أي شرق أوسط جديد تطبخه الحروب:هل بتقاسم مناطق النفوذ أم بتقسيمه؟/ اميل خوري
كثرت تكهنات المحللين السياسيين والديبلوماسيين واختلفت توقعاتهم حول أي شرق أوسط جديد سيقوم بعد كل ما يجري فيه: هل تقوم فيه دول تعتمد النظام الفيديرالي لتعذّر العودة إلى النظام الشمولي، أو حتى اعتماد النظام الديموقراطي مع صعوبة العودة الى التعايش بين مختلف الأديان والأعراق والاتنيات، أم تقوم فيه دول مذهبية وعرقية كحلٍ بات لا بد منه؟
ثمة من يقول إن استمرار الحروب الداخلية في عدد من دول المنطقة من دون التوصل الى وقفها لا بحل سياسي ولا بحل عسكري معناه أن تقسيم دول فيها آتٍ لا محالة، وقد لا يتم ذلك إلا بعد تدمير كامل كل دولة معرضة للتقسيم. ففي لبنان استمرّت الحرب 15 سنة، وعندما فشلت خطة تجزئته أو تقسيمه خدمة لاسرائيل أُخضع لوصاية سورية دامت 30 عاماً. وإذا كانت إسرائيل لم تربح تقسيم لبنان كما كانت تتوخّى فانها ربحت التخلّص من الفلسطينيين المسلحين فيه ومن عملياتهم الفدائية بنقلهم من لبنان إلى تونس. وإذا كانت الحرب في سوريا لم تحقق تقسيمها إلى الآن، وهو ما تتمناه اسرائيل، فقد تحقق تدمير جزء كبير منها لا قيامة لها منه إلا بعد سنوات طويلة، فتكون اسرائيل قد ارتاحت من همّ السلاح الكيميائي السوري. ولو أن الدول الكبرى تريد حلاً لسوريا لكانت اتفقت على هذا الحل وفرضته على جميع السوريين، موالين ومعارضين، ولم تلجأ إلى سياسة المماطلة والتسويف وإضاعة الوقت في جدل على تشكيل الوفود التي لها حق التفاوض، ولما كانت تبحث عن حل لمشكلة اللاجئين والنازحين السوريين الى دول الجوار ومنها الى دول الاغتراب بتوفير المساعدات اللازمة لهم ليبقوا حيث هم، بل كانت تعالج أسباب هذا اللجوء وليس نتائجه وعلى طريقة ذاك الحاكم الذي أقام مستشفى عند كوع خطر عوض أن يوسع الكوع ليمنع وقوع الحوادث فيه… ولو إن الدول الكبرى تريد حلاً في العراق لما استمرت الحروب السياسية والحزبية والمذهبية تواصل تدميره فترتاح اسرائيل من إمكان عودته دولة قوية بعدما دفعت ثمن ازدياد قوتها باسقاط نظام صدام حسين بتهمة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل ثبت في ما بعد أن لا وجود لها، وهي حرب قد تستمر الى أن يتم تقسيم العراق. وفي انتظار ذلك تنعم اسرائيل بالراحة والاطمئنان. ولو أن الدول الكبرى كانت تريد حلاً في ليبيا لما تركت الحروب مستمرة فيها الى أن تصبح لا حل لها إلا بالتقسيم، بل كانت فرضت الحل بالقوة كما أسقطت نظام القذافي بالقوة. ولو أن الدول الكبرى تريد تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة لما كانت أصرّت على منع ايران من انتاج السلاح النووي، بل كانت خيّرت اسرائيل بين جعل ايران دولة نووية تتوازن معها بالقوة العسكرية فيتحقق توازن الرعب أو التسليم بتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، لا أن تعطي ايران ما تريد من دور ونفوذ في المنطقة في مقابل منع حصولها على السلاح النووي لجعل إسرائيل ترتاح وتطمئن الى أمنها وحتى الى
وجودها.
الى ذلك، يمكن القول إن لا أحد يعرف حتى الآن أي صورة ستكون لعدد من دول المنطقة لمعرفة أي صورة ستكون للبنان: هل ستحصل تغييرات جغرافية تنعكس على لبنان، أم أن التغييرات ستكون في الأنظمة وداخل الحدود وليس في الحدود بحيث تكون شبيهة بنظام لبنان الذي يحقق التعايش بين المذاهب والاتنيات، أو بنظام آخر يقضي على هذا التعايش؟ وهل يظل القادة في لبنان ينتظرون تظهير صورة عدد من دول المنطقة ليعرفوا صورة لبنان، أم أنهم يجدون الفرصة سانحة لتأكيد اتفاقهم على تحييده عن صراعات المحاور لأنه السبيل الوحيد الذي يحمي وحدته الوطنية ويصون استقلاله وسيادته وحرية قراره، ولا يظلون منقسمين في مواقفهم بين شرق وغرب أو بين شرق وشرق وغرب وغرب ولبنان يعاني وأبناؤه يهاجرون أو يهجَّرون؟!
النهار