات بريطاني


هالة مرعي

عندما يخلو العمل الصحفي من تلك الصلة الرحمية التي يجب أن يراعيها بين الإنساني والمهني يتحول إلى كتلة من لهب تحرق كل من تصله، خاصة في مثل الوضع السوري. وعندما يسعى الكثيرون من الذين يفتح لهم الهواء صوتاً وصورة إلى إستغباء المتلقين والضحك حتى على ذاكرتهم القريبة جداً، فهم يصبحون ممجوجين وينطقون بكفر مبين.

بين هذا وذاك الموقف تبقى فعلة مراسلة قناة الدنيا المشينة ميشلين عازر في داريا، مدار بحث وتساؤل واستنكار على أكثر من مستوى مهني، إنساني وأخلاقي بالدرجة الأولى. فبين لحظة نقتنص فيها صورة أو كلمة للكاميرا، ولحظة يمكن أن تنقذ حياة إنسان، من المؤكد أن حياة الإنسان أغلى. وبين صحفي يتجول في غابة جثث وجرحى كما في مجزرة داريا ويبحث عن جريح يصارع للحياة يستصرحه، أو عن طفلة مرعوبة مصدومة تُسأل عن هوية الجثة التي بقربها، وصحفي فيه مشاعر بشرية طبيعية، ينتصب أمامنا البعد الإنتهازي الاستبدادي للمهنة. وعندها نتأكد بأن المهني الإنتهازي أطاح بكل ما هو إنساني وأخلاقي. فكم كان بالحري بميشلين عازر أن تسدل ميكروفونها نحو الأرض وتقترب من الطفلة المرعوبة تحضنها علّها تهدئ بعضاً من روعها بدل أن تسألها عن جثة والدتها: مين هاي اللي حدك؟ بتعرفي شو صار معك؟ وبدل أن تستوقف سيارة تهم بنقل جريحة لتسألها: مين أطلق النار عليك؟

هي مذيعة لا تحتاج لمن يصف طينتها عرّضت نفسها لمحاكمة كل من فيه ذرة إنسانية، لكن أحداً لم يحاكم قناة الدنيا على بثها هذا الشريط. فإن كان هناك الكثير من الأعلام ‘المغرض’ والملفق الذي نما وترعرع على الدم السوري المسفوك، فالدنيا عبثت بهذا الدم، وداست شرعة حقوق الإنسان وبخاصة الطفل.

بين مجزرة وأخرى في سوريا تتقارب المسافات الزمنية ويقترب وجه الشبه. وما أن ينتهي الإعلام من وصف هول مجزرة حتى تطالعنا أخرى. إنما تبقى داريا حتى اللحظة قابعة في الذاكرة لهولها ولكثرة عدد الضحايا من كافة الأعمار. أمس الأول عرضت قناة الميادين صوراً لتلك المجزرة الرهيبة. قتلى في الأزقة، والطرقات. بعضهم أسلم الروح فوق آخر. جثث تتقارب تتكوم على بعضها، وكأن الناس كانت في رحلة هروب من دمها المستباح، لكن القتلة كانوا أسرع من تمسك هؤلاء بالحياة. هو مشهد ذكرني بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا خلال الإجتياح الصهيوني لبيروت سنة 1982. لقد قرأت قناة الميادين في مسائيتها ربطاً وثيقاً بين كل حدث سياسي يهتم بالشأن السوري الكبير، وبين المجازر. فهذه الأخيرة ترافق كل مبادرة سياسية كائناً من كانت. أما مراسل جريدة الأندبندنت البريطانية روبرت فيسك فقد نسب مجزرة داريا للجيش الحر ‘استدراجاً منه للنظام إلى موقعة’. من هذا التحليل الإتهامي بدأ السؤال للناطق باسم الجيش الحر بسام الدادا الذي إستنكر وإستغرب وتساءل: هل يقتل الشعب نفسه؟ وقال لفيسك: وسخ. ليس له مصداقية. عميل الإستخبارات البريطانية. أين يكون الصحافيون البريطانيون حين يقصف الجيش الحر بعد خروجهم. فهل الإستخبارات البريطانية مع النظام السوري يا ترى؟ وفي سبيل بعض من المصداقية قاطعت صحفية الميادين محدثها من أنقرة أو إسطنبول ـ لم تستقر على مكان ـ لتقول له: روبرت فيسك وجه انتقادات للجيش النظامي في سوريا.

براءة الجيش النظامي، وبراءة الجيش الحر، وبراءة القنوات التلفزيونية من الدم السوري باتت تحتاج لطرف محايد يحكم فيها. فقد فاق العبث بهذا الدم البريء كل حدود.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى