حمّود حمّودصفحات الرأي

“الإخوان” و”الأخوات المسلمات”: النسويّة والإسلام السياسيّ


حمّود حمّود()

بعد أكثر من ستين عاماً على تراجع دور تنظيم “الأخوات المسلمات”، عُقد بالقاهرة في الثاني من تموز (يوليو) 2011 المؤتمر الأول من نوعه لقسم الإناث في تنظيم الإخوان المسلمين؛ ما يعني أنّ الظاهرة النسائيّة “الأخواتيّة” (مقابل الظاهرة “الإخوانيّة”) بدأت تستأنف نشاطها داخل أروقة الهرم الاجتماعيّ، وبخاصة في مصر. وأوّل سؤال يمكن أن يتبادر إلى الذّهن، هل ظاهرة الأخوات المسلمات هي حركة نسائيّة تحرريّة إسلاميّة أم لا تعدو إسلاميّة نسائيّة، ولكن في إطار نسائي “مُسيّس”؟ أو بمعنى أدقّ، هل هي امتداد للحركات النسويّة العالميّة، أم امتداد لحركات الإسلام السياسيّ من أجل تحقيق مشاريعهم؟

إذا كانت فكرة حسن البنا، الأب الشرعي للإخوان المسلمين، بخصوص إنشاء قسم لـ”الأخوات المسلمات” (وذلك في سنة 1933) نابعة أساساً من فكرته هذه: “حذار فإن المرأة التي تُصلح الأمة بصلاحها، هي المرأة التي تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال بفسادها”، فإنّ المنحى أو طريقة سلوك الأخوات المسلمات يداً بيد مع أشقائهم “الإخوان” الذكور، قد أخذ مع ثورة تموز ( يوليو) 1952 بعداً جديداً، هو انخراط نساء الإخوان في العمل السياسيّ المباشر، وذلك بفضل المرشدة الإيديولوجيّة زينب الغزالي، التي خاضت معاركها السياسيّة العنيفة مع النظام السياسيّ العلمانيّ “الكافر” لجمال عبد الناصر (كما كانت تصفه)، وأعادت قولبة العمل التحرّريّ النسائيّ الإخوانيّ، فغدا دور المرأة معها ليس فقط تخريج إخوان مسلمين “صالحين” من المنزل، بل تخريج امرأة مسلمة “مجاهدة” تنادي أيضاً بقيام الدّولة الإسلاميّة جنباً إلى جنب مع أخيها “الإخوانيّ” (وقد لُقبت نفسها بـ”المجاهدة زينب”).

ربما يُعتبر قسم الأخوات دخل التنظيم بمثابة “ملحق” تزييني له وتبييض لصورته أمام أعين المراقبين، لكن الأمر يتعدى هذه النقطة. هناك هدفان جوهريّان يقع على عاتق الأخوات المسلمات تنفذيهما كما رسمه القادة الإخوان:

الأول: الردّ على الدعوات النسائية العالميّة المتحرّرة، لكن من منظور إسلاميّ (إخوانيّ) وتقديم خطاب نسائيّ بديل بما يتوافق والإيديولوجية الدينيّة. وفي هذه الحال لم يتغير شيء: “نسوية” إخوانية، لكن ضمن إطار ما تفرضه الذكورية الإخوانية؛ هذه الذكورية هي المخوّلة “وحدها” تفسير الإسلام بالشكل الذي ترتئيه؛ وما على النساء “الأخوات” إلا الإقرار بشرعيّة هذه الرؤية.

وهكذا، فإنّ مقاس الحرية ومسألة حقوق المرأة وولايتها…الخ، مسائل مرهونة بالفضاء الذكوريّ العام والبارادغم البطريركيّ. والنتيجة هي: “أخوات مسلمات”… نعم! لكن فقط ضمن إطار البنية الإيديولوجية للإخوان الذكور!

الهدف الثاني، هو سياسيّ مغطى بغطاء اجتماعيّ، ذلك أنّه على مرّ السنين الماضية كان على الإخوان تأسيس سلطات موازية لسلطة النظام السياسيّ داخل هرم المجتمع. ولكون أنّ البنية الثيولوجيّة والفقهيّة التي تحتكم إليها ذهنيّة الإخوان تقضي بعدم الاختلاط بين الجنسين، فإنّ تسليط الأخوات داخل الشارع النسائي كان ضرورياً، (أي داخل الأمكنة التي لا يستطيع ولوجها الإخوان الذكور)، وذلك عن طريق القيام بالدروس النسائيّة في المساجد والأعمال الخيرية والعمل في المستوصفات…الخ. وربما تكمن هنا الأهميّة القصوى للأخوات المسلمات في الشارع: إنها تكريس لسلطة الإخوان، داخل النصف الآخر من المجتمع، الشارع النسائيّ. ولا شكّ أنّ الأخوات حقّقن أهداف الإخوان في ذلك، والتي نحصد نتائجها الآن. حتى أنّ السيدة سناء البنّا (ابنة مؤسس الجماعة، حسن البنّا) التي حضرت مؤتمر الأخوات، تفتخر بإحدى مقابلاتها بأنه: “عندما دبّروا لقتل حسن البنا ظنوا أنهم بذلك سيقضون على دعوته، فخرج لهم مليون حسن البنا ومليون ابن وابنة لحسن البنا ومليون حفيدة لحسن البنا”.

لا شكّ أن إعادة استئناف الأخوات المسلمات لنشاطهنّ، لم يكن لولا “أكتاف” الربيع العربيّ، التي بدت للإخوان والأخوات ككل “أكتافاً دَسِمة”، وذلك بعد اضمحلال الفاعليّة الإيديولوجيّة لخطابهم. وربما من المهمّ تذكر أنّ صعود الأصوليات التي شهدتها المنطقة في التاريخ القريب من القرن العشرين، كان دائماً يرافقه صعود أصوليات نسائيّة كذلك؛ أصوليات نسائيّة تتلون بحسب اللون الإيديولوجي الأصوليّ الذكوريّ. هكذا مثلاً، فحينما صعدت أصوليّة طهران بعد ثورة 1979، ترافق بعد ذلك صعود نساء إسلاميات لم يكن همهنّ، إلا تبييض صورة إيديولوجيّا ولاية الفقيه، لكن بصوت نسائيّ؛ فأصبحت حرية المرأة الإيرانيّة مفصّلة وفقاً لمقاس الأدلوجة التي رسمها الخميني وخلفائه الملالي؛ وغدا الدفاع عن “الجندر” الأنثويّ، مرهون حتماً بأوالية تكريس “سلطة” “الجندر” الذكوريّ.

وإذا كان هناك حقيقة الآن قلق ما في سياقنا العربيّ، فإنه لا يتعدى الخوف من تكرار ذلك، وتكرار سيناريوهات “أسلمة” قضية المرأة، بدواعي الخصوصية والاستثنائيّة وما إليه. ليست المسألة المهمة أن يتحدّث قادة الإخوان المسلمين في مصر، عن فاعليّة دور المرأة المسلمة في الربيع العربيّ والثورة المصريّة (كما جاء على لسان محمد بديع المرشد العام للجماعة، والذي حضر المؤتمر)، بمقدار الرهان على تغيير بنية الخطاب البطريركيّ الذكوريّ الذي يحتكم إليه باراديغم الحركات الإسلاميّة المسيّسة. ذلك أنه، ما زالت مرجعيّة القرار في الجماعة إلى الآن تتم ضمن إطار الذكوريّة الإخوانيّة. لا بل حتى شرعيّة وجود الأخوات المسلمات أنفسهنّ، لا تتحقق إلا من خلال الإقرار بشرعيّة الإخوان الذكور، وشرعيّة “المرشد الأعلى”. ويذكر، أنّ الأخوات ما زلن يشتكين من عدم تمثيلهن بمكتب الإرشاد للجماعة (دعك من إمكانية ترأس “أخت” للجماعة).

لهذا، من المهم على الأخوات المسلمات، أن تحدث عندهنّ نقلة نوعيّة من بنية الخطاب الذكوريّ الإخوانيّ إلى الخطاب النسويّ العالميّ التحرريّ. وهذا لن يتم إلا بإعادة تفكيك البنية البطريركيّة التي تمأسس عليها خطاب الإسلام السياسيّ، وإعادة بناء هويّة جندريّة منفتحة، هويّة تقرّ بالاختلاف داخل النوع الاجتماعي (ذكر/ أنثى)، لكن على أرضية “مساواتيّة” في عمق هويّة الوجود الإنسانيّ (وليس مجرد مساواة في الحقوق فقط). وهذا هو مغزى النسويّة التحرّريّة؛ هذا فعلاً إذا أرادت “الأخوات المسلمات” القيام بثورة نسويّة وتقديم خطاب نسويّ معاصر.

()كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى