صفحات الثقافة

التطهير/ عناية جابر

من فرط العنف والسحل وتقطيع الرؤوس والإعدام الميداني ومن فرط ما نرى من دماء تسيل في الشوارع والحارات صرنا تقريباً نتلقى الاخبار بدون أي انفعال يليق بها. تساوت الأخبار كلها في ذهننا. مجازر في كل مكان. مذبحة في هواء طلق في العالم العربي. لم يعد يملك الإعلام وسيلة لإغرائنا. نكتفي بالعنوان ونمشي. من فرط الوجع لم نعد نتوجع.

كم مجزرة ننتظر قبل ان نفيق قتلى! كم قتيل وجريح وقعيد يجب أن نحصي بعد قبل أن تتوقف هذه الملحمة التاريخية! هل هذا هو الثمن الذي كان علينا ان ندفعه لكي نذهب الى الجحيم، هذا الجحيم! وكم سيكون الثمن إذن لو حلمنا بالجنة! كم حي سيطير وكم مدينة وقرية وبلدة! كم معلم أثري على ذاكرتنا ان تفقد حتى نصل الى شيء ما، أي شيء نتمسك به لكي نقول وصلنا! كم من ارض يجب ان ندمّر لكي يصل من يريد أن يصل الى السماء!

لم نصدق نحن في لبنان ما كان يقال لنا خلال ملحمتنا الأخيرة التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي. لا لم نصدق ما قيل يومها من أن كل ما عشناه لم يكن إلا عينة مما سيجري في البلاد العربية الأخرى. وها نحن نصل إلى الملحمة الكبرى حيث توزع الناس على جماعات دينية وغير دينية يقتلون برضاهم او غصباً عنهم، لا فرق.

يوقفون البشر على حواجز طيارة للتأكد من هويتهم الطائفية ثم يمعنون بهم ضربا وإهانات وتهديدات بالحرق والإبادة ثم ينهون المشهد بعدد من الرصاصات تحت الركبة لطحن عظام المخطوف المحمّل وزر أخرى ولو كان ذا قربى… لا بل وصلت المذبحة الى حد ذبح رفيقهم الجريح الذي تجرأ في أثناء غيابه عن الوعي وتلفظ باسم خليفة من دينهم لكنه محسوب على الأخصام. قطعوا رأسه وصوروا المشهد “البطولي” وعرضوه على الشاشات من دون ان يرف لهم جفن.

وصل الدم الى ما فوق الركبة وهم لا يزالون يوجهون الرصاص إلى ما تحت الركبة. يقال إن ما يجري في طرابلس شمال لبنان هو استكمال لما يجري في وسط سوريا. فهل علينا أن نفهم ان ما نشاهده في طرابلس اليوم هو مواجهة بين الشعب وما بين المستبدين؟ هل على الحرية أن تقبل بتصفية جماعة بأكملها حتى تسود؟ هل تطيير مسجد بمن فيه يساعد على صيانة الأنظمة؟ هل التطهير العنصري ممر إجباري في بلادنا للوصول الى القضاء على الاستبداد؟ هل نحن فعلا في معركة حرية؟

صحيح أن الرهانات دولية وإقليمية لكن الأدوات محلية. صحيح أن الخارج عرف كيف يستغل تناقضاتنا الداخلية بشعارات ظاهرها عصري وباطنها دعوة إلى القتل المفتوح لكن الصحيح ايضاً ان الداخل قد استجاب للدعوة كما أُريد له أن يفعل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى