احتفالية الشارع السوري”: استعادة الفضاء العام
راشد عيسى
كلما سئمنا كلام السياسية والسياسيين ذهبنا إلى الشارع، فوحده يرمم القروح الآتية من دهاليز الديبلوماسية. لم تخطئ احتفالية “االشارع” حين اتخذت هذا الاسم، ولا حين ذهبت إلى الناس حيث هم، لتحتفل معهم، أو تدفعهم إلى الاحتفال، لمناسبة الذكرى الثانية لثورة السوريين. فالثورة هي أساساً ثورة الشارع.
تبدأ احتفالية “الشارع” غداً، (وتستمر حتى 22 آذار) بفعاليات في مدينة الرقة، تل أبيض، جرابلس، منبج، الباب، كفرنبل، سراقب.
أولى الفعاليات تحمل اسم “شموع الحرية”، وفيها يرسل أهالي مدينة جرابلس مئات الشموع لتطوف ليلاً في فرات جرابلس، كرسائل سلام للمدن السورية المدمرة على الفرات، الرقة ودير الزور.
أما حملة “الحرية… لا بد منها” فهي مشروع “تلوين ما تبقى من جدران لم تهدمها أسلحة النظام، وبخ أعمال غرافتي لعبارة: الحرية… لابد منها في مختلف المدن والقرى”.
وعلى ما يقول منظمو التظاهرة فإن الحملة “محاولة لاستعادة الفضاء العام الذي سرق من المجتمع السوري مرتين، بسبب النظام الذي هيمن على المجتمع من خلال تماثيل حافظ الأسد وصوره وأقواله في الشوارع والساحات والأسواق والبيوت، واليوم على أيدي الكتائب العسكرية في سوريا من خلال ما تكتبه على جدران المناطق المحررة “جبهة النصرة مثلاً”، وفرض أعلامهم في الشوارع والتظاهرات”.
الاحتفالية تجد نفسها معنية بإعادة صياغة المشهد الذي تريد، فلا شك في أن سكان الشوارع أحق ب”فضائهم”، وبجدرانهم وشوارعهم. لذلك يصف منظمو الحملة عملهم بالقول إنها “دعوة عملية للمجتمع السوري للدفاع عن الفضاء العام بعد سرقات متتالية، منذ عقود إلى اليوم، وهي الدعوة إلى الوقوف سدّاً أمام أحلام استبدادية قد تنشأ من جديد، بعد تضحيات عشرات الآلاف من السوريين فيه سبيل الحرية”.
إلى جانب فعالية “قماشة الحرية”، وهي مشروع رسم للأطفال، هنالك أيضاً “مسرح الشارع”، حيث تقدم الاحتفالية مجموعة عروض مسرحية أولها عرض مسرحي للدمى في منبج، وآخر للأطفال في جرابلس، وفي مدينة الباب عمل مسرحي ينتقد الواقع وأخطاء الثورة.
الأبرز بين فعاليات “الشارع” مجموعة الأفلام السينمائية التي تعرض في إطار تظاهرة “سينما الشارع”. وهي مجموعة من الأفلام القصيرة. التي أنجزت خلال خلال الثورة.
تلك الوثائقيات هي تحفة الثورة بلا منازع، فمن دونها كان يمكن لأعداد لا تحصى من الجماليات أن تضيع. كل من أفلام الاحتفالية هنا يسلط الضوء على حكاية، أسطورة من اساطير الشارع. من فيلم “نساء الزبداني” حيث نساء تلك المدينة يقدن الاحتجاجات السلمية في مدينتهن، إلى “بستان الباشا” الذي يتناول القصف وترويع السكان في ذلك الحلبي، كما يتطرق إلى حكاية رجل يحكي معاناته في غياب شقيقه… العالق تحت الانقاض.
أما فيلم “سوزوكي الحرية” فيتحدث عن حمزة، بائع الغاز البسيط، الذي تحول وسيارته من تلك المهنة اليومية، إلى مهنة “أسطورية”، فراح ينادي على الناس في مدينة بنش، يبث لهم الأغاني، ويدعوهم إلى التظاهر في أوقات محددة. كذلك يفعل فيلم “تذوق طعم الحرية”، إذ يروي قصة معتقل سابق أطلق سراحه، ويبيع المثلجات تحت اسم “تذوق طعم الحرية”، وعند الطلب يرسم لزبائنه علم الاستقلال على المثلجات، أو يخط لهم كلمة “إرحل”.
أما فيلم “دستور كفرنبل” فيتابع كيف يحرص أبناء المدينة، المشهورة بلافتاتها الذكية واللماحة وخفيفة الظل في آن، على خلق مناخ ديموقراطي في مدينتهم، وتتابع الكاميرا سعي أهل كفرنبل للاجتماع وإيجاد دستور يضمن اليوم التالي لسقوط النظام. كذلك تتضمن الفعالية أفلاماً مثل فيلم “هاون”، و”يا دوما”.
هذه الاحتفالية ليست لإحياء الذكرى فحسب، بل هي نوع من استعادة لقيم ينشهدها الناس، الآن أكثر من أي وقت مضى، ولدور يُعاد، ولو رمزياً، إلى الشوراع وناسها، والأهم من ذلك كله التأكيد على حكايا الناس وتلك التفاصيل التي، في النهاية، هي الثورة.