‘التحدث الى الارهابيين’ للصحافي الاستقصائي بيتر تايلور: هل يمكن التحاور مع ‘القاعدة’؟
ابراهيم درويش
‘لن نتحاور مع الارهابيين’ عبارة تساق عادة لتبرير’مواقف الحكومات حتى لا تتصل بالجماعات الارهابية، لتكشف لنا الاحداث في ما بعد ان هذه الحكومات نفسها قد اتصلت مع ‘الارهابيين’ كي تتوصل لصفقات، فمن جنوب افريقيا العنصرية (مع المجلس الوطني الافريقي) الى بريطانيا مع الجيش الايرلندي الحر (اي ار ايه) وحتى امريكا في لبنان والعراق وافغانستان، اثبتت الحكومات ان لديها استعدادا للتحادث مع اعدائها وتحقيق تسوية معها من خلال القنوات السرية بعد سنوات من الرفض والتعلل.
والتسوية التاريخية مع حرب العمال الكردستاني التي حققتها حكومة اردوغان التركية دليل واضح على ان ‘الارهاب’ و’السياسة’ يلتقيان ويحققان تسويات تاريخية.
نيلسون مانديلا ‘يجسد شخصية رمزية لرجل تحول من ‘ارهابي’ الى رجل دولة، وكذا عرفات من ‘ارهابي’ الى رئيس وحامل جائزة نوبل للسلام. طبعا يختلف الباحثون في تحديد من هو الارهابي من غير الارهابي، ويتفقون على انه ليس كل من حمل السلاح بالضرورة ارهابيا، فالفلسطيني الذي يواجه الاحتلال هو فدائي ومقاتل حرية، ومن كانوا حتى وقت قريب يواجهون الجيش البريطاني في شمال ايرلندا هم في عرف انفسهم ونظر الاخرين ابطال حرية، وحتى ‘محاربو ‘القاعدة يعتبرون انفسهم جهاديين ومجاهدين في سبيل الله، واسامة بن لادن كان يخوض، كما آمن حربا ضد اعمدة الشرك والطغيان. بعد كل هذا يظل تعريف الجهادي والمقاتل البطل الثوري اشكاليا. و’القاعدة’ التي جسدت الارهاب في العقدين الماضيين كانت قادرة على نقله لمستويات اوسع، اي’تقديم مسرح عالمي له. ومن هنا فالتنظيم لم يتردد لنقل المعركة وبدون ان تفرق بين المدني والهدف المشروع، يعتبر التحاور معها امرا مستبعدا، وعليه نفهم حوار باراك اوباما معها بالدرونز والقتل المستهدف. ولكن السؤال يظل قائما هل يمكن الحوار مع ‘القاعدة’؟ سؤال يطرحه بيتر تايلور الصحافي المخضرم في ‘بي بي سي’ الذي غطى حروبا وتابع قضايا من ايرلندا الى العراق و’القاعدة’. ويطرح في ثنايا كتابه الذي يحمل عنوان ‘التحدث الى الارهابيين: رحلة شخصية من الاي ار اي الى القاعدة’. وهي ‘رحلة بدأت في ايرلندا مع صحافي شاب غير مجرب كان يخطو خطواته الاولى في غابة الاعلام ويدخل غابته الشائكة، وتنتهي مع صحافي مخضرم خبر العالم و’القاعدة’ وحاورها. ومع ذلك تظل رحلة تايلور غريبة لان معرفته بـ’القاعدة’ بدأت مع ‘نهاية تجربته في ايرلندا واتفاق الجمعة السعيدة 1998، الذي عقدته الحكومة البريطانية مع الجناح السياسي للجيش الايرلندي الحر ‘شين فين’، وأكد مبدأين’مهمين وهما ان اي دعوة للاستقلال لن تتم الا باستفتاء عام يقرر فيه سكان الاقليم مصيرهم، وان اي معركة يجب ان تخاض سياسيا. وفي الوقت الذي كان فيه تايلور يراقب اعداء الامس يوقعون على الاتفاق ويبدأون عهدا من السلام والتعاون، كان اسامة بن لادن واتباعه ينفذون هجوما على سفارتي ‘الولايات المتحدة في شرق افريقيا، ولكن معرفة وصلة تايلور لن تتطور وتتوثق الا بعد الهجوم المنسق على الولايات المتحدة، الذي اصبح يعرف اختصارا بـ 11/9 او في ادبيات ‘القاعدة’ بغزوة نيويورك.
من الاحد الدامي الى تفجيرات كينيا
بدأ تايلور رحلته في ايرلندا وشهد كيف ادت مذبحة الاحد الدامي (تعرف ايضا بمذبحة بوغسايد في ديري) الى تخريب عمل الوسطاء بين طرفي النزاع الايرلندي، وهو يقص علينا قصة الصراع الايرلندي، خاصة الدور الذي لعبه رجل الاعمال بريندان دادي، الذي كان يعرف ابطال الحركة السياسية والعسكرية في الجانب الايرلندي، وكان عملاء المخابرات البريطانية يستخدمونه كقناة اتصال مع مسؤولي الاي ار اي، حيث كان يجمعهم احيانا في بيته ويعرض حياته للخطر في اثناء توتر الاوضاع وزيادة قمع الجيش البريطاني لرجال الحركة الايرلندية. ويعتقد تايلور ان معظم من يطلق عليهم ارهابيون او يشيطنهم الاعلام والخطاب السياسي عادة ما لا ينطبق عليهم مصطلح الارهابي فهم، عندما يجتمعون مع عدوهم يكشفون عن جانب انساني ويطورون نوعا من العلاقة الانسانية ويتخلون عن الرسميات، واحيانا تنشأ بين بعضهم صداقات. ويقيم تايلور كتابه على فهمه للقاءات التي اقامها مع المقاتلين والمسؤولين والسجناء، في القضية الايرلندية، الذين كانوا يضربون عن الطعام لانهم لم يكونوا راغبين في المعاملة كبقية المجرمين في سجون البريطانيين، ولان عمل الصحافي عادة ما يحمل معه الكثير من المخاطر فهو ايضا يقول انه يقوم على انتهاز الفرصة ويقدم حكاية له مع مسؤولي المجلس الوطني الافريقي الذين التقى ببعضهم في لندن وهيأوا له الفرصة لزيارة معسكرات المتطوعين في انغولا، حيث يقول ان مذبحة الطلاب في سويتو (16 حزيران /يونيو 1976)، التي ارتكبها نظام التمييز العنصري ادت الى زيادة في الاقبال على التطوع في صفوف الحركة، الذين انضموا لحركة التحرر الوطني.
وفي قصة رحلته الى انغولا يقول انه كاد ان يعود للندن بدون قصة او صور لولا الخلافات في التواصل القيادي بين القيادة السياسية والميدانية التي هيأت له الفرصة لمقابلة المقاتلين في المعسكر. ويرى تايلور ان الصحافي يجب ان يكون جاهزا لأي موقف وما يهم هو كيفية انتهاز الفرصة، وقد حدث اكثر من مرة ان سافر الى اخر الدنيا وعاد بلا شيء، او كان عليه الانتظار من اجل الحصول على موعد لمقابلة احد المشاركين في مؤامرة او عملية.
مع ‘القاعدة’
كانت ‘القاعدة’ وهجماتها على امريكا بداية عمل تايلور في مجال ملاحقة قصص تتعلق بـ’القاعدة’، ومن هنا فكتابه ‘دراسة في تاريخ الحركات الجهادية والعمليات التي نفذتها او كانت تخطط لها خلاياها’، وفيه دراسة لتعامل الاجهزة الامنية مع الخلايا النائمة والفاعلة وكيف قامت هذه الاجهزة بتجميع الخيوط والمراقبة. ويغطي الكاتب كل قصة وعملية قام بها ناشطون في الغرب وفي جنوب شرق اسيا، من اول محاولة اختطاف لطائرة قام بها ناشطون من الجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية في ليلة عيد الميلاد عام 1994 لطائرة من الخطوط الجوية الفرنسية الى محاولة عمر فاروق عبدالمطلب الفاشلة في ليلة عيد الميلاد عام 2010 في ديترويت. وتكشف تقارير تايلور عن وجه مختلف لمقاتلي ‘القاعدة’ غير الوجه النمطي، فهم شبان متعلمون ومن عائلات متوسطة، مثاليون وحالمون، مروا بأزمة بحياتهم، خاصة الناشطين في الغرب ممن قادتهم مثاليتهم وعاطفيتهم الى تيار الاسلام المتطرف ودعاته، مثل مسجد فينسبري في شمال شرق لندن ودعاة من امثال ابو حمزة المصري، وابو قتادة. وهناك شبان مسلمون قادهم ايمانهم العقائدي الى التخطيط والمؤامرة لتفجير اهداف في اوروبا. تايلور لا يحاول دراسة وفهم دوافع العنف ولكن تشخيص حالة الارهاب، فهو ان وقف طويلا عند معنى الارهاب وتبعاته الا انه يريد فهم ‘الارهاب’ في كل اشكاله والنتائج التي يقود اليها، ولهذا فهو يتحدث مع ‘ارهابيين’ في داخل السجون، منهم سليم بخاري الذي اتهم مع ثلاثة بالتخطيط لتفجير سوق الاحد في ستراسبورغ في المانيا عام 2000. ويتتبع تايلور قصته التي بدأت في الجزائر، حيث قرر سليم على خلاف رغبة اهله السفر لفرنسا والالتحاق في جامعاتها. وفي فرنسا يكتشف واقعا مختلفا يتطلب منه الاعتماد على نفسه ويقرر بعدها السفر الى بريطانيا التسعينات التي كانت ملجأ للهاربين الاسلاميين من الحرب الاهلية التي اندلعت على اثر الغاء الانتخابات البرلمانية فيها ومنع جبهة الانقاذ الاسلامية من الفوز في الانتخابات. في لندن يتعرف بخاري على المشهد الاسلامي الذي يقوده للتدين، فالوحدة والغرابة تجعله يبحث عن اصدقاء في المسجد ويستمع الى النقاشات فيه. فمن مسجد ليتون الى فينسبري بارك تبدأ رحلة بخاري كي تنتهي في المانيا. المثير في قصة بخاري وقصص الكثيرين ممن يحكي لنا تايلور قصصهم ان هناك ايديولوجيا تدفعهم وتؤكد خطواتهم. كما ان بروفايل بخاري وغيره يكشف عن هويات عادية وشباب متعلمين ومن خلفيات اجتماعية ميسورة وليست مضطربة، فقصة محمد العوهلي الذي كان مع جهاد علي من المفترض ان يفجر نفسه داخل السفارة الامريكية في نيروبي عام 1998، ولد في ليفربول، حيث كان والده السعودي يكمل دراساته العليا ثم عاد للسعودية وبعد ذلك سمع نداء افغانستان، ومثل بقية الشباب السعودي، سافر اولا الى داغستان للقتال وايقن ان عليه تلقي التدريب في افغانستان، وهناك يلتقي باسامة بن لادن الذي يرشحه للمهمة الخاصة، ويزوده بجواز سفر عراقي ويطلب منه السفر لليمن، وفي اليمن يحن لزيارة والده الذي لم يره منذ زمن ولكن السرية تقتضي منه عدم تخريب الخطة فيسافر الى كينيا ولسبب من الاسباب لا تسير الخطة حسب المرسوم لها، ويلقى القبض عليه.
المحقق يتعلم ايضا
وفي قصه العوهلي التي سمعها تايلور من محقق الاف بي اي، ستيف غوغين، رحلة في التعلم، فالاخير مثل تايلور لم يكن يعرف من هو اسامة بن لادن و’القاعدة’ وكل حياته العملية قضاها في ملاحقة قضايا محلية كانت افغانستان بعيدة عنها، ولكنها لم تكن بعيدة عن سمع الجالية الاسلامية هناك، ففي فصل مثل ‘تشريح خلية نائمة’ يذهب تايلور ويتتبع قصة شباب مسلمين من اصول يمنية في بلدة لاكاوانا القريبة من بافلو، حيث تعيش فيها جالية عربية مكونة من 3 الاف عربي معظمهم من اصول يمنية، تعتبر نفسها امريكية الهوية، والبلدة لاكاوانا تعتبر ‘بلدة الجيرة الجيدة’ وفجأة تكتشف البلدة عام 2003 ان سبعة من ابنائها معتقلون بتهم ارهابية بعد ان انتهوا في معسكرات الجهاديين، كل هذا بسبب وقوعهم تحت تأثير داعية اسمه كمال درويش (او احمد الحجازي)، سينتهي في الهجوم الصاروخي الذي قتل ابو علي الحارثي، ومهما كان فهؤلاء السبعة بدأوا طريقهم في المسجد، في المثال هذا كان مسجد الهداية الذي كان يدرس فيه درويش. من بين السبعة كان اول المتحمسين لدروس الداعية، ساهم علوان الذي اثر على البقية حيث سافروا الى باكستان قبل دخولهم افغانستان ولقائهم اسامة بن لادن. على العموم فقصة خلية لاكاوانا تقدم ملمحا آخر عن الدافعية المثالية التي تتصادم مع الواقع وان ما يحلم به الشباب في الجهاد هو لعبة خطيرة. وقد عبر ساهم علوان عن ندمه بعد ادانته وسجنه بانه ما فعله كان خطأ وتمنى في رسالة لاهله لو استطاع ان يغير ما حدث، لكن تجربته اصبحت جزءا من حياته. يجب ان لا يغرب عن بالنا ان معظم هؤلاء كانوا شبابا في مقتبل عمرهم، بعضهم كان يبحث عن التجربة او المغامرة وآخرون اندفعوا بحس التضامن مع اخوانهم في فلسطين والعراق وافغانستان.
فشل امني
وكانت الحرب على هذين البلدين من اكثر القضايا التي دفعت بالالاف من الشباب المسلم للانضمام الى تنظيم ‘القاعدة’، فان كان الاحد الدامي في ايرلندا قد دفع بهذا الاتجاه ومذبحة سويتو كان لها نفس الاثر، فالحرب على افغانستان والعراق ادت الى نفس الاتجاه. ولكن ملاحقة ‘القاعدة’ كما تظهر قصة تايلور معها مليئة بالدروس والتحذيرات التي لم يتم التعامل معها بجدية، وكذا الفرص الضائعة ولعل تفجير سفارتي امريكا في كينيا وتنزانيا كان من اكثر الامثلة عن فشل الاجهزة الامنية المحلية والامريكية في ملاحقة الخيوط ومنع وقوع التفجيرات، كما ان تفجيري بالي في تشرين الاول/اكتوبر 2002 و2005 كانا من الامثلة على الفشل الملكي في ملاحقة الخيوط. وفي القصة التي يحكيها تايلور تظهر ان التحذير بدأت خيوطه بالتحقيق مع محمد منصور جبارة الذي كان يخطط مع رفاقه بضرب مناطق السياحة في جنوب شرق اسيا او ما اطلق عليها باسم ‘اللحم الابيض’، وبعيدا عن محاولات تايلور التحقق والبحث في محاضر التحقيق الا ان قصة الشخصية الرئيسية فيها مثيرة ورحلتها الى عالم الجهاديين.
تحولات ‘القاعدة’
وتمثل عملية بالي الاولى والثانية تحولا في استراتيجية ‘القاعدة’، فقد جاءتا وسطا بين الوجه المركزي لـ’القاعدة’ عندما كانت تمول وتنفذ من مركزها في افغانستان، ومثال ذلك عمليات تفجير بارجة كول، وتفجيرات شرق افريقيا و 9/11 اما العملية التي بدأها جبارة فكان الهدف منها السفارتين الامريكية والاسرائيلية في مانيلا فتمويلها كان من ‘القاعدة’ الام وتم تنفيذها فيما بعد وبعد التعديل بايد محلية، مع ان المنفذين في معظمهم مروا في معسكرات ‘القاعدة’ افغانستان. اما الوجه الثالث لـ’القاعدة’ الجديدة، كما يسميها تايلور فهو الذي تمثله العمليات في السعودية (12 ايار/ مايو 2003) والمغرب (20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003) وتركيا (16 مايو 2003) وهي التي استلهمت ايديولوجية ‘القاعدة’ واعلنت ‘القاعدة’ مسؤوليتها عنها، مع انها مولت ونفذت بقرارات محلية. ويعتقد تايلور ان ‘انتهازية ‘ بن لادن وتنظيمه ربما كانت وراء هذا التبني، وينبع من الواقع الذي فرضته مرحلة ما بعد تدمير معسكرات ‘القاعدة’ في افغانستان، والغزو الامريكي للعراق. فعلى الرغم من تأكيدات توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني من الا علاقة للغزو الانكلو امريكي للعراق بالهجمات على لندن ومدريد، الا ان الغزو كان عاملا في التجنيد والتعبئة لتنظيم ‘القاعدة’. واكدت مديرة الاستخبارات المحلية (ام اي فايف) الزا ماننغهام مولر في شهادتها عام 2010 للجنة تشيلكوت للتحقيق في الدور البريطاني في غزو العراق على اثر الغزو في زيادة الدعم والتعبئة لـ’القاعدة’ ضد الغرب.
وجوه غير معروفة
كانت القاعدة ‘الجديدة’ وقد تعرضت للحصار تبحث عن وجوه غير معروفة، ولهذا مثل جواز السفر الاوروبي بالنسبة لها كنزا ثمينا، وفي قراءة تايلور لهذا البعد في تاريخ القاعدة ‘بشرة نظيفة’ ينقلنا الى تاريخ الجهاديين في اوروبا وهجمات مدريد في 11/3/ 2004 التي يعتقد ان المجموعة التي نفذتها لها علاقة مباشرة بالخلية التي نفذت هجوم كازبلانكا. وكما حصل في بالي فان اخطاء في المتابعة وقراءة مزاج القاعدة قاد الاجهزة الامنية للتغاضي عن الاشارات التي كانت تتزايد عن قرب حدوث تفجير في اسبانيا، التي كانت حكومتها من اكبر الداعمين للحرب على العراق. وعندما سأل الكاتب محقا اسبانيا مهما عن السبب في الفشل الامني كانت الاجابة من ان الاجهزة الامنية كانت مشغولة بتوقع حدوث عمليات تتبع نفس النمط التقليدي لـ’القاعدة’، ولم تكن هذه الاجهزة قد فهمت الطريقة التي استطاعت فيها ‘القاعدة’ التكيف مع الاوضاع التي فرضت عليها ‘الحرب على الارهاب’. وبنفس السياق يفهم الفشل الامني البريطاني في منع هجمات 7 يوليو 2005، حيث يقول تايلور ان هناك فجوة في الاتصال بين الفرع الخاص في ويست يوركشاير والام اي فايف، وقد ادى هذا الى عدم الكشف عن محمد صديق خان، قائد المجموعة التي قادت الهجمات على قطار الانفاق في لندن. وقصة خان لها جذورها في الخلية التي كشف عنها قبل ذلك بسنوات كان عمر الخيام وجماعته الذين سيقبض عليهم في مؤامرة الاسمدة يتدربون في باكستان 2003. وقد اظهرت التحقيقات ان لقاءات تمت بين خيام وصديق خان اضافة الى شهزاد تنوير، ولكن المحققين لم يلتفتوا الى العلاقة. والمهم في الامر ان عائلات المتهمين او من نفذوا عمليات شعرت بالدهشة والصدمة وحقيقة ان ابناءها شاركوا في عمليات قتلت مدنيين ابرياء، ولعل حسينة زوجة خان التي كانت في المستشفى تسقط جنينها الثاني عندما سمعت نبأ العملية حيث اكدت ان المنفذ ليس زوجها بل رجل اخر غسل دماغه وقالت انه لو ان احدا قتل ابنتها لما سامحته ابدا. دهشة حسينة مثل دهشة كل البريطانيين الذين تساءلوا عن السبب الذي دفع بهؤلاء الشباب المبرزين في دراستهم والمحترمين والذين اندمجوا في المجتمع لارتكاب هذه الافعال. ولعل الاجابة عليه جاءت من باكستان ومن شريط سجله خان قبل العملية، حيث اشار فيه الى العراق. واضافة الى هذا فعلينا ان لا نستبعد التأثيرات التي دفعت بهؤلاء الشباب لطريق الجهاد اي الدعاة والناشطين الذين اثروا بخطبهم على الشباب، ومن اهم هؤلاء عمر بكري محمد زعيم جماعة المهاجرين الذي اثر على عمر خيام ومجموعته، وعبدالله الفيصل الداعية من جامايكا الذي غيرت دروسه حياة ليندزي جيرمين احد منفذي هجمات 7/7 في لندن وهناك ابو قتادة وابو حمزة المصري، الذي تركوا اثارهم على الناشطين بنفس الطريقة التي تركها ابو بكر باعشير، زعيم الجماعة الاسلامية في اندونيسيا على الجهاديين هناك، ومحمد الفزازي على منفذي هجمات المغرب وانور العولقي على نضال حسن وعمر عبدالمطلب فاروق وكمال درويش على خلية لاكاوانا.
الجهاد الانترنتي
انت لا تحتاج كي تصبح جهاديا التتلمذ على شيخ او حضور دروس دينية، فتجربة ‘القاعدة’ اثبتت ان الانترنت يمكن ان تصنع جهاديا، والقصص التي يقدمها تايلورعن الشبان المسلمين في الغرب ممن عرفوا طريق الجهاد عبر الانترنت وانتهوا في السجن تؤكد هذا، فقصة الشاب سيد حارس احمد الذي اعتقل عام 2006 واصدرت محكمة عليه عام 2009 حكما بالسجن لمدة 13 عاما تليها 30 عاما تحت الرقابة، بتهمة تحميل مواد من اجل مساعدة الجماعات الجهادية تقدم صورة عن الخطر الذي تمثله الانترنت، فحارس الذي يعمل والده سيد رياض حارس بروفسورا في جامعة جورجيا وجد نفسه مع صديقه احسانلو صديقي في طريق الجهاد، حيث ارتبطا بخلية في كندا وبريطانيا، وكانا تحت رقابة الاف بي اي، حيث سجل رحلاتهما الى واشنطن وكندا والى باكستان لتلقي التدريب قبل ان يتحرك ويلقي القبض عليهما. في قصص وتحقيقات تايلور محاولات اخرى لفهم جدوى مراكز المعالجة من ‘مرض ادمان الارهاب’، التي قد تنجح او تفشل، فالسعودية التي استعادت عددا من سجنائها في غوانتانامو قامت بانشاء مركز كما يصفونه ‘تحفة’ من ناحية توفير كل الوسائل الممكنة لمعالجة الجهاديين ولم يمنع هذا عددا منهم من الهروب مرة اخرى لمواصلة الجهاد ضد امريكا والسعودية، كما في حالة محمد العوفي الذي يقابله تايلور بعد ان قرر تسليم نفسه للسلطات مرة اخرى عام 2009 واكد انه لن يعود الى ‘كار’ الجهاد مرة اخرى. المهم في دراسة تايلور لـ’القاعدة’ انه يحاول فهمها دائما في ضوء ما تم التوصل اليه من مصالحات تاريخية في ايرلندا ويتساءل ان كانت هناك امكانية عقد هذه المصالحة مع ‘القاعدة’ ولكنه يتساءل مع اي قاعدة وحول اي قضية يتم التحاور معها، خاصة ان ‘القاعدة’ ايديولوجية عالمية مرتبطة بمظالم تاريخية. وملاحظة اخيرة، فتايلور وان قدم ادلة عن امكانية نزع معلومات من خلال الاكراه، حيث يحلل ملف التعذيب الذي مارسته امريكا مع ‘القاعدة’ الا ان الادلة الاخرى تقول ان ادارة بوش كان بامكانها الحصول على ما تريد من المعتقلين لو اتبعت طريق العقل. وللاسف قررت ان تتبع اقوال دونالد رامسفيلد الذي اعلن ان معتقلي غوانتانامو هم خارج سياق ميثاق جنيف لمعاملة الاسرى، فهم مقاتلون اعداء.
Talking to Terrorists:
A Personal Journey from the IRA to Al-Qaeda
By: Peter Taylor
Harper Press- London/2013
القدس العربي